الصفحة الأساسية > البديل العربي > سوريا: الديكتاتورية إلى حين...
سوريا: الديكتاتورية إلى حين...
1 نيسان (أبريل) 2011

الجماهير العربية تواصل كتابة التاريخ. الأحداث الجارية اليوم في سوريا تضع على سطح الصراع الإيديولوجي والسياسي حقيقة أخرى. على أعتى الديكتاتوريات بمن فيها تلك التي تتستر بطلاء "الوطنية" و"مقاومة الصهيونية" أن تواجه هي أيضا الاهتزازات الجماهيرية المنادية بسقوطها.

لقد بدأت الانتفاضة الشعبية في سوريا وحصيلتها إلى حد الآن وفي بضعة أيام قليلة أكثر من 150 شهيدا ومئات الجرحى. وهذه الحصيلة من الشهداء والجرحى ليست نتيجة قصف أو إرهاب صهيوني. إنما بسبب القمع الدموي للنظام السوري "الوطني".

في هذا البلد، كما في تونس ومصر واليمن والبحرين والجزائر والمغرب وليبيا، تتكرر الأحداث في الجوهر على نحو متماثل، رغم اختلاف خصوصيات هذا البلد أو ذاك، لتأكد مأساوية الواقع العربي والحقيقة الاستبدادية لكل الأنظمة العربية.

انتفاضة الجماهير في سوريا هي وليدة نفس الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي هزت أركان الديكتاتورية في باقي ربوع الوطن العربي. فسوريا أيضا هي بلد الفقر والبطالة والتفاوت الجهوي وتغلغل الرأسمالية اللبرالية. وفي سوريا أيضا غياب كامل للحريات وقمع للمعارضة وتغليب طائفة على أخرى وضرب لأبسط حقوق الشعب السياسية والاقتصادية والثقافية.
في سوريا أيضا الفساد المستشري واستئثار أقلية من البرجوازية المحلية بخيرات واقتصاد البلاد وتحكم البوليس السياسي والجهاز القضائي في رقاب المواطنين.

سياسة وخطاب النظام السوري في مواجهة الاحتجاجات الشعبية وقمعها وتشويهها هو نسخة أخرى مما عرفته الشعوب العربية تحت نظم الاستبداد في تونس ومصر واليمن وغيرها من الدول العربية. وإذا ما اتّهم بشّار الأسد معارضيه بالعمالة للخارج والجماهير المنتفضة بالانسياق وراء المخططات الأجنبية المعادية لمصلحة الوطن فإن خطابه السياسي ليس أحسن من خطاب بن علي ومبارك والقذافي وعلي صالح. كل الأنظمة الديكتاتورية مهما كان غطاؤها الإيديولوجي، "قومي" أو "اشتراكي" أو "إسلامي"، تلتجئ إلى نفس الحجج البالية والزائفة لتبرير الاستبداد وحرمان شعوبها من الحريات الضرورية لانعتاقها السياسي والاجتماعي. وبينما يتبجح النظام السوري بالآلاف من المتظاهرين المساندين لكيانه تقوم في نفس الوقت أجهزته الأمنية والعسكرية بتقتيل معارضيه والتنكيل بهم. ولكن التاريخ لا ينضب من الدروس. تشاوشسكو كان يتبجح بآلاف الحشود سنة قبل انهياره وبن علي تبجح بمليوني منخرط في حزبه أيام قليلة قبل فراره.

ولكن الانتفاضة الشعبية في سوريا زيادة على طعم الدمّ لها طعم أخر وأبعاد سياسية أخرى على المستوى المحلي كما على مستوى الوطن العربي. فالنظام السوري هو آخر حلقة في سلسلة الأنظمة التي احتضنت مشروع النهضة العربية على قاعدة الطموحات القومية في الوحدة والاشتراكية والتحرر من الاستعمار والصهيونية. وفي العقود الأخيرة حضي النظام السوري بدعم جزء هام من القوى العربية، لا فقط ذات المنهج القومي بل أيضا صاحبة المناهج اليسارية والإسلامية. تمّ ذلك تحت يافطة "الوطنية" وبدعوى أن النظام السوري جزء من القوى القومية التي تقف في خط المواجهة مع الكيان الصهيوني.

لقد وقفنا في عديد المناسبات ضد المنحى السياسي للقوى الداعية إلى التغاضي عن النهج الديكتاتوري لهذا النظام أو ذاك بدعوى وقوفه ضد الكيان الصهيوني واعتبرنا مثل هذا المنحى انتهازية مضرّة بتطور الحركة الثورية العربية ومخلّة بنضالها الوطني والتحرري. فالوطنية ومقاومة الاستعمار والصهيونية ومواجهة مخططات الإمبريالية لا يمكن أن تكون في تناقض مع ديمقراطية الشعوب وتمتعها بالحريات السياسية الكاملة بل هي شرطها ومقدمتها. صحيح أن الحريات السياسية ليست كافية لوحدها لتحقيق الأهداف القومية ولكن سيادة الشعوب العربية ونهضة الوطن العربي ووحدته في مواجهة الإمبريالية والصهيونية لن تتحقق بدونها. لماذا يعادي الكيان الصهيوني ديمقراطية الشعوب العربية إذا لم تكن خطرا يهدد كيانه ويهدد وجوده؟!. ولماذا ساندت أمريكا ولازالت تساند أنظمة الاستبداد العربية إذا لم يكن ذلك يخدم مصالحها وأهدافها؟!. وكيف لشعوبنا أن تحقق وحدتها وتتخلص نهائيا من سموم الصراعات الدينية والطائفية والقبلية والمحلية واقتتال أحزابها دون تمتعها بالحريات واحتكامها للديمقراطية ودون تحقيق المواطنة والمساواة بلا تمييز وبلا قهر طبقي أو طائفي أو ديني أو جنسي أو عقائدي؟!.

إن فشل النظام السوري يؤكد مرة أخرى فشل النظم الاستبدادية في تحقيق الأهداف القومية: الوحدة والاشتراكية والتحرر من الاستعمار والصهيونية. وإذا كانت الديمقراطية البرجوازية مدخلا لتفكيك الديكتاتوريات وأنظمة الاستبداد فإن شعوبنا العربية ليست محكوما عليها الاكتفاء بنسخها بل في مقدورها تجاوز نواقصها وسلبياتها نحو ديمقراطية أشمل وأكبر، ديمقراطية تستجيب لطموحات الفئات الشعبية، طموحاتها القومية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

لا أحد يمكنه اليوم التكهن بتطور الأحداث في سوريا ولا بمدى عمق الأزمة ولا بمدى استعدادات الشعب السوري للإطاحة بنظام بشار الأسد ولكن المؤكد أن نظام السوري لن يستجيب لدعوات الإصلاح السياسي فليس ذلك في طبعه ولا من مصلحته ولم نرى ديكتاتورية عربية واحدة تستجيب لمطالب الشعب في الحرية. أما نظام يقمع معارضيه وينكل بشعبه فلا مستقبل له ولا مخرج من الأزمة وسينهار بفعل قوانين التعفن الداخلي وبفعل نهوض الجماهير وتصميمها، إن عاجلا أو آجلا.

سمير حمّودة
01 أفريل 2011


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني