الصفحة الأساسية > بديل المرأة > العنف ضدّ المرأة إفراز طبقي
وجهة نظر:
العنف ضدّ المرأة إفراز طبقي
16 حزيران (يونيو) 2010

تقديـم:

لقد أدّى التطور الإجتماعي والتاريخي للإنسانية إلى تجاوز عدّة أشكال للإضطهاد والقمع تحطّ من قيمة الإنسان ومن كرامته. إنّ هذا التطور الإجتماعي كان مشروطا بوجود ظروف تاريخية وموضوعية تساهم في تحرير الإنسان من قيود الذلّ والاستعباد إلى الحرية والإنعتاق. مثلما تتواصل اليوم مسيرة النضال في صلب العلاقات الاجتماعية من أجل تخليص المرأة من الأسباب الكامنة وراء العنف المسلّط عليها وإرساء المساواة الفعلية بينها وبين الرجل. وفي ذلك ردّ على النزعات الرجعية التي تعتبر مسألة دونية المرأة مسألة "طبيعية أو أزلية" تعكس ثباتا بمقتضى الحتمية الطبيعية أو الإلهية.

1. المرأة والمشكلات الإجتماعية:

إنّ مسألة العنف ضدّ المرأة تعدّ ظاهرة إجتماعية جديرة بالمعالجة الجذرية للأسباب المتحكّمة في حدوثها وانتشارها ولماذا تغلغلت في البنية الذهنية الذكورية.

تمثّل المرأة عدديا نصف المجتمع بشكل عام، بل أكدت بعض الدراسات في المجال الديمغرافي في تونس أن نسبة الإناث مرشحة لتجاوز نسبة الذكور في المستقبل القريب (2029) وأن أكثر المشاكل التي يتخبّط فيها المجتمع التونسي ترتبط بمختلف التصوّرات الجنسانية حول المرأة.

إن المرأة مسيطر عليها ومقموعة في المجتمع التونسي وأنّ المشكلات الإجتماعية كثيرة ومتنوّعة من ذلك:
- نسب الطلاق الناتج عن العنف الزوجي (لفظي، معنوي نفسي، جنسي، جسدي)
- العنف الذكوري بشتّى أنواعه ضدّ المرأة أو الفتاة
- الإغتصـاب
- هضم الحق في الميراث
- تورّطها في قضايا الدعارة نتيجة الفقر
- سهولة تعرّضها لعمليات السرقة والغشّ
- استغلالها في عمليات التحيّل المنظم في اطار شبكات النهب والتسوّل والدعارة
- استغلالها بشكل مفرط في مواقع العمل

إنّ السّكوت الذي يخيّم على قضيّة دونية المرأة بشكل عام وحالات العنف بشكل خاص يعدّ ضربا من المشاركة في الجرائم الإجتماعية التي تقترف في حقّها وهي جرائم مخالفة للقوانين والإتفاقيات الدّولية... وأنّ هذا السكوت يساهم في ترسيخ النظرة الدونية تجاه المرأة عبر ما يسمّى بالوفاق الإجتماعي(consensus social) المدعوم بجملة من التمثلات الإجتماعية (représentations sociales) تكرّس تلك النظرة التي غالبا ما تكون متخلفة سلبية رجعية وليست تقدّمية.

إنّ النضال في هذا الإتجاه لابدّ وأن يهدف إلى إخراج المرأة من الدائرة الوهمية التي تعيش في اطارها، أي دائرة الخوف المقرون بالصّمت الرّهيب والقاتل لكلّ طموح فيها ولكلّ حركة إلى الأمام.

2. المرأة في المخيال الإجتماعي التونسي:

المخيال الإجتماعي هو تركيبة ذهنية خاضعة لسياقات إجتماعية وتاريخية معينة. فهو الآلية الفاعلة في التاريخ بمقتضى شروط بناء المخيال ذاته. ويبنى هذا الأخير بواسطة جملة من الأدوات التواصلية كاللغة والدين والقانون والثقافة بمختلف مكوّناتها... ولكن هذه الأدوات لا تؤدّي وظائفها بمعزل عن الواقع الإقتصادي والإجتماعي. ويعتبر هذا الواقع أساس البناء الإجتماعي للمخيال وإلاّ لسمّي بدل المخيال خيالا.

لقد كوّن المجتمع التونسي مخيالا إجتماعيا عن صورة المرأة وعن إعادة إنتاج الصورة حسبما تفرضه السياقات الإقتصادية والإجتماعية عبر التاريخ. كانت المرأة قبل "الإستقلال" تأتمر بأوامر الرجل وتدخل عنوة وغصبا بيت الطاعة والخضوع وتساهم بالتالي في إعادة إنتاج مكانتها الدونية في المجتمع. ثمّ قام الإستعمار الفرنسي بالمحافظة على العادات والتقاليد الإجتماعية التي تحطّ من قيمة المرأة وتمنع تحرّرها. ورغم التطورات الحاصلة آنذاك والتي فكّكت البنى الإقتصادية والإجتماعية والعائلية التقليدية، إلا أن أسباب العنف المسلط على النساء مازالت قائمة بل كانت المرأة بين مطرقة الجنس الذكوري وسندان الإستعمار. ومنذ "الاستقلال" وبناء "الدولة الحديثة" تغيّرت أشياء كثيرة، منها مأسسة النظام الرأسمالي التونسي التابع، رغم تجربة التعاضد الفاشل في الستينات التي لم تغيّر في الأمر شيئا، وبقيت جذور العنف على حالها. ولكن ما ينبغي الإشارة إليه أيضا إلى جانب أسلوب الإنتاج الرأسمالي، أن الاندفاع الشعبي نحو المدرسة آنذاك وإرساء التعليم المختلط قد كان له انعكاسات إجتماعية على مختلف الأدوار الإجتماعية للجنسين وبداية التلاشي النسبي للعائلة التقليدية الممتدّة لتفسح المجال أمام نموذج العائلة النواتية ولكن هذه التحوّلات لم تمنع تواصل العنف ضدّ النساء كظاهرة إجتماعية نسبيّة. سواء في إطار الاقتصاد الفلاحي الذي تحكمه علاقات إنتاج ما قبل رأسمالية أو في المجتمع الرأسمالي التابع يبرز في الحالتين تفاوتا إجتماعيا بين كبار الفلاحين مالكي الأراضي والصناعيين، أي مالكي أدوات الإنتاج من جهة والعمال الذين لا يملكون غير قوة عملهم من جهة أخرى. وتتنزّل ظاهرة العنف في صلب هذا التفاوت الإجتماعي الذي يحكم العلاقات الإجتماعية القائمة على الاستغلال والإضطهاد أصلا في مجتمع ذكوري تسود فيه العائلة الأبوية على أنها الشكل النهائي والمطلق.

توجد عدّة قوالب جاهزة (stereotypes) حول دونية المرأة لا تزال راسخة في التركيبة الذهنية للإنسان التونسي ومصادرها عديدة منها التقاليد والأعراف البالية والعادات العقائدية المتخلفة والتصوّرات الدينية المنغلقة والرجعية ومن بينها: "المرأة ناقصة عقل ودين"، "المرأة شيطان"، "ما خلا رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما"، "إن كيدهنّ لعظيم"، ويقال أيضا: "المرأة فتنة"، "العين تزنى"، "صوت المرأة عورة"... إن أهمّ مصدر لهذه القوالب هو الدين الإسلامي عندما كانت الغاية من تلك الأقوال ضرورة بقاء المرأة في البيت كي لا تشارك في الحياة العامة ولا في الحياة المهنية، بعيدة عن مركزية القرار الذكورية، مجرّدة من حقوقها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، خادمة مطيعة للرجل ولشهواته الجنسية الحيوانية.

عندما يمتزج الديني بالاجتماعي يبرز شكلا واضحا للتمييز بين المرأة والرجل مثلما يقال في مستوى الحسّ المشترك le sens commun)) التونسي: "المرأة مرأة والرجل رجلا"، "ربّة بيت ممتازة"، "بنت عائلة"، "مطيعة ولا ترفع صوتها ولو بكلمة في وجه زوجها"، "مهمّة المرأة ترتيب شؤون المنزل ورعاية زوجها"، الخ. إن كلّ هذه الأقوال حول المرأة تتلفظ بها الألسن يوميا هنا وهناك. ويتفنّن الرجال اليوم في التعبير عن صورة المرأة صاحبة الأخلاق العالية بإضفائهم "بعدا أخلاقويا" آخر لصورة "المرأة العصرية" التي لابدّ لها من أن تخرج من البيت إلى ميدان العمل كي "تساعد" زوجها على مجابهة تكاليف الحياة لتصبح في الآن ذاته ربّة بيت ممتازة وعاملة ممتازة أيضا.

إن عمل المرأة يمثل خطوة تقدميّة بلا شك وأن تحرّرها ينطلق من مشاركتها في الإنتاج الإجتماعي. إلا أن الرجال اليوم ينظرون إلى هذه المسألة كضرورة فرضها الواقع الإقتصادي والإجتماعي الحالي تلبية للحاجيات المادية المتزايدة للأسرة. ولا ينظرون إلى المرأة ككيان حرّ في حاجة إلى الإنعتاق والإستقلالية والمشاركة في أخذ القرار. فهم لا يعيرون أهمية لموضوع اضطهاد المرأة في مختلف الأوساط المهنية، ولا يدفعون بزوجاتهم إلى النضال ضدّ الإستغلال الرأسمالي، فهل هذا أمر خارج عن حدود الأخلاق الإنسانية!؟

3. أطر قانونية ومؤسّساتية معلّقة في السماء:

إن كل ما يذكر حول المرأة في الأطر القانونية والمؤسساتية لا يعدو أن يكون سوى جهازا نظريا تستخدمه السلطة من أجل التعتيم الديماغوجي وحجب الواقع الفعلي الذي تعيشه المرأة. وقد تفنّن المشرّع التونسي في توسيع دائرة حقوق المرأة وحمايتها من أشكال عديدة للعنف. وجاء هذا التشريع تلبية لمطالب الحركة الديمقراطية التونسية التي تناضل من أجل حرية المرأة ومزيد تحريرها من قيود الإستغلال والإستبداد وضرورة مساواتها مع الرجل.

ولكن هذا القانون ينقصه التطبيق في مستوى الممارسة اليومية. إذ أن أغلبية الشكاوى يقع حسمها في مراكز الشرطة دون المرور بالمحكمة. وتتنازل المرأة عن حقها في الدفاع عن نفسها وردّ الإعتبار لذاتها المسلوبة وذلك تحت ضغط العلاقات الإجتماعية القرابية منها والترابية وأيضا تحت ضغط المؤسسة الدينية باسم "التسامح في الإسلام". ممّا يجعل حقّها يضيع عبر التسامح السلبي، كما أن العديد من مشاكل العنف تقع تسويتها في حدود "البيت" أو "الحيّ الشعبي" أو "في الطريق العام"... الشيء الذي يؤكّد ما قاله لينين من أن "المساواة في القانون لا تعني المساواة في الحياة".

4. مجتمع النساء بين الإندماج والصّراع الإجتماعيين:

أ. في عالم الشغل:

لقد اكتسحت المرأة سوق الشغل في ظروف إقتصادية صعبة تتميّز بالاستغلال المفرط في الميدان الفلاحي والصناعي والخدماتي. وتحتل المرأة مواطن الشغل الهشة والوقتية لتبقى خاضعة للجنس الذكوري صاحب الإستقلالية وأخذ القرار بمقتضى حيازته للملكية الخاصّة أي لرأس المال. فكلما وقع التدرّج في السلم المهني إلا وتقلص عدد النساء اللائي تحضين بوظائف مرموقة تكتسب من خلالها شيئا من الإستقلالية النسبية مقارنة بأغلبية النساء اللائي تتموقعن في أدنى السلم.

ففي عالم الشغل عموما تشترك المرأة والرجل في تحمّل الإستغلال الذي يستنزف طاقاتهم وجهودهم مقابل أجور متدنية وإن كان الأمر أكثر حدّة وهيكلية بالنسبة إلى النساء. ودائما بسبب تلك النظرة الجنسانية التي كوّنها المجتمع عن المرأة عبر مراحل تاريخية مختلفة، إذ كانت ولاتزال نظرة دونية تتجلى في عدة سلوكات ومواقف اجتماعية.

ب. في الوسط الإجتماعي والعائلي:

إن الظاهرة الخطيرة والوخيمة النتائج هي ظاهرة استبطان المرأة لدونيتها ودفاعها عن أشكال العنف المسلط عليها. وتتحوّل آليات الدفاع هذه إلى موجّهات سلوكية تتخذها المرأة في تنشئة أبنائها إجتماعيا. وبالتالي تساهم، تحت الضغوطات والإكراهات الإجتماعية contraintes sociales)) في إعادة انتاج أشكال العنف المسلط عليها والموقع الإجتماعي الدوني الذي يصاحبها إلى أن يتخذ شكله البنيوي حسب نظرية النسق الدوركهايمية système durkheimien)) التي تقرّ بأسبقية المجتمع على الأفراد. المجتمع بما هو جملة من المؤسسات الإجتماعية المختلفة تحتوي على جملة من التصوّرات والتمثلات والمواقف الإجتماعية التي تتحوّل إلى نسق جماعي ومجتمعي يبتلع الأفراد ويقولب وينحت سلوكاتهم وممارساتهم حسب ما يمليه ذلك النسق الإجتماعي للتصورات والقناعات والمعتقدات...

إن كل ما ذكره دوركهايم لا يجب أن يحجب الموقع الاجتماعي للأفراد حاملي تلك التصوّرات، في البناء الطبقي للمجتمع لأن هذا الأخير لا يفرز نسقا واحدا متجانسا ينبغي على الأفراد الإندماج في صلبه، بل ينتج جملة من الأنساق الإجتماعية تختلف باختلاف انتماء الفرد إلى فئة إجتماعية معيّنة أو طبقة إجتماعية معيّنة. إن مبدأ التناقضات الإجتماعية هو الذي يؤسّس لفكرة الصراع الإجتماعي التي تقف في قلب هذا التصوّر.

إن مقولة الاندماج الاجتماعي عند دوركهايم كأداة مفاهيمية، بقدر دقة وعلمية آليات التحليل الاجتماعي التفسيرية إلا أنها لا تكشف عن أشكال العنف المسلط على المرأة وأصل نشأتها. فقد اقتصرت هذه الأداة النظرية على توصيف مسألة توارث العنف ضدّ المرأة بناء على الإكراهات الاجتماعية المسلطة على الأفراد في إطار النسق الإجتماعي والبنية الاجتماعية.

يفتقد هذا التفكير إلى منطق الصّراع الاجتماعي الذي أفرز أشكال العنف بين الجنسين. فالعنف نتاج طبقي لأنه كلما انحدرنا في السلم الاجتماعي إلا وبرز هذا العنف واضحا جليا معنويا رمزيا وماديا جنسيا جسديا بينما كلما صعدنا في السلم الطبقي إلا ونقص العنف ضد المرأة. لماذا؟

ينبني الزواج كمؤسسة إجتماعية في المجتمع الرأسمالي الطبقي على علاقات قرابية وعلاقات نسب أخرى قائمة على المصلحة الإقتصادية المشتركة. وأن اختيار القرين هو اختيار عقلاني يميل نحو عقلية الربح والمنفعة الإقتصادية، حيث يميل الرجال غالبا إلى اختيار القرين المنتمي إلى فئة إجتماعية أرقى إقتصاديا وثقافيا بحثا عن تحسين الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية للأسرة. ويحافظ الرجال أصحاب الرساميل على علاقاتهم الإقتصادية وثروتهم التي لا ينبغي لها أن تغادر إلى فئة أو طبقة إجتماعية أخرى لذلك هم يدرسون مشروع الزواج حسب مقاييس ومؤشرات معتمدة في دراسة السوق والمشاريع الإقتصادية وذلك خوفا على ثرواتهم ورغبة منهم في مزيد تكديس الثروة عبر النسب. وعليه، تتحوّل المرأة الميسورة الحال إلى أداة لمراكمة رأس المال وهو نفس السبب الذي يجعل العنف يختفي نسبيا مقارنة بالمرأة المنتمية إلى الطبقة العاملة.

ولكن المتأمل في طبيعة هذه العلاقة يكتشف أن العنف المسلط على المرأة ميسورة الحال في الأوساط البورجوازية هو عنف لامرئي، وهو أقرب إلى ما يسمّى بالعنف الرمزي حسب تعبير بيار بورديو بما أنه يجعل من المرأة أداة للربح، هو عنف يشيّء المرأة ويختزلها في بعدها المادي الإقتصادي.

إن المرأة أو الفتاة المنحدرة من أوساط فقيرة متعرّضة أكثر من غيرها لشتى أشكال العنف سواء داخل الأسرة أو خارجها. فداخل الأسرة المتواضعة يخلق الوضع المادي المتدني نوعا من التوتر المتواصل الذي يتطوّر إلى أحد أشكال العنف إن لم تكن كلها من ذلك العنف اللفظي والنفسي والجسدي... وهي حالة من الغليان الإجتماعي تدلّ على عدم وجود تواصل داخل الأسرة ولأن التركيبة الذهنية للأب والأم لا تسمح بوجود أيّ نوع من أنواع التواصل في غياب الرضى الإجتماعي عن الموقع الفردي والأسري في المجتمع الطبقي. ويضاف إلى هذا غلبة نمط التنشئة الإجتماعية التقليدي الذي يشرّع مظاهر العنف ضد المرأة وأشكال خضوعها. وهو نفس النمط الذي يحمي ظاهريا نساء وبنات الأعيان والملاك أصحاب النفوذ الإقتصادي.

أما خارج الأسرة فيقع استغلال وضعية الفقر عبر أساليب الإغراء المتعدّدة وخاصة المال لاستدراج المرأة في عوالم الدعارة وشتى أنواع الإستغلال المسكوت عنه. فالمرأة معرّضة إلى تلقي العنف بجميع أنواعه لأنها فقيرة ابنة فقير، ابنة العامل والفلاح أو من الجيش الإحتياطي المعطل إقتصاديا واجتماعيا. إن "بنات العائلات" لا يقدر أحد على الإقتراب منهنّ وممارسة العنف عليهنّ لأنهنّ تتحصّن بالرأسمال الإقتصادي والاجتماعي والثقافي والرمزي لعائلاتهن.

5. من أجل علاقة تكاملية بين المرأة والرجل:

إن رفع الظلم عن المرأة يعدّ خطوة أساسية نحو تقدم المجتمع ورقيّه وأن العلاقة بين الرجل والمرأة يجب أن تكون علاقة تكامل، بمعنى أن للمرأة خصوصية كما للرجل أيضا، وأن التركيز على دراسة جوانب هذه الخصوصية وحدودها يساعد على إرساء هذه العلاقة التكاملية. إنّ تأسيس هكذا علاقة يشترط توزيعا جديدا للأدوار يختلف بالضرورة عن الأنماط التقليدية.

وعليه، لابدّ من إعادة النظر في جملة المؤسسات الإقتصادية والإجتماعية والدينية والأخلاقية العالقة في البناء الذهني للإنسان التونسي نتيجة تراكمات الإرث التقليدي الثقيل في جميع تجلياته. يبقى هذا الإرث الثقافي بشكل عام حاجزا أمام انعتاق المرأة على جميع المستويات والأصعدة. ولكنه يرتبط أشدّ الإرتباط بمستويات نمط الإنتاج بمافيه من علاقات اجتماعية للإنتاج وقوى اجتماعية له.

إن هذه التشكيلة الإقتصادية الإجتماعية هي المحدّدة لذلك الإرث الثقافي وأن شروط التخلص من تلك الأفكار البالية والهدامة الساكنة في المخيال الإجتماعي التونسي، هي شروط مادية بالأساس تتعلق بالملكية الخاصة المحتكرة من قبل الرجال والتي يجب أن تمحى من أجل الحد من الفوارق الإجتماعية وسيطرة الجنس الذكوري تحت غطاء الرجولة المزيفة والمخيال الإجتماعي البالي الذي يكرّسها ويحميها. وبالتالي، لا يمكن الحديث عن مساواة فعلية وكاملة بين المرأة والرجل إلاّ في سياق عدالـة إجتماعيـة شاملـة.

على أساس ما تقدّم، تبدو العلاقة واضحة بين الموقع الاجتماعي للمرأة وظاهرة العنف المسلط عليها. حيث أن هذا العنف هو وليد التناقضات الإجتماعية. فالقضاء على ظاهرة العنف ضدّ المرأة يبقى مشروطا بإلغاء الفوارق الطبقية ومحوها من أجل إرساء العدالة الإجتماعية والمساواة الفعلية بين المرأة والرجل. وبالتالي فإن تحرّر المرأة ضمن هذا السياق مرتبط أشد الإرتباط بتحرّر الطبقة العاملة من جميع أشكال العنف الطبقي التي يسلطها رأس المال.

عبّاس المُوَلهي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني