الصفحة الأساسية > البديل الوطني > تجاوزات بالجملة لحركة النهضة في الانتخابات
تجاوزات بالجملة لحركة النهضة في الانتخابات
27 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

حذّرت بعض الأحزاب في عديد المرّات من تداعيات تدخّل المال السياسي الفاسد على سير الانتخابات وتحدثت عن ضرورة التقصّي في خصوص الأموال الطائلة (مئات الملايين من الدينارات) التي صرفتها منذ شهر جويلية بعض الأحزاب في حملاتها الانتخابية، وطالبت بفتح تحقيق في شأن مصادرها الداخلية وخاصة الخارجية (فرنسا، قطر، السعودية، الولايات المتحدة، ليبيا...).

ثم تصاعدت وتيرة تدخل هذا المال الفاسد، فختن الأطفال بالعشرات وزوّج العرسان بفضل «حركة النهضة» ودفعت ديون المواطنين وفتح «الحزب الوطني الحرّ» مخازن يوزّع فيها المعونات الغذائية مقابل الانخراط ثم تبعه حزب «الوطن» بصناديق الموز والورقات المالية من فئة 30 دينارا. وملئت قاعات الاجتماعات مقابل خمس دنانير ولمجة بدعوى حضور حفل غنائي. ذبحت الخرفان وأقيمت الولائم في أغلب قرى سيدي بوزيد عند التئام اجتماعات «العريضة الشعبيّة» حيث جيشت النعرات القبليّة. وفي الأثناء خطب الأئمّة في المنابر داعين المصلّين بعدم التصويت لحزب العمال.

ولم تهدأ الحركة عند انتهاء الحملة الانتخابية يوم 21 أكتوبر منتصف الليل، بل تواصلت واستفحلت. ووزعت خرفان العيد بحي «الزهروني» والأوراق النقدية في صفاقس والقيروان. كلّ هذه الممارسات لا وجود لها في الثقافة السياسيّة لرموز قاومت الدكتاتورية أمثال عدنان الحاجّي، زعيم انتفاضة الحوض المنجمي في 2008 وعبد المؤمن بالعانس وراضية النصراوي وعبد الناصر العويني وعمار عمروسية وطارق الكحلاوي والقاضي اليحياوي الذين أخفقوا، وغيرهم، في الوصول إلى المجلس التأسيسي بينما تمكن الهاشمي الحامدي، من كان بالأمس القريب يمجد ليلى الطرابلسي، من الفوز بأكثر من عشرين مقعدا.

كانت الحركات الثورية والديمقراطية التونسية تأمل أن تقع الانتخابات في تونس وفق تدابير قانونية تقرّها الدولة لضمان شفافية ونزاهة التصويت. وذلك:
- بضبط تراتيب تسجيل للناخبين، تمنع حدوث التجاوزات التي وقعت في المكاتب المحدثة يوم الأحد 23 أكتوبر.
- بترتيب مصاريف الأحزاب ومراقبة مصادر تمويلها لكي تكون المنافسة الانتخابية متساوية وشريفة.
- التثبت من مكونات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لكي تكون مستقلة حقّا وغير منحازة، إلا أن مكاتب الدوحة وسان بتيرسبورغ وألمانيا والجزائر ولبنان وغيرها من المكاتب في تونس أثبتت العكس.

وكان من الواجب :
- التحرّي بأكثر دقة في الانتساب الحزبي لمسؤولي مكاتب الاقتراع. ومنعهم من حمل شارات أحزاب. والتأكد أن الاقتراع سرّي ولا يخضع للتأثيرات أو الضغط.
- تفادي الارتجال في بعث مكاتب جديدة يوم الاقتراع .
- التحكّم في المحيط المباشر لأماكن الاقتراع لمنع التأثير العلني على المقترعين الأميين أو نقلهم.
- حسم الإشكالات قبل التصريح بالنتائج عبر عرضها على هيئة محايدة أو محكمة.

تعدّدت يوم الأحد 23 أكتوبر التجاوزات وفاقت ما كنّا نتوقعه، حيث تجوّل أحد مناصري «التكتل»، ناقلا الناخبين من مكتب اقتراع إلى آخر لكي يصوّتوا لحزب «التكتل». وسيارة أخرى توزّع ملصقات حركة النهضة إلى حدود الساعة الثانية بعد الزوال يوم الأحد 23. وسيارة أخرى رابضة أمام مدخل مكتب اقتراع وملصقات كبيرة لحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» تغطيها. وسيارات عديدة بملصقات النهضة تمر أمام صفوف المقترعين ذهابا وإيابا برادس لمدة أكثر من ساعتين.

وفي المدرسة الإعدادية بسجنان أعضاء من حركة النهضة وقائمة «وفاء» يدخلون الخلوة مع الناخبين. وتم الاعتداء على مناضل حزب العمال صالح العجيمي من طرف أعضاء من حركة النهضة. سيارات وشاحنات من حزب المبادرة تنقل الناخبين الإضافيين من حي الرياض وكندار وحي الزهور نحو مدينة سوسة. عضو حزب التكتل (تجمعي سابق) يقف في مدخل مركز اقتراع في حمام الأغزاز ينادي الناس بالتصويت لحزبه. أميّون يدخلون الخلوة في حي ابن خلدون ماسكين ملصقات النهضة وقد زودهم بها أشخاص خارج مركز الاقتراع. في مرناڨ أمام معهد «ابن الهيثم» امرأة محجبة تحمل بادج النهضة تمرّ بين الصفوف مطالبة الناس التصويت لفائدة حزبها. سيارات يدعو أصحابها للتصويت لحركة النهضة. وآخرون يسلمون سائقها ورقات نقدية، لم نتمكن من معرفة لمن يطلب التصويت. في مرناڨ أيضا رتل من السيارات تنقل المصوتين من «عين رقاد» نحو المدينة. في القيروان والكاف دفع 10 دنانير لمن يصوّت لفائدة الاتحاد الوطني الحر. عاينت منظمة «عتيد» أن إعانات غذائية وزّعت في ڨبلّي كما دفعت أوراق نقدية في باجة ووزعت بيانات حزبية في مداخل مكاتب الاقتراع. وفي مكتب من سيدي بوزيد (مدرسة فرحات حشاد) جلس بدر الدين الجمالي، أحد أعضاء المكتب ناشرا شعار النهضة أمامه. أما فوزي البنزرتي، الممرن، رئيس القائمة التجمعية «الجرأة والطموح» فدخل في معهد بورڨيبة يبعبع من قاعة إلى أخرى طالبا من الناخبين التصويت لقائمته. كما توقفت في القيروان شاحنة صغيرة تابعة لقائمة الإتحاد الوطني الحر أمام مكتب اقتراع توزع المال. هذه بعض القطرات من الفيض الهائل من التجاوزات التي طالت الاقتراع يوم الأحد 23 أكتوبر 2011. يبدو أن قوى الردّة استطاعت منذ شهور أن تستغلّ، بحنكة وبفضل الأموال الطائلة ونفوذ بعض الفضائيات واستدراج الناخبين عن طريق العلاقات العروشية وتأثير الدين، كل أغلاط الحركة الثوريّة والديمقراطية التي بقيت مقرّاتها ساكنة دون نشاط يذكر أو ارتباط بالأحياء القريبة منها أو المدن التي توجد فيها.فلم تشع على محيطها ولم تلتصق بالشعب للحديث معه في أمهات مشاكله ولم يتحرّك مناضلوها إلا في أوائل أكتوبر عند انطلاق الحملة الانتخابية. المطلوب اليوم من هذه القوى تقييم المرحلة والذهاب إلى الشعب ومواصلة الجهد من أجل تحقيق أهداف الثورة التونسية. نحن ما زلنا في أوّل الطريق.

سالم بن يحيى



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني