الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > «...الرحيل الأخير... لعبد الحفيظ المختومي»
إطلالة:
«...الرحيل الأخير... لعبد الحفيظ المختومي»
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011
سمير طعم الله

بعد نصف قرن ونيف وتحديدا 59 سنة غيب الموت إنسانا وشاعرا ومناضلا...

غيّب الموت عبد الحفيظ المختومي الإنسان الذي كان يجوب الشوارع في سنوات القحط والجفاف باحثا عن صديق يوشوش له في ركن حانة أو في مقهى إنساني مكتظ بعابري السبيل حكايات أيام خلت، ويدعوه إلى كأس حتى يذيب ثلج الخجل في حرارة الدفء الإنساني الذي كان يسكن محياه وهو يعترضك، غيّب الموت الإنسان الذي احتضنني ذات شارع وأنا مازلت أتحسس كيف أرتب خطاي في الشوارع الفسيحة ولم يمض سوى بضعة أيام عن خروجي من السجن بعد تسع سنوات من المطاردة والعيش في «السرية» ، احتضنني وهو يردد «والقيد سيسقط يوما ويرفرف علم أجمل» ... لم أكن على علاقة وطيدة معه فقط يومها كان اليوم القادح لشرارة علاقة رفاقية وإنسانية رائعة روعة الكنعاني الذي غدرنا ومات دون سابق إعلام أو استئذان...

هل يموت الشعراء؟؟؟!!!

إنهم يغيبون في زوايا المدينة... وحين يستكين الشارع ويظن المارة والعامة أن الهدوء استتب ويتوهم الحكام أن العيش هاني و «لا صوت يعلو فوق صوت الحاكم» ... ينبت من ضباب المدينة ومن شوارعها الخلفية صوت الشاعر يدوي عاليا «لا صوت يعلو فوق صوت الحرية» ليهزّ وجدان النائمين في هناءة الجاهل الذي لا يعلم أنه جاهل... كان المختومي أحد الشعراء المارقين عن سطوة المدينة وحاكمها... وهو المأخوذ بالمقاومة والجلد...

لم يتعود الموت طيلة رحلة حياته.. لقد تفنن في كسب الحياة وهدرها بإتقان الشاعر... كسب الحياة بصوته وبصيته الشعري... وأهدرها بحبه وولهه المفرط بلذّة الحياة... في ركن حانة وعلى الرصيف في قلب المظاهرة الصاخبة رفضا وكفرا بالظلم تنبت القصيدة قطرة قطرة وخطوة خطوة وتينع في سماء الأمسيات وفي ليل المدن الكئيبة نبراس يهتدي به الحيارى في عنف العتمة...

رحل عبد الحفيظ المختومي وفي ما يخيّل لي أنه طار إلى أرض بعيدة تسمى القدس وهو الآن هناك يستعيد وشم خطاه وهو متسربل في الظلام وديان يافا وحيفا والجليل وهو التلميذ التونسي الذي وهب حياته هناك تدفعه حميته القومية ومبادؤه الإنسانية الكونية كما جابت من آسيا اليابان أوكاموتو..

رحل المناضل الذي لم يفوت مشهدا نضاليا في شوارع العاصمة رغم ما كان يبدو عليه من عياء... وهو يردد: «أنا الملاّح وحدي»... وهو يستعيد رائحة أجداده... رائحة المتنبّي... ودم أخوته في فلسطين والجبهة الشعبية...

رحل الإنسان والشاعر والمناضل وخلّف لنا شعرا وخطا نضالية وحياة تنمو في شبله غسان الذي كلما مرّ أمامي أو جادلته في أحد المسائل أو التقية في ساحات النضال والمواجهة إلاّ وأبهرني أنه الامتداد والحياة والحضور والغياب والظلام والضياء...

Samir.taamallah@gmail.com



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني