الصفحة الأساسية > البديل الوطني > كنوز أثرية مدفونة تنهبها العصابات
بين قفصة والقصرين:
كنوز أثرية مدفونة تنهبها العصابات
17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011
صوت الشعب - العدد 24

هناك في ربوع مدينة الشهداء مازالت الصورة تحكي بصمات جريمة عصابات المعالم الأثرية فهناك ترى حضارة بأكملها تباع بحفنة من الدنانير وهناك تغتصب الأرض وتنزع كنوزها من طرف سماسرة القطع الأثرية وتتحول الأقواس والقصور الأثرية إلى وكر تسكنه الطيور وملاذا أمنا لاحتساء الخمور.

المشهد في مناطق تلابت، المسيلة، الناظور، سيدي عيش، تلك القرى الريفية البسيطة المنسية، فسقيات ومقابر ومسابح ونقوش أثرية منحوتة على بقايا حطام بعض الأواني انتشرت في كل مكان فاندثرت معالمها تحت التراب بسبب التساقطات المناخية من جهة وطورا بفأس سماسرة القطع الأثرية.

مدينة منسية

عمادة تلابت منطقة أثرية قريبة من الحدود الجزائرية تتبع ترابيا معتمديه فريانة.

هناك لا تزال آثار الحمامات والمسارح والأقــــواس والأضرحة الضخمة التي تركزت بالقرب من ينابيع المياه وعلى الهضاب والمرتفعات شاهد عيان على تعاقب الحضارات.

ورغم الإسهامات الأدبية والفكرية لتعريف بتاريخ المدينة غير أن السلطات المعنية لم تفلح في الحفاظ على الكنوز الأثرية التي تسرق وتهرب قطعها الأثرية ليكرر التاريخ نفسه كامتداد لحكم البزنطيين الذين لم ينجحوا في ترميم ما تهدم من منشآت إعادة الحياة إليها منذ زمن بعيد.

فبين ماض الفتوحات والغزوات والحاضر تستيقظ عروس حضارة ثورة تكفاريناس كل يوم على فاجعة سرقة وتهريب مخزونها الحضاري لتجد اليوم نفسها «أرملة» ينبش السماسرة إرثها وحليّها الأثري.

في سوق المدينة حيث انتشرت البضائع الجزائرية في كل مكان، توجهنا بالسؤال لبعض شباب المدينة الأثرية المدفونة حول المستقبل الأثري للمنطقة فالأمر بنسبة إليهم لن يتعدى مجرد الكلام والوعود وستكون كسابقاتها جوفاء لأن سلطة الإعلام وكاميرا التلفزيون لم تخرج بعد من شارع الحبيب بورقيبة ولم تصل مناطق مغلوبة على أمرها وتعيش الخصاصة والحرمان ليس سهوا وإنما برامج النظام والسياسة هي من تقف وراء ذلك ولأن مستقبل المنطقة باعتقادهم رهين تغيير جذري الحديث عنه كبناء قصور الرمال.

وهناك قد تتوافق إلى حد بعيد مع الاسم الذي يطلقه الأهالي على تسمية المنطقة فبدل «تلابت» يقولون»تل أبيب»علهم لم يخطأوا القول فغطرسة الجارفات للاستحواذ على الكنوز الأثرية شبيه بما تفعله الآلة الصهيونية في الضفة الشرقية لتهويد القدس.

العصابات والسماسرة

بين «ماجل بلعابس» و «سيدي عيش» تقع مناطق ريفية مثل «الناظور» ، «المسيلة» بعيدا عن مناطق السياحية. هناك مناطق هضم حقها كي تكون قبلة لسياح... بقايا الأكواب الفخارية والقرمود الأحمر والحمامات والمسارح والأقواس والأضرحة على هضاب المرتفعات على مسافات متقطعة تربطها مغاور لا يدرك أحد مداها.

لكن تلك المناطق هي الأخرى لم تسلم من النهب والسرقة... فهناك تكتشف آثار نبش السماسرة في كل مكان... حيث تنتشر حفر على مسافات متقاربة كانت محاولات لإخراج أضرحة أو لانتشال تحف أثرية.

البحث عن القطع الأثرية من الملفات التي تدرس خفية على أنظار الأهالي لتكون ليالي الشتاء هي الفترة الملائمة لإخراج ما تسنى لهم من ذلك. فهناك لا يتوانى الأهالي عن تكرار محاولات البحث فالمسألة باتت مصدر إدمان شأنها مثل»البرومسبور» عند عامة شباب المنطقة والحلم يبقى تحقيق الثروة.

على بعد كيلومترات من الحدود الجزائرية وإلى الشرق لمسافة 25 كلم تصدح مناطق عديدة بآثار تروي تاريخ حضارات عريقة خلفت وراءها كنوزا لا تحصى ولا تعد وقفت الٌأقواس كدليل على مدلولها الأثري.

منطقة الناظور قرية صغيرة طواها النسيان وغربت عنها شمس الحضارة فكانت قصورها الأثرية مكان لعصابات النظام السابق لانتشال كنوزه... هناك على بعد مسافة تقدر بـ20 كيلومتر بين الطريق الرابطة بين «الناظور» و «حاسي الفريد» تحكي حجارة مستطيلة الشكل يبلغ طولها أربع أمتار تهدم جزءا كبيرا منها بسبب عمليات الحفر بواسطة الجارفات رواية حضارة لا يمكن إلا لأهل الاختصاص معرفة مدى عمق جذورها التاريخية. لكن من المرجّح أن تاريخ الآثار يعود إلى الحضارة الرومانية.

رسالة نداء

طالب عديد الأهالي الذين حاورناهم بضرورة الإسراع بالتنقيب عن هذه المعالم الأثرية وحمايتها من السرقة والنهب من طرف عصابات القطع الأثرية، ودراسة مثل هذه الأماكن علها تكون قبلة لسياح مشيرين أن تنفيذ عملية مسح أثري للمنطقة سيشكل نقطة تحول هامّة في دراسة الجذور التاريخية للمنطقة.

من جهة أخرى تساءلت أوساط اجتماعية أخرى عن دور السلطات المعنية للكشف عن مثل هذه المعالم الأثرية المهملة التي تهرع إليها العصابات لانتشال كنوزها الحضارية.

كنوز أثرية تروي حقبات تاريخية وحضارات إنسانية متنوعة تنزع وتنبش من طرف عصابات منظمة، هذه الكنوز مازالت تترقب جهودا فعلية للترميم من قبل السلطات والوزارة المعنية من أجل الحفاظ على تلك المعالم الأثرية المدفونة والمنسية تحت التراب لتكون شأنها شأن مدينة سبيطلة منبعا للسياح وإرثا حضاريا محفوظا.

محمد علي لطيفي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني