الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الحجاب... من الحريّة الشخصية إلى الفرض بالقوة...
الحجاب... من الحريّة الشخصية إلى الفرض بالقوة...
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

بعد أحداث كلية الآداب بسوسة التي أثارت جدلا كبيرا في الأوساط السياسية والحقوقية - شهدت بعض الأجزاء الجامعية على غرار جامعة الزيتونة والمدرسة العليا للتجارة بمنوبة وكلية العلوم الاقتصادية والتصرف بتونس عودةً للنزاع حول مسألة اللباس وهو ما سمح للبعض بالاعتداء على الأساتذة والطالبات على اعتبار أنهن عاريات الرؤوس ويرتدين ملابس تحيل على أنهن من «المتبرجات» لذلك وجب فرض الطاعة عليهن وإجبارهن على التراجع عن هذا الخيار المائع ليصبح الحجاب «زيا موحدا» داخل الحرم الجامعي.

بالأمس كان بن علي يجبر النساء على نزع الخمار واليوم يأتي بن علي في نسخته السلفية ليجبرهن على لباسه

الحجاب بين الأمس واليوم...

على عكس أحداث كلية الآداب بسوسة التي كان يقف وراءها مجموعة من الملتحين الدخلاء القادمين من خارج أسوار الجامعة فإن الأحداث الأخيرة انخرط فيها مجموعة من الطلاب المعروفين بانتماءاتهم للتيارات الإسلامية بمختلف مشاربها اتحدوا للدفاع عن خياراتهم العقائدية التي يعتبر الحجاب جزءا منها، وقد بدؤوا حملة الدعاية لمعتقداتهم بالهجوم على مخالفيهم ونعتهم بأبشع النعوت.

في زمن الاستبداد أيضا كان نظام بن علي يحرم الطالبات المحجبات من الدخول إلى الجامعات بحجة أنه لباس طائفي يهدد الوحدة الثقافية للشعب التونسي، ولكن كان الكثير يدرك زيف هذا الادعاء لأن الدكتاتورية لم تكتف بضرب الحريات العامة بل سعت إلى انتهاك الحريات الخاصة لتفرض النمط الذي تريده.

في ذلك الوقت ظهرت عدة حركات احتجاجية في المعاهد والكليات والمبيتات الجامعية مناهضة للتوجهات الاستبدادية لنظام بن علي ومعلنة انحيازها لحق الطالبات في ارتداء الحجاب باعتباره حرية شخصية، وقد شارك فيها العديد من أصحاب الفكر التقدمي من مناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس ومن الأساتذة النقابيين، ووسط الأصوات المنادية باحترام حرية ارتداء الحجاب غاب أصحاب المعتقدات الصلبة ولا نعرف إن كان ذلك اختيارا أم ماذا..

بين الأمس واليوم يأخذ الصراع أشكالا أخرى إذ لم يعد الجدل قائما حول السماح للمحجبات بدخول قاعات الدراسة بل أراد البعض أن يكون الدفاع عنه حربا ضد الميوعة والتبرج -على حد تعبيرهم- وبالتالي لم يعد الحجاب حرية شخصية لمن أراده وإنما يدفع «العقائديون الجدد» نحو تعميمه وفرضه بالقوة، وهو ما من شأنه أن يعيد الصراع حول هذه المسألة بخلفيات مغايرة تقوم على أسس دينية وأخلاقية وبأهداف أخرى أقرب في جوهرها إلى تلك التي منع بمقتضاها نظام بن علي ارتداء الحجاب في الجامعات في السابق.

احتجاجات نسائية ضد تهديد الحريات الشخصية

هل أن الجامعة في حاجة إلى الوعّاظ؟

يستند مناهضو الميوعة وأنصار فرض الحجاب إلى فكرة مفادها انتشار الأخلاق الرديئة والمبتذلة في الوسط الجامعي وهو ما جعلهم يسقطون في التقييم «الأخلاقوي» الضيق الذي لا ينظر إلى الأمور بشكل متكامل وإنما يراها بعين واحدة لأن تفشي ثقافة العجز الأخلاقي خصوصا في صفوف الطلاب كان نتيجة طبيعية لخيار السلطة القائمة التي عملت على تغييب هذه الشريحة وإلهائها عن التفكير في مشاكلها الحقيقية، وبالتالي فإن مقاومة هذه الثقافة التي تم اكتسابها طيلة سنوات القمع لا يكون إلا عبر إنتاج ثقافة وطنية بديلة ترتكز على برامج علمية وليس عن طريق الاعتداء على الحريات الشخصية.

هذا بالإضافة إلى أن الجامعة التي نالت النصيب الأوفر من التخريب السياسي والإداري في أمس الحاجة إلى برامج إصلاح شاملة وجذرية من شأنها أن تعيد لهذا القطاع مكانته الاجتماعية والفكرية، وبالتالي فإن محاولة تحويل فضاءات العلم والمعرفة إلى فضاءات للمواعظ العقائدية هو خيار يعمل على تغييب المشاكل الفعلية للجامعة ويقذف بها في أتون الصراع الهامشي الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.

ياسين النابلي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني