الصفحة الأساسية > البديل الوطني > حزب العمّال الشيوعي التونسي يدعو إلى مقاطعة الانتخابات وتعبئة الشعب التونسي من أجل (...)
حزب العمّال الشيوعي التونسي يدعو إلى مقاطعة الانتخابات وتعبئة الشعب التونسي من أجل افتكاك حقوقه ووضع حدّ للدكتاتورية
24 آب (أغسطس) 2009

تقديم

لم تعد تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية المبرمجة للخريف القادم سوى مدة قصيرة، ومع ذلك فإن الشروط الدنيا التي من شأنها أن تجعل هذه الانتخابات حرة ونزيهة، منعدمة. ومن الواضح أن هذا الوضع لن يتغير في ما تبقى من وقت. إن كل القوى السياسية المعارضة تـُجمع على أن الظروف التي ستجري فيها الانتخابات هذه المرة أسوأ من المرات السابقة وبالتالي لا توجد أية إمكانية لتكريس إرادة الشعب التونسي الذي يتعامل مع هذه الانتخابات بلا مبالاة تامة لاقتناعه بغياب أي رهان فيها.

وقد بات من الضروري بالنسبة إلى حزبنا أن يحدّد موقفه من هذه الانتخابات بعد أن سعى خلال المدة الفارطة إلى إقناع كافة مكونات المعارضة بتبني تمشّ مشترك تعطى فيه الأولوية للنضال من أجل توفير الشروط الدنيا لانتخابات حرّة ونزيهة قبل اتخاذ موقف عملي منها مشاركة أو مقاطعة، ولكنّ التقديرات وفي بعض الأحيان الحسابات المختلفة حالت دون تحقيق ذلك الهدف. وكان من نتائج ذلك أن المعارضة تواجه اليوم نظام الحكم مشتتة الصفوف، عاجزة عن الاتفاق على موقف موحّد من الانتخابات يعزز موقعها في الواقع السياسي وينمّي تأثيرها في صفوف الشعب ويعبّد الطريق نحو الخلاص من الاستبداد والدكتاتورية.

وسنحاول في ما يلي تحليل الظروف التي ستجري فيها الانتخابات القادمة وتحديد الموقف منها والردّ على بعض الأفكار التي أفرزتها إلى حدّ الآن النقاشات في الساحة السياسية.

1) مناخ سياسي قائم على القمع والانغلاق:

إن المناخ السياسي السائد حاليا هو مناخ يتسم بالقمع المنهجي للحريات الفردية والعامّة. وهو قمع لا يستثني أيّ طبقة أو فئة من الشعب أو أيّ تيار فكري أو سياسي سواء كان معترفا أو غير معترف به. فالشعب التونسي بمختلف طبقاته وفئاته التي تئنّ تحت وطأة البطالة والفقر والتهميش والمرض والجهل التي اشتدت بسبب الأزمة الاقتصادية الحالية، يتعرّض لقمع شامل ومنهجي، فهو لا يتمتع بحقه في التعبير عن رأيه في مختلف القضايا التي تهمّه، داخلية كانت أو خارجية، ويُحرم من الاحتجاج على المظالم المسلطة عليه ومن الدفاع عن مطالبه وطموحاته. وقد كانت الأحداث التي عرفتها منطقة الحوض المنجمي خلال العام الماضي والوحشية التي تعامل معها نظام بن علي البوليسي مع الأهالي دليلا واضحا على طبيعة علاقة هذا النظام بعموم الشعب. فهو لم يتردّد في استعمال السلاح ضدّ متظاهرين عزّل يطالبون بطريقة سلمية وبحقهم في الشغل وفي العيش الكريم.

أما الأحزاب المعترف فهي غير قادرة على تنظيم اجتماع بفضاء عمومي وحتى بمقراتها أحيانا. كما أنها غير قادرة حتى على ضمان توزيع صحفها كلّ أسبوع. فالبوليس السياسي، هو الذي يحدّد لها، بالقوة الغاشمة، وخارج أيّ مراقبة أو محاسبة، متى تجتمع ومتى لا تجتمع، ومع من تجتمع و مع من لا تجتمع، ومتى توزّع صحفها ومتى لا توزّع، هذا عدا الاعتداءات على قادتها وكوادرها والملاحقات القضائية المستمرّة ضدهم بناءً على تـُهَم مفتعلة، وإثارة "القلاقل" في صفوفها لإرباكها وتلهيتها عن النشاط.

وتتعرّض الأحزاب والتيارات الفكرية والسياسية غير المعترف بها للقمع والمنع والملاحقة. إن مناضليها غير أحرار حتى في تنقلاتهم. وهم عرضة للمراقبة المستمرّة والاعتداءات والمحاكمات، كما أن الآلاف منهم محرومون من حقوقهم المدنية والسياسية، ويبلغ التعسّف حدّ منعهم من حضور أنشطة وتظاهرات قانونية. وبالطبع فلا حق لهؤلاء المساجين السياسيين القدامى في الترشح وفي الانتخاب. ويعيش المئات من التونسيين من تيارات فكرية وسياسية مختلفة في المنفى منذ حوالي عشرين سنة، ولا حق لهم في العودة ولا في الحصول على جواز سفر، وتمارس عليهم ضغوط كبيرة للتبرّؤ علنا من الانتماء لهذه الحركة أو تلك والتعبير عن "التوبة" وإعلان الموالاة للنظام بل تزكية ترشح بن علي في المهزلة الانتخابية القادمة حتى يسمح لهم بالعودة ذالّين مقهورين.

وما تزال الاعتقالات في صفوف الشباب مستمرّة بعنوان "مقاومة الإرهاب". ويتعرّض الموقوفون المنسوبون إلى "التيارات السلفية" للتعذيب الوحشي ويحالون على المحاكم بتهم ملفقة وتداس حقوقهم في الدفاع عن أنفسهم. وهم يتعرضون في السجن مثلهم مثل سائر المساجين السياسيين لشتى أنواع التعذيب كما تتعرّض عائلاتهم للضغط والتنكيل.

ولا تختلف وضعيّة الجمعيات والمنظمات والهيئات النقابية والمهنية والحقوقية والنسائية والشبابية والثقافية المستقلّة، سواء كان معترفا أو غير معترف بها، عن وضعيّة الأحزاب. فهي تعاني من الحصار الإعلامي والأمني ويتعرّض أعضاؤها للاعتداءات والمحاكمات الجائرة والطرد من العمل أو الدراسة. فالرابطة تمنع بالقوة للعام الرابع على التوالي من عقد مؤتمرها الوطني السادس ومن القيام بأيّ نشاط في مقراتها. كما يُمنع الاتحاد العام لطلبة تونس من عقد مؤتمره التوحيدي. وتعرضت جمعيّة القضاة التونسيين لانقلاب أطاح بقيادتها الشرعية التي عوّضت بعناصر موالية للسلطة بينما يحاصر الشرعيون وينكّل بهم. وتواجه اليوم النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين نفس المصير بعد أن نظمت السلطة انقلابا على مكتبها الشرعي ونصّبت على رأسها، إثر مؤتمر مهزلة، "ميليشياتها" لطمس الواقع المتردي والمتخلف للإعلام وفرض الاصطفاف وراء بن علي في المهزلة الانتخابية القادمة.

وتتعرّض الجمعيّات غير المعترف بها (الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب، الرابطة التونسية للكتاب الأحرار، المجلس الوطني للحريات، جمعية حرية وإنصاف...) لهرسلة يوميّة واعتداءات على أعضائها وعلى أملاكهم الخاصّة لمنعهم من القيام بأيّ نشاط حقوقي أو ثقافي. إن نظام الحكم يضيق ذرعا بوجود أيّ جمعيّة أو منظمة مستقلّة ويحاول خنقها وتهميشها مستعملا أجهزته الأمنية والقضائية والإدارية.

وتعاني النقابات العمالية من نفس القمع الذي تعاني منه الجمعيات والهيئات المهنية الأخرى، إذ هي ترزح تحت كلكل بيروقراطية فاسدة، تعمل لفائدة نظام الحكم وتفرض على العمال والكادحين مخططاته المعادية لهم. وهي تتعامل مع البوليس السياسي لمحاصرة النقابيين الديمقراطيين وقمعهم وتهميشهم.

ومقابل ذلك كله يحتكر بن علي وطغمته وسائل الإعلام العمومية وشبه العمومية والخاصة التي يستعملها على مدار السنة بشكل دائم للدعاية له ولنظامه. كما أنه يسيطر على كافة الفضاءات العمومية ويتحكم في أصحاب الفضاءات الخاصة ويمنعهم من كرائها لأحزاب المعارضة أو الجمعيات والمنظمات المستقلة.

إن مثل هذا المناخ السياسي لا يتيح بالمرّة إمكانية قيام انتخابات حرّة ونزيهة تفتح الباب للتداول الديمقراطي على السلطة. إن انتخابات لا تتوفر فيها حرية التعبير والإعلام والتنظم والاجتماع لا يمكن أن تكون بأيّ شكل من الأشكال انتخابات حرّة تعبّر عن إرادة الشعب. ولا يوجد اليوم ما يدل على أن نظام الحكم ينوي تغيير سلوكه من هنا إلى الخريف القادم، بل على العكس من ذلك، فكلّما اقترب هذا الموعد إلا وازداد القمع حدّة، ولا أدلّ على ذلك من الاعتداءات الأخيرة على قيادات الحزب الديمقراطي التقدمي المعترف به بسيدي بوزيد وعلى العديد من الناشطات والناشطين الحقوقيين والسياسيين والأحكام الجائرة المسلطة على عدد من رموز الحركة الطلابية وحرمان أحزاب تنوي المشاركة في "الانتخابات"، من فضاءات عمومية للقيام بأنشطة (حركة التجديد) وحملات التشويه عبر الأنترنيت وصحافة العار المموّلة من السلطة ضد العديد من الوجوه الحقوقية والسياسية البارزة، والحجز المقنع لصحف المعارضة (الموقف، الطريق الجديد، مواطنون...) وقطع الأنترنيت... كل ذلك لفرض الصمت المطبق على المجتمع والإيهام بوجود إجماع حول بن علي ونظامه القمعي والفاسد.

2) منظومة انتخابية غير ديمقراطية:

ومن ناحية ثانية فإن القانون الانتخابي لم يتغير وهو لا يسمح بأيّ شكل من الأشكال بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة. فبالنسبة إلى الرئاسية فإن أحكام الدستور المحافظ عليها منذ عهد بورقيبة لا تسمح واقعيا إلا لمرشح الحزب الحاكم بالترشح. وقد مكّن التلاعب بالدستور في استفتاء 2002 بن علي من إلغاء البند المحدّد لعدد ولايات رئيس الدولة معيدا بذلك فتح الباب للرئاسة مدى الحياة بشكل مقنّع. وهو يترشح اليوم للمرّة الخامسة على التوالي، في الوقت الذي انتهت فيه ولايته الأخيرة عام 2004. وحتى القانون الدستوري الخاص بالانتخابات الرئاسية الذي سنّه بن علي هذا العام بدعوى "إضفاء طابع تعدّدي"على هذه الانتخابات فإنه صيغ على قياسه بما يضمن له "فوزا ساحقا". فقد عيّن هذا القانون، كما هو الحال في عام 1999 و2004 من ينافس بن علي سادّا بذلك باب حريّة الترشح أمام الكفاءات الوطنية سواء كانت منظمة في أحزاب وجمعيات ومنظمات نقابية وحقوقية وثقافية أو مستقلّة، بل إن هذا القانون لم يمنح حتى الأحزاب القانونية حرية تعيين مرشحها إذ حصر الترشح مسبقا في الأمين العام واشترط أن يكون منتخبا على رأس حزبه منذ أكثر من عامين لسدّ الباب أمام ترشح بعض قادة الأحزاب غير المرغوب فيهم.

أما بالنسبة إلى التشريعية فقد حافظ بن علي على نفس المنظومة الانتخابية سواء ما تعلّق منها بنظام الاقتراع (نظام القائمات) أو التسجيل في القائمات (تسجيل غير آلي) أو تقسيم الدوائر (دوائر كبيرة على عدد الولايات تقريبا) أو عدد مكاتب الاقتراع (آلاف المكاتب حتى لا تقدر أحزاب المعارضة على المراقبة) أو الإشراف على تنظيم الانتخابات (وزير الداخلية).

وسواء تعلّق الأمر بالرئاسية أو التشريعية فإن القانون لا يجرّم التزوير، ولا يحاسب المزوّرين ولا توجد هيئة مستقلة وذات مصداقية يقع التظلّم لها طوال العملية الانتخابية. وإضافة إلى ذلك فإن الإدارة خاضعة بالكامل للسلطة التنفيذية وهي تستعملها للتحكم في العملية الانتخابية من أولها إلى آخرها. كما أن القضاء لا يتمتع بأيّ استقلالية وهو أداة بيد السلطة التنفيذية تستخدمه لقمع خصومها ولحماية المجرمين الحقيقيين الذين ينهبون البلاد ويبيعونها للشركات والمؤسسات الأجنبية ويحكمون على شعبها بالبطالة والفقر والتهميش.

وقد رفض نظام بن علي الاستجابة لكافة مطالب المعارضة التي من شأنها أن تعطي مصداقية للانتخابات (سن عفو تشريعي عام، ضمان حرية التعبير والتنظم وبالخصوص الاعتراف بحزب العمال الشيوعي التونسي وغيره من الأحزاب المحظورة مثل المؤتمر من أجل الجمهورية، حركة النهضة، حزب العمل الوطني الديمقراطي وغيرها حتى تمارس حقها في النشاط السياسي بشكل عادي، مراجعة الدستور لتحديد عدد ولايات رئيس الدولة وإلغاء الرئاسة مدى الحياة، إقرار نظام النسبية، التسجيل الآلي في القائمات الانتخابية، الزيادة في الدوائر الانتخابية والتخفيض في عدد مكاتب الاقتراع، تكليف هيئة مستقلة لمراقبة العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، تجريم التزوير، تحييد الإدارة، ضمان استقلالية القضاء...) بل إنه عمد في الآونة الأخيرة إلى مراجعة القانون الانتخابي لمزيد مراقبة الحملة الانتخابية (الإخضاع المسبق للمداخلات لمراقبة المجلس الأعلى للاتصال المتركّب من عناصر معينة من بن علي). كما أن وزير الداخلية الذي يخوّل له القانون الإشراف على الانتخابات عُيّن في نفس الوقت للإشراف على الحملة الانتخابية للحزب الحاكم.

وهكذا فإنه لا المناخ السياسي ولا المنظومة القانونية المعتمدة يسمحان بإجراء انتخابات حرّة. وبالتالي فإن نتائج الانتخابات القادمة معلومة من الآن: "فوز ساحق" لبن علي على مرشحين صوريّين يُوَظـَّفون لتشريع هذا "الفوز" ولحزبه الذي سيضمن كالعادة كافّة المقاعد الخاصّة بالدّوائر والتي تمثّل هذه المرة 75 بالمائة من مجمل المقاعد، مقابل 25 بالمائة منها ستسند إلى الأحزاب الإدارية لا بمقتضى ما تفرزه صناديق الاقتراع بل في شكل رشوة سياسية تُوزّع على تلك الأحزاب بل على عناصر تختارها وزارة الداخلية من تلك الأحزاب حسب درجة ولائها، وهو أمر معلوم منذ مهزلة 1994 الانتخابية التي ابتدع فيها بن علي هذا "النّظام الانتخابي" بدعوى "مساعدة المعارضة العاجزة عن الوصول إلى البرلمان عن طريق صندوق الاقتراع" والحال أن الهدف من ذلك هو تجميل الدكتاتورية وإعطائها واجهة تعددية.

3) نظام معاد للديمقراطية

وهكذا فإن مسلسل الانتخابات الصورية سيستمر ليفضي إلى نفس النتائج: رئاسة مدى الحياة وحكم فردي مطلق ومؤسسات صورية وفاسدة. وليس من سبب لذلك غير طبيعة النظام الدكتاتورية والبوليسية التي تجعله يعمل باستمرار وبلا هوادة على احتكار الحياة العامة وسد الباب عن طريق القمع أمام تطور أية معارضة اجتماعية أو سياسية تهدد ذلك الاحتكار وتفتح الباب أمام الشعب لممارسة سيادته.

ولا يمكن عزل طبيعة النظام الاستبدادية الدكتاتورية عن قاعدته الطبقية، أي الفئات الاجتماعية المحلية والأجنبية التي يُعبّر عن مصالحها ويعمل على الحفاظ عليها. إن هذه الفئات لا مصلحة لها في الديمقراطية، لأنها تمثل أكبر خطر عليها. فعلى المستوى المحلي ينبغي أن يكون المرء ساذجا أو انتهازيا حتى يعتقد أن بن علي والعائلات القريبة والمقربة منه (الطرابلسية، الماطري، الوكيل، المبروك، المهيري...) الذين وضعوا أيديهم على خيرات البلاد وثرواتها (أراضي، مؤسسات، بنوك، تجارة...) لهم مصلحة في حرية التعبير والصحافة أو في وجود قضاء مستقل أو في إجراء انتخابات حرّة من شأنها أن تؤدي إلى التداول على السلطة. إن الحرية والديمقراطية هما العدوان اللدودان لهؤلاء النهّابين، لأنهما يؤديان في كل الحالات إلى افتضاحهم وتعبئة الشعب ضدهم ومحاسبتهم عن جرائمهم ومصادرة الثروة التي كدّسوها بطرق غير مشروعة. لذلك فإن كل مصلحتهم في قمع الشعب وفي تشديد القبضة الأمنية على المجتمع وفي بقاء بن علي رئيسا مدى الحياة حتى يستمرُّوا في نهب خيرات البلاد وثرواتها. كما أن بن علي الذي جمع ثروة طائلة (5 مليار دولار عام 2007 حسب مجلة "فوربز" المختصة الأمريكية) وارتكب جرائم كثيرة على حساب الشعب التونسي لا مصلحة له إلا في البقاء في السلطة حتى لا يتعرّض هو والمقرّبون منه للمحاسبة والتتبع القضائي، علما وأنه راجع الدستور سنة 2002 ليضمن لنفسه الحصانة القضائية مدى الحياة، كما سنّ قانونا في وقت لاحق يمنح أفراد عائلته، بعد موته، نفس الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها في حياته وهو على رأس السلطة.

أما الشركات والمؤسسات والدول الأجنبية التي تنهب تونس بتواطؤ مباشر مع الأقليات المافيوزية المحلية، فهي بدورها لا مصلحة لها في تحرّر الشعب التونسي ومسك مصيره بيده. إن الشركات والمؤسسات الأجنبية التي يصل عددها اليوم إلى حوالي 3 آلاف شركة، ومعظمها أوروبية (فرنسية، ألمانية، إيطالية...) تستغل العمال والكادحين التونسيين (حوالي 300 ألف أجير) استغلالا فاحشا. وهي تحرمهم حتى من تكوين النقابات أو الانتماء إليها وتريدهم أن يبقوا عزلا حتى تحقق الأرباح الطائلة على حسابهم.

إن هذه الشركات لها كل المصلحة في استمرار نظام بن علي الدكتاتوري ليوفر لها المناخ المناسب أو ما يسمى زورا وبهتانا "السلم الاجتماعية" لتواصل النهب.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدول الامبريالية التي تتحكم في مصائر تونس وتملي عليها سياساتها الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا وإسبانيا، فهي تدعم نظام بن علي اقتصاديا وماليا وعسكريا وأمنيا، رغم كثرة تشدقها بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي في حاجة إليه لأنه يفتح أبواب البلاد على مصراعيها لرساميلها وسلعها ويحمي شركاتها وينخرط في استراتيجيتها الشرق أوسطية المعادية لمصالح العرب بمن فيهم الفلسطينيون والعراقيون ويساعدها على مقاومة ما يسمى بـ"الإرهاب" ومحاربة الهجرة السريّة والتطبيع مع الكيان الصهيوني. فالمسألة واضحة تمام الوضوح، فنظام بن علي يخدم مصالح الدول الامبريالية ويقدم إليها التنازلات على حساب تونس وشعبها، وهي تدعمه وتحميه وتغض الطرف عن الرئاسة مدى الحياة وعن انتهاك الحريات وحقوق الإنسان.

إن الديمقراطية في تونس تمثل العدو الأكبر للدول الامبريالية أيضا، لأن نتيجتها الحتمية مَسْكُ الشعب مصيره وبسط سيادته على خيرات وطنه وثرواته وتحقيق استقلاله وانخراطه في مقاومة المشاريع الامبريالية في المنطقة ودعم حركات المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان، وغيرها من مناطق العالم...

إن الدكتاتورية تمثل الإطار السياسي الذي يتحقق فيه استغلال الشعب التونسي ونهب خيرات وطنه وثرواته. لذلك فإنه لمن الوهم الاعتقاد، كما يفعل البعض، أن بن علي يمكن أن يغيّر سلوكه من هنا إلى الخريف القادم ويوفـّر الظروف الملائمة لانتخابات حرة، كما أنّه من باب المغالطة الترويج أن نظام الحكم، مثله مثل الشعب والوطن والمعارضة، له مصلحة في انتخابات حرّة ونزيهة وفي الديمقراطية. إن مصلحة نظام بن علي هي على العكس من ذلك في تزوير الانتخابات وفي الحكم الفردي المطلق لأن ذلك هو الذي يمكنه من الحفاظ على مصالحه ومصالح الفئات التي يمثـّلها وهو ما يفسّر اليوم اشتداد قبضته على المجتمع وقمع القوى السياسية بمختلف اتجاهاتها تمهيدا لفبركة أغلبية عبر المهزلة الانتخابية.

4) مقاطعة الانتخابات: موقف سليم يمليه الواقع

ولهذه الأسباب فإن المشاركة في الانتخابات القادمة في ظلّ الظروف الحالية موقف خاطئ، لن يخدم إلا الدكتاتورية التي ستستغلّ هذه المشاركة لمواصلة دوس السيادة الشعبية مدّعية أن المهزلة التي نظمتها تعدّدية وديمقراطيه. وممّا سيحكم على هذه المشاركة بأن تكون شكلية وفي خدمة الديكور الديمقراطي هو أن الشعب التونسي ذاته الذي يصرّح الداعون إلى المشاركة بأنهم يشاركون "خدمة لمصالحه" لا يتمتع بحرية الاختيار بالنظر إلى القمع المسلط عليه وعلى قوى المعارضة السياسية والمدنية التي لا يمكنها الترشح والقيام بالدعاية بحرية. إن المواطن يعرف جيدا أن مجرد حضوره اجتماع حزب معارض أو التصويت لأحد مرشحيه قد يجعله عرضة للقمع والتنكيل. ولقد قاطع الشعب التونسي معظم المواعيد الانتخابية منذ 1994 بالخصوص لعلمه أن نتائجها مقررة مسبقا وبأن لا قيمة ولا وزن لصوته. وهو أمر تدركه القوى السياسية في بلادنا بما فيها التي شاركت في تلك المواعيد، فنسب المشاركة في الاقتراع كانت ضعيفة للغاية ولا تشمل حتى المليوني عضو الذين يدّعي الحزب الحاكم أنهم ينتمون إلى صفوفه.

ولا نعتقد أن موقف غالبية الشعب التونسي سيتغيّر هذه المرّة. فالمناخ السياسي هو هو، والمنظومة القانونية هي هي. والنتائج معلومة من الآن ولن تأتي بجديد يذكر في حياة المواطن المعيشية إن لم يكن مزيد تدهورها في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة التي يلقي نظام بن علي بتبعاتها على العمال والكادحين. وهكذا فإنه لا معنى للمشاركة في انتخابات معلومة النتائج مسبقا والشعب يقاطعها، ولا يثق بمن ينظمها ولا حتى بمن يشارك فيها.

إن هذه الأسباب من شأنها أن تدعو أي حزب سياسي جدّي ومسؤول إلى مقاطعة هذه الانتخابات.

إن حزب العمال الشيوعي التونسي إضافة إلى كل ما سبق هو حزب غير معترف به، بسبب انعدام حرية التنظم، ولأنه غير معترف به فهو لا يمكنه أن يقدم مرشحا إلى الرئاسة ولا قائمات إلى التشريعية. فالقانون الاستثنائي الخاص بالانتخابات الرئاسية لا يسمح إلا بترشح مسؤولي بعض الأحزاب القانونية. كما أن المجلة الانتخابية تمنع الأحزاب غير المعترف بها من تقديم مرشحين للانتخابات التشريعية يحملون ألوانها ويدافعون عن برامجها ومواقفها وآرائها. وقد صرّح وزير العدل منذ مدة في إحدى الفضائيات (بي بي سي بالعربية) بأن الأحزاب غير المعترف بها لا يحقّ لها حتى تقديم قائمات مستقلة. وبالإضافة إلى ذلك فإن حزب العمال الشيوعي التونسي محروم من حقه في إصدار صحيفة وفي تنظيم الاجتماعات، وفي كلمة فهو محروم من حقه في التوجه إلى الشعب التونسي مباشرة. ويتعرّض مناضلوه للقمع ومن بينهم عدد كبير لا يتمتع بحقوقه المدنية والسياسية بسبب الأحكام الصادرة ضدهم في قضايا سياسية. فكيف يمكن لحزب العمال (وكذلك الأحزاب الأخرى غير المعترف بها مثل المؤتمر من أجل الجمهورية أو حركة النهضة) أن يدعو للمشاركة في انتخابات لا حق له قانونيا وعمليا في المشاركة فيها؟ إن هذا السبب يضاف إلى بقية الأسباب المذكورة أعلاه ليجعل حزب العمال الشيوعي التونسي يدعو إلى مقاطعة المهزلة الانتخابية القادمة إذ أيُّ معنى لانتخابات تـُمنع أهمّ التيارات الفكرية والسياسية من المشاركة فيها؟ أليس ذلك دليلا قطعيا على صوريتها؟

إن حزب العمّال يعتبر أنه لا معنى للحديث عن انعدام الشروط الدنيا لانتخابات حرة ونزيهة وعن المعرفة المسبقة لنتائج الانتخابات، رئاسية وتشريعية من جهة والدعوة إلى المشاركة فيها من جهة ثانية. إن معارضة جديرة بهذا الاسم مطالبة بتحديد شروط دنيا لمشاركتها في أيّ انتخابات وإذا لم تتوفر هذه الشروط فهي تقاطعها. أمّا أن تقول أنها ستشارك في كلّ الظروف وبقطع النظر عمّا إذا كانت الشروط الدنيا لانتخابات حرة متوفرة أو غير متوفرة، بدعوى "الاتصال" بالشعب في غياب تام للحريات، فهي تحوّل المشاركة إلى موقف جامد لا يخدم في نهاية الأمر سوى الدكتاتورية ويشجعها على مزيد انتهاك الحريات ودوس الإرادة الشعبية ما دامت مطمئنة إلى أن أحزابا من المعارضة ستشارك في المهزلة التي تنظمها وتضفي عليها طابعا تعدّديا زائفا.

5) المقاطعة ليست فرجة بل هي معركة سياسية

إن المشاركة مثلها مثل المقاطعة ليست قالبا جامدا، بل هي موقف سياسي تكتيكي تمليه الظروف، ولا تتحدّد صحته من عدمها إلا بتحليل هذه الظروف لمعرفة أيّ الموقفين، المشاركة أو المقاطعة، يقدّم بنضال الشعب من أجل كسب حقوقه الأساسية، لذلك فإننا كثيرا ما رأينا قوى ثورية تشارك في انتخابات لأنها رأت فيها فرصة جدية للتوجه إلى الشعب ببرامجها ومقترحاتها، كما رأينا قوى إصلاحية وليبرالية في أمريكا اللاتينية وأوروبا وإفريقيا وآسيا تقاطع انتخابات لأنها اعتبرتها مهازل لا تتوفر فيها الشروط الدنيا لانتخابات حرّة.

إن انتخابات حرّة ونزيهة، ومعبّرة عن إرادة الشعب، تقتضي وجود مناخ سياسي يتمتع فيه المواطنات والمواطنون بحقوقهم السياسية، وتتوفر فيه تعددية فكرية وسياسية حقيقية. كما تقتضي وجود منظومة قانونية ديمقراطية تسمح لإرادة الشعب بالتعبير عن نفسها. إن الاستهانة بضرورة توفر شروط دنيا سياسية وقانونية للانتخابات والاكتفاء بمجرد الكلام عنها والقبول عمليا بما يتنافى معها بدعوى "استغلال الإمكانات المتاحة"، وهي إمكانيات تكاد تكون منعدمة، إنما توقع عمليا في مهادنة الدكتاتورية وقبول أحكامها وإدامة سيطرتها على المجتمع. وهو ما يعطي المقاطعة مشروعيتها في مثل هذا الوضع. ومن البديهي أن المقاطعة ليست "فرجة" ولا "جلوسا على الربوة" كما تزعم بعض الأطراف لتبرير مشاركتها في المهزلة والإيهام بأنه لا خيار غير المشاركة وقبول الحدود التي تفرضها الدكتاتورية، بل هي موقف جدّي ومسؤول مؤسس على تحليل موضوعي للوضع، وعلى ميول عامة الشعب للمقاطعة، وهو يهدف إلى إفشال رهان الدكتاتورية النوفمبرية وتعرية أهدافها الرجعية وتعبيد الطريق نحو تغيير ديمقراطي حقيقي. إنّ رهان بن علي من وراء المهزلة الانتخابية القادمة هو الاستمرار في فبركة شرعية لنظامه البوليسي عن طريق التزوير وعبر تجديد الديكور الديمقراطي. ومن هذا المنطلق فإن الهدف من المقاطعة هو العمل من خلال حملة إعلامية سياسية ميدانية على إفشال هذا الرهان وفضح الدكتاتورية وإبراز عدم شرعيتها وتعميق عزلتها وعدم تمكينها من فرصة لتشريع التزوير والادعاء بأن الانتخابات "تعددية" كل ذلك في أفق إعداد الشروط اللازمة لإسقاط الاستبداد عبر سلسلة من المراكمات.

إن التغيير الديمقراطي الحقيقي لصالح الطبقات والفئات الكادحة والشعب التونسي عامة لن يتحقق عن طريق نظام بن علي البوليسي أو بالتعاون معه ومهادنته و"اللعب" في دائرة منظومته وبالتالي المشاركة في مهازله الانتخابية ومؤسساته الصورية بل بالنضال ضده بالاعتماد على الجماهير الشعبية الواعية والمنظمة للدفاع عن حقوقها المادية والمعنوية، وهو ما يتطلب التوجه إليها والعمل في صفوفها باستمرار حتى تنخرط بمئات الآلاف إن لم يكن بالملايين في الشأن العام فتنتفض ضد الاستبداد وتفرض إرادتها وتحقق التحول الديمقراطي والوطني وتكرسه عبر الدعوة إلى مجلس تأسيسي يسنّ دستورا جديدا يضع مقومات نظام جمهوري ديمقراطي وعصري.

إن الانتفاضة الشعبية التي حصلت في الحوض المنجمي خلال المنتصف الأول من عام 2008 تمثل على ما فيها من نقائص منارة للنضال من أجل التخلص من الدكتاتورية النوفمبرية، بما أكدته من تلازم النضال ضد الاستبداد مع النضال ضد الاستغلال والفساد والمحسوبية وبالتالي تلازما لنضال من أجل الديمقراطية مع النضال من أجل العدالة الاجتماعية. وبما أكدته أيضا من قدرة فائقة للجماهير الشعبية على ابتكار أشكال النضال والتنظيم المستقلة والملائمة، وعلى الصمود في وجه القمع البوليسي.

ومن البديهي أن أية معارضة جادة من واجبها أن تلتحم بمثل هذه الحركات الاجتماعية وتطوّرها وتوسّعها وتحوّلها إلى حركات سياسية ضد الاستبداد بما يخلق موازين قوى جديدة لصالح الشعب، تمكنه من فرض إرادته. إن الانتخابات الحرّة تأتي لتتويج مثل هذا التغيير في موازين القوى وليس العكس، فالانتخابات الصورية التي جرت في تونس على مدى ما يزيد على نصف قرن لم تؤدّ المشاركة فيها إلى التقدم بالشعب التونسي ولو خطوة واحدة على درب التغيير الديمقراطي بل ساعدت دائما الدكتاتورية على إضفاء صبغة تعددية زائفة على المهازل التي نظمتها.

6) مشاركة ومشاركة

إن حزب العمال إذ يدعو إلى مقاطعة الانتخابات القادمة فإنه لا يضع كافة القوى التي تدعو اليوم إلى المشاركة في نفس "الخانة". فالمتمعّن في الواقع السياسي يلاحظ وجود تباينات بين هذه القوى التي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أصناف:

1 – صنف أول تمثله أحزاب الديكور وهي تشارك في الانتخابات تحت مظلة بن علي الذي يستعملها للإيهام بوجود تعددية سياسة وديمقراطية في بلادنا، وهي تتلقى مقابل ذلك "رشاوي" تتمثل في مقاعد في البرلمان ومجلس المستشارين ومناصب في شركات وإدارات عمومية. وهذه الأحزاب تدافع بشراسة عن نظام بن علي وتقوم بكل الأدوار التي يطلبها منها، لارتباط وجودها بوجوده، ومن المؤكد أنها ستزول تلقائيا بزوال الدكتاتورية وقيام نظام ديمقراطي.

وقد التحقت في الآونة الأخيرة بجوقة قيادات أحزاب الديكور، القيادات الأكثر رجعية وفسادا في الاتحاد العام التونسي للشغل. فقد عمدت هذه القيادات إلى الانقلاب على الهيئة الإدارية المنعقدة يوم 15 جويلية الماضي بإعلان تزكية ترشح بن علي للرئاسية دون فسح المجال لأعضاء الهيئة الإدارية لمناقشة هذه المسألة واتخاذ قرار بشأنها عن طريق التصويت. وهو ما جعل الاتحاد الذي بناه حشاد ورفاقه يقف إلى جانب الحكم الفردي المطلق والرئاسة مدى الحياة وقمع الحريات الفردية والعامة وكذلك إلى جانب العصابات التي تنهب البلاد بحماية من بن علي نفسه، وتشعل الأسعار وتفاقم البطالة وتحكم على الشباب بـ"الحرقة" أو اللجوء إلى الجريمة وتحوّل حياة الشعب اليومية إلى جحيم.

إن أحزاب الديكور والقيادات النقابية والمهنية المتواطئة هي جزء لا يتجزأ من النظام القائم وهي سند للحكم الفردي المطلق والرئاسة مدى الحياة، ومن واجب القوى الديمقراطية أن تستهدفها وتشهّر بها.

2 – صنف ثان يضع نفسه في صف المعارضة الديمقراطية وهو يقرّ بانعدام الشروط الدنيا لانتخابات حرّة ونزيهة، ولكنه يدعو في الآن نفسه إلى المشاركة وفقا للشروط التي تفرضها الدكتاتورية، فهو يترشح إلى الرئاسية إلى جانب بن علي ويراهن في التشريعية على الـ25 بالمائة من المقاعد التي يوزعها القصر حسب درجة الولاء ويخضع للحدود المرسومة قانونا وممارسة في الحملة الانتخابية، ولا يرى في منع معظم التيارات الفكرية والسياسية من المشاركة في الانتخابات دليلا على صوريتها. وهو يُحاول إضفاء صبغة "نضالية" على مشاركته واصفا المقاطعة بأنها موقف "سلبي" أو "جلوس على الربوة". وهذا الموقف، مهما كانت الأغلفة التي يتغلف بها يبقى غير متماسك إذ أن مقدماته حول "انعدام الشروط الدنيا" تتنافى مع استخلاصاته العملية المتمثلة في المشاركة موقفا وحيدا أوحد للتعاطي مع هذه الانتخابات.

إن أصحاب هذا الموقف لم يقطعوا بشكل جدي وحاسم مع الاستبداد لفائدة الديمقراطية، فهم مازالوا يعملون صلب المنظومة التي وضعتها هذه الدكتاتورية ولا يريدون العمل باستقلالية عنها ومن خارجها وضدها على أساس أرضية ديمقراطية متماسكة. ولئن صرّحوا بأنهم يرفضون أن يكونوا ديكورا، فإنهم في الممارسة يقبلون التمتع بـ"مغانم" الديكور أي بما يمنّ به بن علي على الأحزاب الإدارية من مقاعد في البرلمان ومجلس المستشارين، على قاعدة الولاء وليس على قاعدة ما يعطيه صندوق الاقتراع. كما أنهم يزكون عمليا ترشح بن علي غير المشروع ويشرّعون بقاءه في الحكم مدى الحياة وهم يعلمون مسبقا أن الانتخابات الرئاسية محسومة لفائدته وأن تمكينهم من المشاركة لا يهدف إلا إلى استخدامهم ديكورا بالضغط عليهم وتطويقهم. والغريب في الأمر أن هؤلاء لم يستخلصوا الدرس من مشاركاتهم السابقة التي بيّنت لهم في كل مرّة خديعة المشاركة من داخل منظومة الحكم وفي الغياب التام للحريات. ولا نعرف ماذا سيكون موقف هؤلاء بعد المهزلة الانتخابية: كيف سيعترفون بشرعية بن علي رئيسا وهم يعرفون مسبقا أن لا شرعية له، وأنّ بقاءه على رأس السلطة ناتج عن التزوير ودوس إرادة الشعب؟ وكيف سيعترفون أيضا بشرعية البرلمان الجديد وهم يعرفون مسبقا أنه بدوره نتاج للتزوير ودوس إرادة الشعب؟

إن التماسك يقتضي من المناضلين النزهاء أن يقطعوا مع التردّد ومع الحسابات الفئوية الضيقة والتفكير في مصلحة الحركة الديمقراطية ككل، وقتها سيدركون أن المشاركة في المهزلة الانتخابية القادمة، بعد أن اتضحت الظروف التي ستجري فيها، لن تقدّم النضال الديمقراطي في بلادنا.

3 – صنف ثالث يعتبر أن الشروط الدنيا لانتخابات حرة ونزيهة غير متوفرة. كما يعتبر أنها لن تتوفر من هنا إلى الخريف القادم باعتبار عدم استعداد نظام الحكم لذلك ونزعته المستمرة نحو الانغلاق وليس نحو تفريج الحياة السياسية. ومن هذا المنطلق يؤكد أن الانتخابات القادمة ستكون صورية، معلومة النتائج مسبقا. ولكنه لا يستخلص من هذا الموقف ضرورة إعلان المقاطعة من الآن، فهو يرغب في استعمال عامل القانونية الذي يتمتع به لفضح الطابع المزوّر للانتخابات القادمة وقد يعلن عدم المشاركة أو المقاطعة في الوقت الذي يراه مناسبا، قبل بدء الحملة الانتخابية أو أثناءها وقد يسير في المشاركة، خاصة في الانتخابات التشريعية، حتى النهاية، إلخ.

إن هذا الموقف وإن كان يتميّز مقارنة بالموقف السابق بنقده الجذري لنظام الحكم وللظروف التي ستجري فيها الانتخابات القادمة فإنه يسقط في جملة من التناقضات: إذا كان هذا الموقف يعتبر الانتخابات الرئاسية صورية ومحسومة مسبقا، فهل أن الانتخابات التشريعية التي قد يشارك فيها ليست هي أيضا صورية ومحسومة مسبقا، وهل هي تجري في ظروف غير التي تجري فيها الانتخابات الرئاسية؟ ألا يعتبر الاستمرار في إعلان المشاركة رغم التأكد من انعدام الشروط الدنيا للانتخابات الحرة، مضيعة للوقت؟ أليست مواصلة الحديث عن "المشاركة النضالية" في مثل هذه الظروف وبعد أن بات مصير الانتخابات محسوما مسبقا، لا معنى لها؟ أليس الأجدر تكريس كلّ الجهد في ما تبقى من وقت لفضح الطابع المزوّر للانتخابات والدعوة إلى مقاطعتها وتعبئة الرأي العام حول بديل آخر، عوض الانشغال بإعداد قائمات مصيرها مرهون بيد وزارة الداخلية؟ وأخيرا ما الجدوى من الانسحاب خلال الحملة الانتخابية، وهل سيكون لذلك وقعٌ لدى رأي عامٍّ مقتنع مسبقا بعدم وجود رهان في الانتخابات؟ ألن يتساءل الرأي العام، ما الغاية من المشاركة ثم الانسحاب والحال أن الأمر واضح لا لبس فيه من المنطلق؟

7) من أجل إقامة قطب سياسي لمواجهة المهزلة وإعداد شروط التغيير الديمقراطي

إن حزب العمال الشيوعي التونسي يعتبر أن القوى السياسية الجادة والمعنية بالتغيير الديمقراطي في بلادنا مطالبة بالإسراع بتكتيل صفوفها في قطب موحد لفضح المهزلة الانتخابية والدعوة إلى مقاطعتها والطعن في شرعية المؤسسات التي ستنبثق عنها، رئاسة وبرلمانا، ومواصلة النضال من أجل توفير الشروط اللازمة لإنجاز التغيير الديمقراطي في بلادنا.

إن نظام بن علي يواجه صعوبات جمة، سياسية واقتصادية واجتماعية، وستتفاقم هذه الصعوبات في المستقبل وستزداد انعكاساتها السلبية على حياة الشعب. وستطرح مسألة الرئاسة من جديد، فإمّا أن بن علي سيتلاعب مرّة أخرى بالدستور ويلغي الفصل الذي يحدّد السن القصوى للترشح (75 سنة) كي يبقى في الحكم بعد 2014 أو أنه سيعيّن خليفة له بطريقة من الطرق (تعيين نائب رئيس...) حتى لا يخرج الحكم من العائلة. ومن واجب القوى الديمقراطية أن تتهيّأ لذلك من الآن وأن لا ترى في انتخابات أكتوبر القادم سوى محطة في معركتها ضد الاستبداد عليها الخروج منها، أقوى من قبل، لا مشتتة الصفوف حتى تواصل هذه المعركة وتنتصر فيها.

إن تحقيق هذا الهدف يتطلب من كل القوى السياسية الجادة اجتناب الحسابات الضيقة والمنافع المباشرة التي تعرضها عليها الدكتاتورية لاحتوائها والتفكير في مصلحة الشعب التونسي أولا وأخيرا والتعويل عليه من أجل تغيير الأوضاع وتحقيق النظام الديمقراطي المنشود.

إن حزب العمال الشيوعي التونسي سيظل كما كان دوما على استعداد للقيام بأعمال مشتركة تخدم القضية الديمقراطية في بلادنا.

- لا للمشاركة في الانتخابات القادمة، لنقاطع المهزلة الانتخابية.
- لا للرئاسة مدى الحياة، لا للمؤسسات الصورية.
- لنواصل النضال من أجل إسقاط الاستبداد وتحقيق التغيير الديمقراطي.
- نعم للعفو التشريعي العام ولحرية التعبير والتنظم والترشح والانتخاب ولحياد الإدارة واستقلالية القضاء شروطا دنيا لانتخابات حرّة ونزيهة.

حزب العمال الشيوعي التونسي
تونس في 24 أوت 2009



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني