الصفحة الأساسية > البديل الوطني > بين «النّهضة» و «الاتّحاد» علاقة حُبٍّ مِنْ طرف واحدٍ.. !
بين «النّهضة» و «الاتّحاد» علاقة حُبٍّ مِنْ طرف واحدٍ.. !
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

تابع الكثير من رواد الموقع الاجتماعي مؤخرا سلسلة الهجومات على أعضاء من قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل من قبل مجموعات معروفة بميولاتها أو قل أحيانا انتمائها السياسي بما يوحي بأن وراء هذه الهجومات حسابات سياسية لها علاقة بنتائج انتخابات المجلس التأسيسي وبتشكيل الحكومة الجديدة.

ويطرح اليوم في الأوساط النقابية وحتى السياسية السؤال التالي: هل أن هذه المؤشرات مجرد ردود أفعال حينية؟ أم هي مؤشرات على طبيعة العلاقة التي ستربط بين المنظمة النقابية والحكومة الجديدة ومن ورائها «حركة النهضة» ؟

الاتحاد وانتخابات المجلس التأسيسي

باحت صناديق الاقتراع لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي بأسرارها. ولاحظ أكثر من طرف غياب وجوه نقابية من بين الناجحين في هذه الانتخابات. صحيح أن المنظمة النقابية لم تتقدم في هذه الانتخابات بقوائم خاصة بها إذ قررت في هيئة إدارية وطنية في وقت سابق عدم المشاركة مع ترك الحريّة للنقابيين بالترشح حيثما شاؤوا ومع من شاءوا. ورغم أن الاتحاد يبدو ظاهريا خارج المجلس التأسيسي إلا أنه في «قلب الحدث» من خلال «مغازلة» ، النهضة له ومحاولة جرّه للمشاركة في الحكومة. فما هي خفايا هذه المغازلة؟ وكيف ستكون علاقة الاتحاد بالنهضة وبالحكومة مستقبلا؟

لقد ترشح عدد من النقابيين لانتخابات التأسيسي إما في قوائم مستقلة أو ضمن قوائم حزبية أو ائتلافية في كل من تونس والكاف والقيروان والمهدية ونابل وسليانة ومدنين وغيرها، بعضهم أعضاء في القيادة النقابية (رضا بوزريبة ومنصف اليعقوبي) أو أعضاء في الهيئة الإدارية الوطنية (الشاذلي البعزاوي، عبدالله العشي) والبعض الآخر في هياكل جهوية وقطاعية (حمة الماكني، أحمد الشافعي، الشاذلي فارح، محمد الحامي...). وعكس ما كان متوقعا فإن الأغلبية الساحقة منهم لم يسعفهم الحظ في النجاح رغم ما يتمتعون به كنقابيين من إشعاع وحتى شهرة فضلا عن تمرّسهم على اللعبة الانتخابية.

الاتحاد خارج المجلس التأسيسي

لذلك سيكون الاتحاد الذي ما انفكت قيادته تردد أنه معني بالشأن العام، خارج أسوار المجلس التأسيسي ومن أبرز المتغيبين عن المداولات التي ستتمخض عن نص الدستور التونسي الجديد. ومع هذا لا بد من الإشارة إلى أن المنظمة النقابية كانت من المكونات الأساسية في تشكيل المجلس الوطني لحماية الثورة ثم لاحقا في «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطي...» ومن الساهرين البارزين في تشكيل فروعها الجهوية وفي المساهمين في صياغة النص الانتخابي المعتمد للانتخابات الماضية وغيرها من المراسيم.

فمن الصعب استيعاب أن الاتحاد قد قبل عن وعي الاكتفاء بالتمهيد لهذه الانتخابات ثم الانسحاب هكذا خلسة من الركح علما وأن المرحلة القادمة ستكون محددة في رسم معالم النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ستسير عليه البلاد ربما لعقود من الزمن. ويفترض أن يتضمن الدستور القادم جانبا هاما من الأحكام ذات الصلة بالقضايا التي أول ما تعني الاتحاد العام التونسي للشغل مثل الحق النقابي والإضراب وحق الشغل وطائفة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ما من شك أن بعض الوجوه النقابية، على قلتها، التي تم انتخابها في المجلس التأسيسي ستشكل صوتا للإتحاد داخل المجلس ولكنها ستكون أكثر ملزمة ببرامج أحزابها والقوائم التي نجحت ضمنها.

الاتحاد العام والحكومة

غير أنه وما أن اكتملت قائمة الناجحين – ولو أوليا – حتى سارعت حركة النهضة بدعوة الاتحاد للمشاركة في الحكومة المرتقبة والتي شرعت في المشاورات بشأنها. وراجت أخبار – باتت اليوم مؤكدة – أن الوزير الأول المرتقب قد اتصل بالأمين العام أكثر من مرة في هذا الغرض. وبطبيعة الحال تعدّدت التأويلات لمرامي هذه الدعوة من جانب النهضة لإشراك الاتحاد في الحكومة رغم علمها الجيد بأنه لا يمثل ثقلا انتخابيا داخل المجلس ورغم معرفتها الجيدة بأن من سيعينه الاتحاد في الحكومة لن يكون نهضويا بل من الأرجح أن يكون خصما فكريا وسياسيا لها. فلماذا إذن هذا الإصرار؟

يندرج هذا الاتصال في إطار الجهد الذي تبذله النهضة لإشراك «كل القوى» في «حكومة الوحدة الوطنية» التي تحاول من خلالها لف الجميع وراءها وتحت قيادتها تحسبا للمستقبل وخشية أن يقع تحميلها وحدها مسؤولية أي فشل لخياراتها الاقتصادية والاجتماعية خاصة في المستقبل القريب.

وتعلم النهضة جيدا طبيعة المصاعب التي تنتظرها بل تعلم أن التقديرات الاقتصادية التي وعدت بها للرفع من نسبة النمو وتوفير مواطن الشغل وتحسين المقدرة الشرائية وما إلى ذلك ليس غير دعاية انتخابية. وبطبيعة الحال يمثل كسب ود الاتحاد وجره للمشاركة في الحكومة إجراء استباقي وضمانة للتوقي من الانفجارات الاجتماعية المحتملة بما أنّه سيكون حينئذ شريكا في خيارات الحكومة وملزم بسياساتها. هذا ما يبدو أن قيادة الاتحاد تجنبته فاعتذرت عن تلبية الدعوة مخيرة أن تظل المنظمة النقابية في حل من أي التزام لتلعب دورها كسلطة مضادة.

عقاب غير معلن

ويبدو أيضا أن مثل هذا الموقف لم يرق لحركة النهضة التي لا يستبعد أن تكون وراء حملة الهجوم على وجوه من القيادة النقابية حيث ركزت بعض المجموعات المعروفة بعلاقتها بالنهضة على نشر ملفات فساد راج بشأنها حديث كثير في فترات سابقة. ويرى الكثير من النقابيين في ازدواجية خطاب النهضة حيال القيادة النقابية، خطاب توحيدي من قبل القيادة وهجومات منظمة من قبل القواعد، ينم عن حقيقة موقف النهضة من الاتحاد الذي رفض الانسياق في مشروع الحكومة الوفاقية التي تدعو إليها.

هذا ما بات يبعث لدى الكثير من النقابيين تخوفا مما يمكن أن تضمره «النهضة» من نوايا حيال الاتحاد على المدى البعيد وحتى في علاقة بالمؤتمر الوطني القادم. وتسود قناعة واسعة بأن تشكيل جبهة ديمقراطية وتقدمية داخل المنظمة النقابية أصبح أمرا ملحا لحماية الاتحاد من نوايا الهيمنة عليه وإلحاقه بالسلطة الجديدة.

جيلاني الهمامي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني