الصفحة الأساسية > البديل الوطني > لماذا يشارك حزب العمال في انتخابات المجلس التأسيسي؟
لماذا يشارك حزب العمال في انتخابات المجلس التأسيسي؟
6 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

إننا مطالبون باعتبارنا شيوعيين نناضل في سبيل بناء الجمهورية الديمقراطية الشعبية التي لن تتحقق إلا عبر النضال الثوري، أن نبيّن معنى قبولنا اليوم بالمشاركة في الانتخابات القادمة للمجلس التأسيس ومدى ارتباط هذه المشاركة بأهداف الثورة واستكمال مهامها المطروحة.

محطة في مسار ثوري

إن المجلس التأسيسي من وجهة نطر الثورة ومن وجهة نظرنا كشيوعيين لا يمكن أن يكون سوى تلك الوسيلة التي يتم من خلالها بداية تشكيل النظام السياسي الجديد على إثر سقوط النظام القديم وانتصار الثورة انتصارا حاسما وبعد أن تتوصل الثورة إلى انتزاع السلطة من يد أعدائها، وإدراكا منا للمهمات المطروحة، تولينا في حزب العمال صياغة برنامج الثورة وحددنا سياق وشروط الدعوة إلى انتخاب المجلس التأسيسي منذ قرابة العقدين. حيث لم يكن لدينا أدنى وهم من أن الديمقراطية أو بالأحرى الدولة الديمقراطية التي نناضل في سبيلها يمكن تحقيقها في ظل استمرار هيمنة نظام فاشي كنظام بن علي أوفي ظل تواصل الدولة البوليسية في الحكم. لقد بينا أن النظام الديمقراطي لا يمكن تحقيقه سوى عن طريق ثورة تستهدف إسقاط النظام والظفر بالسلطة. ومازلنا نعتقد إلى حد الآن أن مسألة بناء نظام ديمقراطي يتحرر من خلاله الشعب بالكامل من هيمنة البورجوازية العميلة وسلطتها ومن نظام حكمها الفاسد والمستبد لا يمكن أن يتم إلا على أنقاض النظام القائم وعلى أنقاض مؤسسات الدولة القائمة أي على أنقاض أدوات الهيمنة التي جاء السبسي لفرض هيبتها وتعزيز دورها في السيطرة على المجتمع وعلى مقدراته ولتأمين مصالح الطغمة الرأسمالية. فإرساء الديمقراطية هي المهمة التاريخية للثورة اليوم والتي لا تزال مطروحة للإنجاز.

لقد جاءت الدعوة إلى انتخاب المجلس التأسيسي في برنامج حزب العمال الشيوعي التونسي كنقطة محورية في برنامج الثورة. لكننا بيّنا الشروط اللازمة لكي يكون المجلس التأسيسي تأسيسيا بالفعل، أي قادرا بالفعل على تأسيس نظام ديمقراطي ودولة ديمقراطية جديدة مختلفة تماما سواء في شكلها أو مضمونها مع الدولة القديمة. فالشرط الأول المحدد ليكون المجلس التأسيسي تأسيسيا بالفعل هو انتصار الثورة الحاسم وافتكاك السلطة. فالسلطة تلك الحلقة المركزية في الثورة من أجل تغيير نظام الحكم والتي لا يمكن للطبقات والشعوب الثائرة أن تحدث المنعرج الهام في تاريخها من دونها. فحين تكون السلطة بيد حكومة ثورية منبثقة عن الثورة تدعو تلك الحكومة المسيطرة إلى انتخاب المجلس التأسيسي وتتولى كافة المهمات الانتقالية الفعلية وتضمن التغيير بتحقيق كافة المطالب الثورية والديمقراطية والوطنية والشعبية الملحة والمطروحة وتعمل على شل تأثير وفاعلية قوى الثورة المضادة بكل الوسائل. وبهذه الشروط يمكننا الحديث عن مجلس تأسيسي فاصل ما بين نظامين مختلفين تماما. وبهذه الشروط يمكن أن يحصل التغيير الثوري.

نجاح الانتخابات لا يعني نهاية المهمة

ولا بد من الإقرار أن انتخابات المجلس التأسيسي القادمة سوف تجري خارج السياق والشروط التي كان حزب العمال قد حدّدها في برنامج الثورة وأهدافها. وتتنزل هذه الانتخابات في إطار ما أجبرت عليه حكومة السبسي على قبوله من مطالب وفي إطار المناورات وسياسة الاحتواء والالتفاف والحيلولة دون تحقيق الثورة لانتصار تاريخي. فالإقرار بالدعوة لهذه الانتخابات من دون تفكيك أسس هيمنة النظام القديم تأتي في إطار إنقاذ مصالح البورجوازية الحاكمة ونظامها من الانهيار وللمحافظة على بقائها في موقع السيطرة والنفوذ. إنه لا يمكننا تصديق السبسي حين يدعي أن هذه الحكومة التي يشرف عليها هي حكومة انتقالية. بل هي حكومة منصبة لإدارة المرحلة الحالية ولها مهمة واضحة تتمثل في إفشال الثورة بجميع الطرق والوسائل بما في ذلك القمعية.

استكمال مهام الثورة هو الحل

إن السياسية هي فن إدارة الصراعات. وهي علم له قوانينه. ولا يمكن فهْم نضال الشعوب خارج قوانين الصراع الطبقي وشروط تطوره. ولهذا فإن الحزب الذي يطرح على نفسه القيام بالثورة لا يمكنه القيام بدوره في قيادة النضال وإدارة الصراعات المختلفة ما لم يكن مدركا ومستوعبا لهذه العلوم وقوانينها التي وضعت أسسها الماركسية اللينينية. فالشيوعية هي علم تحرير البروليتاريا والشعوب والأمم المضطهدة. ومن خلال إدراكنا واستيعابنا لمبادئ هذا العلم وقوانينه يمكننا معرفة ما علينا القيام به على مستوى كافة واجهات النضال. وعلى ضوء ذلك يتحدد الدور المطلوب منا القيام به من أجل استكمال مهام الثورة وتحقيق انتصارها.

إن مسألة انتزاع السلطة تبقى العنصر الجوهري في انتصار الثورة وتحقيق أهدافها حيث لا يمكن إجراء تغيير فعلي من دون وصول القوى الثورية إلى السلطة. فالثورة تخطئ خطأ فادحا وقد يكون قاتلا إذا ما تركت السلطة وكل وسائل السيطرة بيد أعدائها. فالشعب الذي يريد إسقاط النظام عليه أن يعي أهمية انتزاع السلطة لتحقيق انتصار الثورة انتصارا حاسما. ومن دون التفكير في هذه المسألة لا يمكن للتحولات التاريخية الكبرى أن تتم.

إن ثـورة 14 جانفي أدركت أشياء وغابت عنها أهم الأشياء حيث عجزت بسبب ضعف التأطير وشبه غياب كامل لهيئة أركان وقيادات وبسبب ضعف الأحزاب المتزعمة للنضال الثوري والديمقراطي عن مواصلة مهماتها واستكمال الثورة باستئصال نظام الحكم القائم. فالنقائص التي طبعت هذه الثورة سهلت مهمة قوى الثورة المضادة في الاحتواء والمناورة وافتكاك زمام المبادرة لتتمكن من المحافظة على السلطة وأسس هيمنتها على المجتمع. وهذا لا يمنعني أن ما حققته ثورة 14 جانفي هو شيء يمكن أن يستهان به، بل إننا مطالبون بالاعتراف بما فتحته هذه الثورة من آفاق واسعة للنضال في سبيل دفع المسار الثوري واستكمال المهمات الثورية المطروحة. فالمعركة ضد النظام وأدوات هيمنته لم تحسم لفائدة الثورة وأهدافها ومطالبها بعد. وهذا ما يتطلب منا أن نلعب دورنا بالكامل ونناضل بدون هوادة لحشد القوة الكافية من أجل انتصار الثورة الحاسم. ففي كل طور من أطوار الصراع والنضال لا بد من أن نعرف ما عسانا القيام به من أجل تحقيق الأهداف التي نريد.

إن القوى الثورية مطالبة اليوم بالرفع من قدراتها التنظيمية والدعائية والتحريضية وتأهيلها سياسيا وفكريا وإيديولوجيا وعمليا لتلعب الدور المتقدم في التأثير في مجرى الأحداث والنضال والصراعات بما يخدم قضية الشعب ومطالب ثورة 14 جانفي وأهدافها التي جاءت من أجلها.

لماذا يشارك حزب العمّال في الانتخابات؟

إن مشاركة حزب العمال في انتخابات المجلس التأسيسي تأتي في إطار النضال من أجل استكمال الشروط الأساسية اللازمة لانتصار الثورة. فهذه واجهة من واجهات الصراع مع أعداء الشعب. وإننا على يقين من أن أعداء الثورة المتربصين بها في الداخل والخارج سوف يلجأون إلى كافة الوسائل القذرة من أجل إجهاض المسار الثوري والحيلولة دون انتصار الثورة.

إننا لم نتردد في اتخاذ الموقف بالمشاركة في الانتخابات لنعبّد سويا مع بنات وأبناء شعبنا طريق النضال ومواجهة أعداء ثورة 14 جانفي. فنحن مدعوون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مزيد التصميم و التضحية والارتقاء إلى مستوى تضحيات شهداء هذا الشعب العظيم. لقد قررنا أن نـُـقبل على هذه المرحلة من النضال بروح قتالية عالية مفعمون بحبنا لشعبنا ومستعدون للذود عن مطالبه والتضحية في سبيلها وإفشال مخططات أعدائه وأعداء ثورته والمتآمرين على مصيره. إننا نـُـقدم على المشاركة في هذه الانتخابات ونحن واثقون من أن الذي أجبر بن علي على الفرار قادر أيضا على إجبار نظامه بالكامل على الرحيل واستكمال مهام ثورته.

من أجل أن يكون المجلس التأسيسي تأسيسيا بالفعل لنظام ديمقراطي في خدمة الشعب وقضاياه ومطالب ثورته.

محمد الهادي ساسـي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني