الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها > التجربة شاهدة على صحة مواقف حزب العمال
بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها
التجربة شاهدة على صحة مواقف حزب العمال

لقد بينت التجربة الملموسة خور هذا الموقف بل إنها بينت أنه لا يخدم إلا الدكتاتورية. كما أنها بينت سداد موقف حزب العمال وباقي القوى الديمقراطية التي استمرت في مواجهة الدكتاتورية حول محور الحريات. إن الذي استفاد من المكتسبات النسبية المحققة هو أولا وقبل كل شيء الشعب التونسي وكذلك الحركة الديمقراطية التي بدأت تخلق استقطابا حقيقيا وفعليا بينها وبين الدكتاتورية بدل الاستقطاب المزعوم سلطة/أصولية التي حاولت السلطة الترويج له داخليا وخاصة خارجيا لتبرير القمع الذي تسلطه على المجتمع وتأمين بقائها كـ"سد منيع ضد التطرف الأصولي".

إن حزب العمال الشيوعي التونسي حين ندد في مطلع التسعينات بالمحاكمات الجائرة التي استهدفت أتباع "حركة النهضة" وغيرها من التنظيمات "الإسلامية" وطالب بإيقافها وبإطلاق سراح كافة ضحاياها، لم يفعل ذلك لسواد عيني "النهضة" أو خدمة لها ولم يأخذ بعين الاعتبار إن كانت "حركة النهضة" ستعترف له بذلك أو تكف عن صراعها الإيديولوجي مع اليساريين ورميهم بـ"الكفر والإلحاد" و"العلمانية الفاسدة" بل فعل ذلك انطلاقا من قناعاته الديمقراطية الثابتة التي ترفض العسف الذي تمارسه الدكتاتورية مهما كانت الضحية، لأن في هذا الموقف دفاعا عن الشعب والمجتمع وتحصينا لهما وتأسيسا لثقافة سياسية جديدة هي الثقافة الديمقراطية المؤسسة على احترام الحريات الفردية والعامة التي ما أن تتجذر في وعي الشعب حتى تصبح هي السد المنيع ضد أي نزعة دكتاتورية مهما كان الغلاف الذي تتغلف به، أرضيا أو سماويا، ليبيراليا أو قوميا، إسلاميا أو اشتراكيا.

ومن الملاحظ أن حزب العمال الذي اتخذ في مطلع التسعينات هذا الموقف، هو ذاك الذي كان في صراع فكري وسياسي وميداني لا هوادة فيه مع "حركة النهضة" في أواخر الثمانينات، عندما كان يوجد هامش من حرية التعبير ومقارعة الرّؤى والمشاريع المجتمعية والمواقف وكانت "حركة النهضة" و"حزب العمال" مسموحا لهما بشيء من التحرك بحكم ظروف سلطة بن علي الجديدة التي كانت تبحث عن تثبيت نفسها، وكان الصراع قائما بشكل مباشر على قيادة هذا القطاع أو ذاك، ولكن عندما انقلب الوضع، وقضي على هامش الحرية الذي كان موجودا وأصبح الجميع، بقطع النظر عن انتمائه الفكري والسياسي، يواجه نفس الخطر والمصير، فمن الطبيعي أن يغير حزب العمال سلوكه السياسي، ويرد على كل الذين كانوا ينتقدونه على تنديده بقمع "النهضويين" بأن انتظروا سيأتي دوركم لأنكم لا تدركون أن بن علي لا يقمع "الإسلاميين" دفاعا عن الحرية والديمقراطية بل حماية لنفسه من أية معارضة جدية مهما كان لونها.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني