الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > لذلك وجب النداء عاليا : يا أيّها الشعراء...
لذلك وجب النداء عاليا : يا أيّها الشعراء...
3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

إذا كان العمال والفلاحون وعموم الشغالين يكدحون من أجل إنتاج الثروات المادية وتوفير ضروريات الحياة التي يحتاجها المجتمع من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وأدوات للعمل ووسائل متنوعة لضرورات الحياة... فإنّه من واجب عمال قطاعات الآداب والفنون والثقافة أن يسخّروا أنفسهم لخدمة الشعب وأن يسهروا على تقديم إبداعات وأعمال تساهم في شحذ الإرادة وبناء الشخصية وصقل المواهب وتطوير الوعي ويقظة الضمير واسترجاع الكرامة. يُنتظر منهم الإسهام الفعلي في إبداع ثقافة جديدة وترويجها حتّى يسترجع بها الشبابُ ثقتَه والفنُّ وظيفته والجمالُ بهاءه والحبُّ رعشته والشعب كرامته والوطن خريطته والإنسان إنسانيته.

لا بدّ من التذكير بأنَّ مأجوري الثقافة السائدة كانوا لا ينفكون، ومازالوا جاهدين، يسلبون الإرادة ويشوّهون الشخصية ويقتلون المواهب ويطمسون الوعي ويقتلون الضمير ويدوسون الكرامة. ذاك هو دأبهم يهمّشون الشباب ويميّعون الفنّ ويقبّحون الجمال ويُتاجرون بالحبّ ويُهينون الشعب ويعلنون بيع الوطن قطعا مرقّمة في المزاد العلني ويسلبون أهمّ ما في الإنسان: إنسانيته، ويصيّرونه شيئا، بضاعة في سوق رأس المال.

هؤلاء ليسوا سوى مرتزقة يبيعون ذممهم طمعا في فتات موائد الأسياد ورضاهم.

وفي نفس الوقت كانت قوى أخرى تشتغل في الظلام وهي أصلا لا تعشش إلا في الظلام لأنّها تهاب شمس الحرية وروح الإبداع.

وخلافا لما يروّج البعض زورا وبهتانا بالادّعاء أنْ «لا أحد كان يجرؤ على الكلام أيام الدكتاتور» . وخلافا لتبريرات تسمع من حين لحين، هنا وهناك، من هذا وذاك، في محاولة للتطبيع مع الاستكانة في المجال الثقافي والتملص من المسؤولية من قبيل: «ما كان يمكنني أن أتكلّم. وهل كان ثمّة من يجرؤ على الكلام؟» لا بدّ من التذكير دائما وأبدا بأنّ هناك من كان يمشي على الجمر وهناك من كان ينقل الجمر في كفّيْه وهناك من كان ينفخ على الجمر.

لا بدّ من التذكير، ولو بالمختصر المفيد، بأن الساحة قد سجلت بروز حركة مقاومة ثقافية جريئة وعنيدة شملت كافة قطاعات الإبداع الفني، وإن بتفاوت، لقد حجز البوليس السياسي الكتب ومنع المسرحيات وأوقف عرض الأفلام وتصوير أفلام أخرى وعطل انعقاد الندوات وجمد نشاط النوادي... فكان الردّ بأن ظهرت حركة الأدباء الفلاقة فطبعت الأقاصيص والروايات والأشعار ووزعت خارج المسالك العادية الرسمية... وكذلك الشأن في صفوف السينمائيين الشبان والرسامين تابع مثلا حركة أهل الكهف والمسرحيين – نطالب بالمناسبة بعرض مسرحية «وطن» أمّا في مجال الموسيقى والفرق الملتزمة فحدّث ولا حرج.

وخلال أسابيع وأشهر الثورة: من جمرات الشتاء إلى زهور الربيع، من بوزيد والرقاب والقصرين وتالة إلى القصبة الأولى والثانية، كان مهندسو الصورة ونحّاتو الكلمة حاضرين يسجلون لحظات غضب الشعب وعناده وثورته ويسجّلون التاريخ في لحظته الناهضة وينفخون على جمرة الثورة.

ولكنّ ذلك مهما كان مهمّا، كان دون المطلوب، بعيدا عن قطاعات الشعب العريضة التي بقيت رهينة الثقافة التقليدية الرثّة التي تدعي حماية الهويّة من مخاطر التغريب في زمن تهتزّ فيه الشخصية بفعل التحولات الاجتماعية وانقلاب القيم والتعتيم الثقافي في ظل نظام استبدادي يمنع الحياة الثقافية ويجرّم التفكير وتنوب عنه الرؤى الظلامية فتكفر التفكير وتحرّم الإبداع.

واليوم، هناك أصوات ترتفع فرقعة وتنخفض همسا وتتشبث بالمواقع وتدعو للتوقف. للكف. لعودة المياه إلى مجاريها باعتبار بلوغ الغاية بفرار الدكتاتور. هذه الأصوات متمترسة وراء مكاتب وزارة الثقافة. نقول لهذه الأصوات الناشزة المتسللة هذا خطاب الثورة المضادة ولن يمرّ لأنّ الثورة لم تنته. والثورة لا تنتهي. ولن تنتهيَ. إنّما الثورة صيرورة.

وإذا كان استكمال مهام الثورة يتمّ على كلّ الأصعدة فإنّ الصعيد الثقافي هو العمود الفقري للثورة به تنهض وتتقدم وتتواصل وتتجدّد.

إنّما روح الثورة في الثقافـة.

لذلك وجب النـــداء عاليـــا:

- أيّها الشعراء إلى الكلمات لتبعثوا منها ريحا تنفخ في شراع سفن الإبحار...

- أيّها الرسّامون إلى المواد لتصهروا منها ألوانا تبعث نور الحياة في الأشكال...

- أيّها النحاتون إلى الصخور لتُنْطقوها حكايا تبعث الحياة في ذكرى الشهداء...

- أيّها المغنّون إلى الأصوات لتنثروها إيقاعا يروّض الأحزان ويولّد الأفراح...

- أيّها الشباب إلى دور الثقافة والشباب تحرثونها وتبعثون فيها الحياة...

- أيّتها الشابات إلى المسارح املؤوها مرحا وإلى النوادي املؤوها فرحا...

رضا البركاتي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني