الصفحة الأساسية > البديل الوطني > أخلاقنا...
ذاكرة «صوت الشعب»:
أخلاقنا...
27 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

إن التاريخ والواقع يبيّنان لنا أن هنالك أخلاقيات عديدة فالأخلاق شيء متطوّر تتغيّر مضامينه من عصر إلى عصر. فهنالك الأخلاق العبودية والإقطاعية والرأسمالية والاشتراكية. فمن نمط إنتاجي إلى آخر تتغير القيم ويصبح ما كان مقبولا بالأمس مرفوضا اليوم، وما كان «خيرا» بالأمس «شرّا» اليوم وهلم جرا. ولتبسيط المسألة وتقريبها من ذهن القارئ نورد أمثلة من واقعنا اليومي.

فالعامل الواعي يعرف جيدا أن «عَرْفَهُ» يعتبر العامل الذي يكسّر الإضرابات ويشي برفقائه، «شريفا» و «نزيها» وصاحب أخلاق عالية بينما هو في نظر زملائه خائن و «قوّاد» أما العامل الذي يشارك وينشط في الإضرابات فيعتبره «مشوشا» و «من أتعس ملّة» بينما هو جريءٌ وشجاع ومدافع عن الحق في نظر رفقائه.

ومن ناحية ثانية فإن المرأة المستكينة، الذليلة، الطيعة التي تقبل بكل المظالم وتنطوي على نفسها هي امرأة صالحة و «ابنة عائلة» في نظر العقلية الأبوية الرجعية بينما المرأة الذكية، المتحرّرة التي ترفع رأسها وتكافح بلا هوادة من أجل حقوقها هي في نظرها «متهوّرة» و «فاسدة» و «قليلة تربية».

ومن ناحية ثالثة يعرف الجميع أيضا أن كثيرا من الملتحين، المتظاهرين بالتقوى والورع هم في الخفاء فُسّاق وماجنون وسرّاق.

إن هذه الأمثلة الثلاثة تبيّن أن المفاهيم الأخلاقية ليست واحدة في المجتمع بل تختلف باختلاف المواقع الطبقية. وعلى العموم فإن الأخلاقية السليمة هي دائما الأخلاقية المنتصرة لمبادئ العدل والحرية والتضامن ورفض الاستغلال والقهر، أخلاقية الطبقات المسحوقة التي ليست لها مصالح تحتاج لكي تدافع عنها إلى التضليل والكذب والبهتان.

إن أهمية اللائكية في علاقة بالأخلاق تتمثل في كونها تنزع ذلك الحجاب الديني الذي يتخفى وراءه أكثر من سارق وخبيث ومعتد ومستغل وتخضع الأخلاق للنقد والتغيير وفقا لمقتضيات التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وهذا أخشى ما يخشاه الظلاميون وغيرهم من الرجعيين الذين هم دائما في حاجة إلى القوالب الجامدة وبالخصوص القائمة منها على الغيب لإرهاب الفقراء والمسحوقين.

إن هذا الموقع لهو خير حافز للقوى التقدمية على المضي قدما، لا تخشى المصاعب، نبراسها البحث المستمر عن الحقيقة لأن الحقيقة وحدها ثورية.

من كراس «في اللائكية» لـ «حمه الهمامي»
تونس، 18 مارس 1988



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني