الصفحة الأساسية > البديل الوطني > طمأنوا رأس المال... فمن يطمئن الكادحين ؟
طمأنوا رأس المال... فمن يطمئن الكادحين ؟
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

رأى وسمع آلاف التونسيين، يوم السبت 29 أكتوبر على القناة «الوطنية» التونسية، نورالدين البحيري المتحدّث باسم حركة النهضة يؤكّد، بإلحاح، تمسّك حركته بكل «التزامات الدولة التونسية في الميدان الاقتصادي وبالأخص الديون» . وبذلك تكون «حركة النهضة» ، الفائزة بأكبر عدد من مقاعد المجلس التأسيسي، قد أعطت الأولوية لعالم المال والأعمال. واستقبلت، طوال الأسبوع المنصرم، وُفودا من منظمة الأعراف والبورصة والسياحة وطمأنتهم على أنّها ليس في نيتها المساس بما هو موجود حاليا في الميدان الاقتصادي، وهي في نفس الوقت تطمئن الدوائر المالية العالمية بالتزامها بكل ما أمضته الدولة التونسيّة ( ضمنيا، الديون الخارجية، اتفاقية 1995 للشراكة مع أوروبا، الاتفاقيات مع «الڨات» ومنظمة التجارة العالمية).

موقف الحركة هذا ليس بجديدن والعديد من نقاط البرنامج الانتخابي المعنون «برنامج حركة النهضة، من أجل تونس الحرية والعدالة والتنمية» في جانبيها المالي والاقتصادي تصبّ في هذا الاتجاه. والعديد منّا يعرف أنّ حمّادي الجبالي وزياد الدولاتلي قالا هذا الكلام عديد المرّات إلى مسؤولي السفارة الأمريكية منذ 2006 ، كما تشهد على ذلك وثائق ويكيليكس.

ثم أعاد شرح ذلك الموقف حمادي الجبالي يوم 9 ماي2011 في واشنطن عندما شارك في منتدى «مركز دراسة الإسلام والديمقراطية» CSID الممول من طرف وزارة الخارجية الأمريكية والذي يديره الأمريكي من أصول تونسية رضوان المصمودي. يومها أوضح مبعوث حركة النهضة أن الحركة تتبنى حرّية المبادرة والفكر الليبرالي في الاقتصاد. وفي أيّام 10 و11 ماي2011 التقى الجبالي بكل من البرلمانيين «ليبرمان» و «ماك كين» ومديرة ديوان شؤون المغرب العربي بوزارة الخارجية «مارغريت نردي» وطمأنهم على التوجهات الاقتصادية لحركة النهضة.

المتمعن في «برنامج حركة النهضة، من أجل تونس الحرية والعدالة والتنمية» وفي مختلف الخطابات التي ألقيت خلال الحملة الانتخابية يلاحظ التطابق شبه الكامل بين مشروع النهضة ومشروع «ياسامين» الذي قدّمته الحكومة التونسية في «دوفيل» في قمّة G8 . كلا المشروعين قيمتهما مائة وسبعون مليار دينار (ما قيمة 125 مليار دولار) تصرف خلال خمس سنوات، من أجل بعث 150.000 موطن شغل سنويا.

مشروع حركة النهضة لا يقول كلمة واحدة حول العلاقات الشغلية المتوحشة المسماة «المناولة» ولا المليارات التي اقترضها نظام بن علي الفاسد ويريدون أن يسددها الشعب التونسي ولا يتحدّث على اتفاقية الشراكة مع أوروبا التي دمّرت النسيج الصناعي التونسي ولا عن «قانون الاستثمار» الذي يسمح للشركات الأجنبية المصدرة عدم دفع الجباية لمدّة عشر سنوات (في ايرلندة النيو-ليبرالية تدفع الشركات المصدرة 6%). لا إشارة أيضا للشركات الأجنبية التي تعمل في السوق التونسية on-shore (اورانج،شركات الأسمنت،تونيزيانا،هنكل...) و التي تصدّر كامل مرابيحها بالعملة الصعبة.

من مضحكات هذا المشروع أن العملة الّذين دخلهم ما بين 1500 و2500 دينارا سيتمتعون بإعفاء جبائي يمكنهم من زيادة لا تفوت 10 إلى 12 دينار شهريا. من كتب هذه الطرفة لم يتفطن إلى أن «السميڨ» حاليا 265 دينار شهريّا و أن الأعراف الذين يدفعون أجورا دون 265 دينارا يخالفون قانون الأجر الأدنى!.

لم يمر بالطبع هذا الخطاب الليبرالي دون لفت انتباه الأعراف الذين هللوا وطبّلوا عندما علموا أن لا شيء سيتغيّر، لا المناولة ولا «الشراكة» مع أوروبا ولا الديون الخارجية حيث أعربوا يوم 26 أكتوبر الجاري للصحيفة الالكترونية «WMC» عن امتنانهم . فقال السيد بن ملوكة ،صاحب مصنع نسيج : «...ما يهمنا هو تطمين شركائنا الأجانب... نحن في قطاع الملابس نصدّر 90 % من إنتاجنا...» وأردف بالقول السيد عزالدين سعيدان صاحب مؤسسة DIRECTWAY CONSULTING «ما يهمّ هو أن يُطمْئِن الفائزونُ الدوائرَ المالية الوطنية والدولية»، أما السيد ماهر القلال من KM management فقد شهد بما هو أهم موضّحا أن «البرنامج الاقتصادي للنهضة، برنامج ليبرالي... لن تكون هناك تغييرات مفاجئة أو إعادة نظر جذرية للمنظومة الاقتصادية» .

البرجوازية التونسية التابعة، في أغلبها، لا مشروع لها لهذا الوطن، ما يهمّها أساسا هو تكديس الأموال . وتريد نظاما يهيّأ لها قوانين حسب مصالحها ويقمع العمّال عند مطالبتهم بحقوقهم، لا تهمّها الكرامة الوطنية أو بناء اقتصاد وطني. هي طبقة ولدت في رحم المصالح الأجنبية ولا يهمها من يحكم البلاد ومواصفاته الأيديولوجية. ولنا في ذلك أمثلة عديدة في التاريخ.

إن العمّال وفقراء هذا الشعب هم اليوم أمام مشهد واضح تتسلم فيه «حركة النهضة» مقاليد البلاد السياسية والاقتصادية لتواصل نفس النهج الاستغلالي الفاحش الذي مورس على الشعب التونسي أيام حكم بن علي.

سالم بن يحيى



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني