الصفحة الأساسية > البديل الوطني > المحافظة على المصالح الأمريكية بلمسات نهضوية
المحافظة على المصالح الأمريكية بلمسات نهضوية
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

«يبدوا أن الولايات المتحدة الأمريكية غيرت سياساتها الخارجية تجاه الدول العربية التي قامت بثورات عظيمة وأطاحت بالديكتاتوريات المستبدة. ويبدو أن التيارات الإسلامية لم تعد تخيفها وتزعج مصالحها». هكذا يقول بعض المحللين السياسيين في ظل سقوط بعض الأنظمة العربية. والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: هل أن سياسة واشنطن تغيّرت فجأة بدون خلفيات أم أن الحركات الإسلامية التي تباركها الآن هي صديق قديم خفي؟

إن المنطق يقول أن الدولة العظمى والمهيمنة لا تتّبع سياسات فجئية أو اعتباطية ولا تفرّط في مصالحها مهما كلفها الأمر. هذه الأخيرة التي ظلت لسنوات طويلة تحارب الإرهاب كما تدعي بمعية كل الدول الامبريالية وحلفائها العرب والتي كانت تربط الإرهاب بالحركات الإسلامية وتُحكِم مراقبتهم خاصة المتشددين منهم، إلا أن ذكاءها السياسي يجعلها تصادق البعض منهم، أولئك الذين يدعون الاعتدال ويتوددون لها من أجل الاعتراف بهم ومساعدتهم ويقدمون لها الضمانات من أجل المحافظة على مصالحها والذود عنها إن لزم الأمر، وليقينها من أن مثل هذه التيارات يمكن أن تصل إلى السلطة ذات يوم.

حركة النهضة من بين الحركات الإسلامية التي أثبتت وثائق ويكيلكس التي سربتها السفارة الأمريكية مؤخرا العلاقة القديمة الموجودة بين الطرفين والمراسلات والزيارات المتكررة التي كانت تدور بينهما والدور الرئيسي الذي لعبته السفارة الأمريكية في تونس كوسيط والتي توافد عليها عدد من قيادي النهضة إبان وبعد حكم المخلوع.

في وثيقة تعود إلى يوم 29 نوفمبر 2005 يتحدث فيها السفير الامريكي «وليام هادسون»عن تاريخ العلاقات بين السلطة والحركات الإسلامية وعن العلاقة الجيدة بين أعضاء حزب النهضة والسفارة، وذكر أنهم يستعينون بهم للمعلومات.

وثيقة أخرى بتاريخ 15أوت 2006 يتحدث فيها نائب رئيس البعثة الأمريكية إلى تونس «ديفيد بالارد»عن اللقاء الذي دار بين المستشارين السياسي والاقتصادي والضابط السياسي في السفارة الأمريكية وبعض الإسلاميين التونسيين من بينهم زياد الدولالتي عضو المجلس التأسيسي للنهضة وكيف أن هذا الأخير يحاول إقناعهم بأن «حركة النهضة» هي حركة إسلامية معتدلة ولا تهدد مصالح الأمريكيين، وتكشف نفس الوثيقة أن العلاقة بين الطرفين تعود للثمانينات حيث تمت عدة لقاءات مع أعضاء من الكنغرس زاروا تونس، وطلبت المجموعة التواقة ربما إلى اعتراف أكبر قوة امبريالية في العالم بعض الخدمات من السفارة الأمريكية أهمها زيارة ممثل عن البعثة الدبلوماسية الأمريكية لحمادي الجبالي الأمين العام لحركة النهضة في إقامته الجبرية في منزله في سوسة في 13 أوت 2006، علما أن هذا الأخير زار الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا تكريسا لعلاقة الصداقة القديمة بينهما ولتقديم الضمانات و التطمينات اللازمة لعدم تهديد مصالحهم.

زد على ذلك البرنامج الاقتصادي النهضوي وهو برنامج ليبرالي بالأساس يدعم الاستثمار الأجنبي والتجارة الحرة والسوق المفتوحة، ويحافظ على نفس الاتفاقيات المبرمة في عهد بن علي، فكيف لا تدعمه دول رأس المال وهو امتداد للنظام الاقتصادي النوفمبري الذي كرس التبعية ونتج عنه الفقر والتهميش والبطالة...

لهذه الأسباب كانت التصاريح التي تأتينا من البيت الأبيض ترحب بحركة النهضة إذا وصلت إلى سدة الحكم. وفعلا كان لهم ما أرادوا بعد حصول هذه الأخيرة على أغلبية مقاعد المجلس التأسيسي، والذي قد يفرز دستورا يخدم مصالحهم على حساب مصلحة الشعب التونسي خاصة أنهم أول من هلل بنجاح الانتخابات وديمقراطيتها ونسبة المشاركة العالية فيها، أن هذه النسبة لم تتجاوز 48℅ وهي نسبة ضعيفة. ولم يذكروا المخالفات والتجاوزات التي حصلت وهذا أول صك على دعمهم لحركة النهضة. فحتى المغفل لن يصدق أن الحكومة الأمريكية لم تتدخل في الشأن التونسي بعد هروب المخلوع، خاصة أنها ما انفكت تخرج لنا على شاشة التلفاز بالشعارات والوعود من مساعدات مادية ومعنوية من أجل تحقيق الانتقال الديمقراطي وكأننا أغبياء لا نفقه الديمقراطية أو كأنها هي صحبة حلفائها في تونس من قاموا بالثورة و ليس الشعب، وإننا نجزم أن الديمقراطية الحقيقية لن تتكرس في بلدنا أو في أي مكان آخر ما دامت هي راعية له.

و كان من الأجدر على من يتوافدون على سفارتها في تونس من «حركة النهضة» أو غيرها من بقية الأحزاب و يهرولون لإرضائها أن يزوروا عمق البلاد التونسية أين يعيش عشرات المهمشين والمنسيين المحتاجين فعلا لبرامج ترضيهم لا ترضي أعدائهم. ونقول لهؤلاء أننا نرفض مشروع الديمقراطية الليبرالية التي تريد الحكومة الأمريكية تمريره لنا عبر السلطة الجديدة.

سمية المعمري



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني