عندما تمر بقرى وأرياف القيروان تعترضك أشجار الزيتون واللوز تشقها من مكان لآخر شتى أنواع الأشجار المثمرة، وتمتد أمامك حقول القمح والشعير التي تتخذ أشكالا مختلفة. هذه الحقول سرعان ما تتحول إثر كل موسم حصاد إلى مراعي تنتشر فيها الأغنام والأبقار التي أخذت أعدادها خلال الأعوام الأخيرة في التقلص بسبب الجفاف وغلاء التكاليف.
أواسط شهر جوان يبدأ موسم البطيخ والدلاع فتبرز على جانبي الطريق أكداس عملاقة من هذه الغلال وتصطف عربات النقل والشاحنات لاقتناء حاجتها من أجل بيعها في السوق. كل هذا الحراك الهائل يؤكد أهمية القطاع الفلاحي بجهة القيروان ومختلف الأنشطة المرتبطة به. كما يؤكد أن هناك مجهودات جبارة يبذلها الفلاحون الذين يساهمون بنسبة كبيرة في الدورة الاقتصادية بل لعلهم عماد النشاط الاقتصادي فهم يزودون السوق بمستلزمات الغذاء من حبوب وخضر وغلال وهم ينشطون التجارة وما يرتبط بها من أعمال أخرى مختلفة ويشغلون اليد العاملة ولو موسميا... هم في كلمة صنـّاع الحياة في هذه البلاد إلى جانب فئات أخرى طبعا مثل العمال والصناعيين.
هذا المشهد يوحي بأن الفلاحة في القيروان بخير وأن فلاحي الجهة يعيشون أرغد العيش ويراكمون الأرباح الطائلة. لكن عندما تنفذ إلى الأعماق وتستمع إليهم وهم يتحدثون عن مشاكل الفلاحة وعن مختلف الصعوبات التي تعرقل مسيرتهم الإنتاجية تدرك بسرعة أن للحكاية وجه. يقول عبد الله الجرّاي، وهو فلاح بمنطقة مرق الليل: «الفلاحون الفقراء والصغار يعانون من غلاء البذور والأدوية والمشاتل التي ارتفع سعرها كثيرا خاصة عندما يقع شراؤها بالكريدي. الفلاحون يعانون أيضا من ارتفاع سعر الكهرباء بل لعل كلفة الكهرباء تمثل أم المشاكل التي تؤثر سلبا عل نشاطهم وتزيد في تكاليف الإنتاج... ويضيف الحكومة حدّدت سعر بيع الطماطم للمعامل بـ107 مليما للكيلو الواحد وذلك بطريقة فوقية دون مراعاة المصاريف المختلفة التي يتكبدها الفلاح. أنا خسرت هذا العام أربعين ألف دينار في صابة الطماطم فقط. ويضيف من المفارقات العجيبة أن الدولة التونسية اقتنت هذا الموسم القمح من الفلاحين بسعر 51 دينار للقنطار الواحد بينما تشتري القمح الأمريكي بـ 90 دولار» .
أما عبد المنعم العيّاشي الذي يستغل قطعة أرض على وجه الكراء فيؤكد: «الفلاح الصغير يعاني من الدخلاء على المهنة. هناك أطباء وموظفون وأصحاب أعمال لا علاقة لهم بالقطاع الفلاحي يشترون الأراضي بأسعار مرتفعة دون استغلالها على الوجه الأكمل. الفلاح الصغير بحكم ضعف إمكانياته المادية يضطر إلى إمضاء عقود مع أصحاب المعامل الذين يزوّدونه بمستلزمات العمل من معدات ري وبذور ومشاتل وأدوية... مقابل احتكارهم للصابة. هذه العلاقة المحكومة بعقد تنجر عنها عديد الاشكالات التي يفرضها الوسطاء مثل الترفيع في أسعار مختلف المشتريات وعدم حضور شاحنات النقل في الوقت المناسب مما يتسبب في انخفاض وزن السلعة المعدة للنقل ويجبر الفلاح على دفع رشاوي لتسريع عملية النقلّ» .
السيد علي الجراي فلاح صغير السن لكن ظروف العمل جعلته «شيخا» ، أشار إلى مسألة الكوارث الطبيعية التي تسبب للفلاحين خسائر جسيمة. قال موضحا هذه النقطة: «الفلاح الصغير غير قادر على التأمين على الصابة لأن معلوم التأمين مشط ويصل إلى 250 دينارا على كل هكتار... نحن مشتتون وغير محميين وعلاقتنا باتحاد الفلاحين هي علاقة انخراط لا أكثر. ويضيف: «الفلاحون الصغار والفقراء مضطرون في الغالب إلى شراء معدات وتجهيزات أقل كلفة لكنها سريعة التلف ولا تصمد لأنها ليست من النوع الجيد وهذا يتسبب في خسائر إضافية.ّّ.. السلطة تسرق جهدنا وتدمّرنا عندما تشتري إنتاجنا بأسعار متدنية ولا تراعي التكاليف التي نتكبدها. الفلاح الصغير يشقى ولا يلقى» .
هذه بعض تشكيات فلاحي القيروان الذين يطالبون السلط المعنية بالالتفات إلى مشاغلهم التي هي في نهاية المطاف مشاغل كل فلاحي الجهة.
إن رد الاعتبار لصغار وفقراء الفلاحين باعتبارهم صنـّاع الثروة ونظرا للدور المميز الذي يلعبونه في التنمية وإنتاج الحاجيات الأساسية للشعب من لحوم وألبان وخضر وغلال وحبوب... يفرض على الدولة تدخلا جدّيا من أجل تحقيق المطالب الأساسية التالية :
1 - التخفيض في سعر الكهرباء المخصص للنشاط الفلاحي.
2 - التخفيض في أسعار البذور والمشاتل والأدوية ومعدّات العمل الضرورية.
3 - تحديد أسعار المنتوجات التي تقتنيها الدولة والخواص من الفلاحين بما يراعي تكاليف الإنتاج ويساعد على الاستمرار في العمل.
4 - تمتيع صغار الفلاحين بقروض موسمية بدون فائض.
5 - بعث صندوق للكوارث الطبيعية.
6 - بعث منظمة تعنى بصغار وفقراء الفلاحين وتعبّر عن مصالحهم.
علي البعزاوي