الصفحة الأساسية > البديل العالمي > الانتخابات التونسية بين مواقف القوى الكبرى ورسائل النهضة إلى هذه القوى
الانتخابات التونسية بين مواقف القوى الكبرى ورسائل النهضة إلى هذه القوى
27 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

فتحت مكاتب الاقتراع يوم 23 أكتوبر أبوابها لانتخاب أعضاء المجلس التأسيسي الذي كان مطلبا للقوى الثورية بعد فرار بن علي و قد تجاوزت نسبة المشاركة %70 في سابقة عربية ودولية تعكس مدى تعطش التونسيين إلى الديمقراطية وإلى المشاركة في تحديد مصيرهم من خلال انتخاب ممثليهم في المجلس الوطني التأسيسي. وحسب النتائج الأولية فقد تأكد فوز حزب النهضة ذي التوجهات الإسلامية بنسبة هامة من المقاعد تؤهله ليكون القوة السياسية الأولى داخل هذا المجلس. فماذا كانت مواقف أهم القوى الدولية من هذه الانتخابات ومما أفرزته من نتائج؟ وماذا كانت بالمقابل رسالة حزب النهضة إلى هذه القوى التي لا يخفى على أحد تشابك مصالحها في تونس الصغيرة بمساحتها وسكانها لكن الهامة بحكم موقعها؟

الاتحاد الأوروبي يرحبّ...

نبدأ بموقف الاتحاد الأوروبي الذي تربطه بتونس اتفاقية شراكة غير متكافئة منذ 1995 الذي رحب قادته في قمتهم المنعقدة في نفس يوم توجه التونسيين إلى مكاتب الاقتراع بإجراء الانتخابات «الحرة الأولى في تونس» وقد تم الاتفاق على إدراج بند في مسودة الوثيقة الختامية يتعلق بالانتخابات التونسية. وتعهدت الحكومات الأوروبية «بدعم السلطات الوطنية الجديدة في جهودها الرامية إلى مواصلة إشاعة الديمقراطية في البلاد وتأمين تنمية اقتصادية مطردة» خصوصا وأن هذه الانتخابات يعتبرها الأوروبيون قد تمت وفق المعايير الدولية وتمت «في إطار من الشفافية» رغم حدوث بعض تجاوزات قللت من شأنها بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة هذه الانتخابات التي تتألف من 130 مراقبا. أما كاترين أشتون رئيسة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فقد صرحت أن ثورة الشعب التونسي قد مهدت الطريق للربيع العربي قبل تسعة أشهر» في حين اعتبر رئيس البرلمان الأوروبي الانتخابات التونسية بأنها «علامة أمل بالنسبة لتونس ولكامل المنطقة» أما فرنسا الحليف التقليدي لنظام بورقيبة ومن بعده بن علي والتي اتخذت مواقف مخجلة من الثورة التونسية عند بدايتها واقترحت وقتها دعم بن علي في كيفية تطويق الاحتجاجات فقد عبّرت عن استعدادها لدعم تونس وشعبها فقد ورد على لسان وزير خارجيتها ألان جوبيه «إن فرنسا الشريك دوما لتونس تقف أكثر من أي وقت مضى إلى جانبها».

واشنطن تشيد...

أما الموقف الأمريكي فلا يختلف في جوهره عن المواقف الأوروبية فقد أشادت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بما اعتبرته «أول انتخابات حرة في تونس... وأنها مثال يحتذى في المنطقة والعالم» . وفي إشارة إلى انتظارات الشعب التونسي من هذه الانتخابات قالت: «إن التونسيين يتطلعون إلى أكثر من خيار اقتصادي واحترام حقوق الإنسان الدولية» كما جددت تعهد بلادها بمواصلة «العمل مع الحكومة والشعب التونسي في مسيرتهما نحو مستقبل سلمي ومزدهر وديمقراطي...».

إذن تطابقت مواقف الأوروبيين والأمريكان في مباركة الانتخابات التونسية وفي التعهد بدعم التجربة الديمقراطية بالبلاد والحال أنهما إلى زمن غير بعيد كانا داعمين لنظام بن علي وأحيانا متغاضين عن سجله الأسود في انتهاك حقوق الإنسان اعتبارا للدور الذي كان يقوم به في رعاية مصالحهما ولجهوده في «التصدي للإرهاب وفي الوقوف ضد الأصولية..».

لكن بعد أن سقط الديكتاتور كان لا بد لهذه القوى من التكيف مع الواقع الجديد لإبقاء البلاد ضمن دائرة نفوذها في مرحلة ما بعد بن علي خصوصا وأن القوة السياسية الأولى في البلاد وفي المجلس التأسيسي ستكون حزب النهضة الذي عبر في أكثر من مناسبة عن انفتاحه على التعاون مع الأوروبيين والأمريكان بدء بما ورد في برنامج الحركة الذي يعتبر تمكين تونس من «مرتبة الشريك المميز» من ضمن نقاطه مرورا بلقاءات أمينها العام حمادي الجبالي بعديد الساسة الأمريكيين وصولا إلى تصريحات بعض قادتها بعد الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات مثل نور الدين البحيري الذي بعث برسالة طمأنة لهذه القوى على مصير مصالحها في تونس من خلال الالتزام بـ «تعهدات الدولة التونسية والأمن والسلم العالميين والأمن في منطقة البحر المتوسط» فهل المقصود بذلك اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي؟ أم كذلك المعاهدة العسكرية الأمريكية التونسيبة؟ وهل أن هذه الالتزامات التي اتخذتها الدولة التونسية سابقا كانت باستشارة ديمقراطية للشعب أم كانت في ظل منظومة ديكتاتورية تشرع للعمالة والتبعية؟

النهضة تُطمْئنْ...

أما القيادي عبد الحميد الجلاصي وفي نفس الاتجاه فقد بعث برسالة طمأنة إلى المستثمرين والشركاء الأجانب حيث قال: «يجب أن تطمئن رؤوس الأموال والأسواق والشركاء الأجانب على التعهدات التي أبرمتها الدولة التونسية والتزاماتها» وهو ما يعني مواصلة العمل باتفاقية الشراكة وبنفس النهج الاقتصادي الليبرالي التابع ربما على منوال النموذج التركي حيث حافظ حزب العدالة والتنمية على علاقات التعاون العسكري ضمن الحلف الأطلسي وعلى تعاون اقتصادي وثيق مع الأوروبيين ولكن النموذج التركي أيضا حافظ على المكاسب المدنية والحداثية للشعب التركي وفي مقدمتها حقوق المرأة لذلك لم يخفى على القيادات النهضوية أن تؤكد للغرب على « التزام حزبهم باحترام حقوق المرأة».

وللشعب أيضا كلمته

ان الشعب التونسي الذي ثار على بن علي لم يستأذن القوى الامبريالية ليسقطه كما أن هذا الشعب الذي ثار ضد الديكتاتورية قد ثار أيضا ضد العمالة ورهن السيادة الوطنية. كما أن هذا الشعب لما طالب بانتخاب مجلس وطني تأسيسي يضع دستورا جديدا يقطع مع الديكتاتورية لم يكن ينتظر مباركة هذه القوى أو صك استحسان منها وبالتالي من حقه أن يستفتى حول الدستور الذي ينبغي أن يحقق تطلعات الشعب في الكرامة والحرية.

محمود نعمان



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني