جسد مترهل إلى حد التقيؤ، توتر يسكن الأعصاب، تفاقم لصراع نفسي حاد وكآبة لا حد لها تسكن ما تبقى من هذه الروح القاحلة التي أرهقتها فظاعة العبودية المنمقة للرأسمالية المتوحشة.
هكذا أردت أن يبتدأ الكلام، وهكذا كانت اللغة مهربا آخر من شدة اضطهاد كان وما يزال هنا باقيا.
علاقة مراكز النداء بالصحافة
مئات المقالات كتبت وآلاف النصوص حررت مند 14 جانفي تنتقد الفساد الإداري والقانوني وتبذير المال العام وجشع رؤوس الأموال وتورّط رجال الأعمال مع ديكتاتورية بن علي. وقد حجبت هذه المقالات ومنعت من النشر، هذا إضافة إلى استدعاء الصحفيين واستنطاقهم والتحقيق معهم مما يخل بمبادئ الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، ويحيد بثورة الكرامة عن مسارها ولعل رجال الأعمال ورؤوس الأموال بتونس قد تجاهلوا أو تناسوا أن الثورات والتغيرات السياسية والإرادة الشعبية وطموح الإنسان وطوقه للعدالة والحرية تمكَن الإعلام من الانعتاق الذي يجعله على مرَ السنوات إعلاما حرا يؤثث للمواطنة الحق.
ويبدو أن مراكز النداء بتونس، ونظرا لتورطها مع ديكتاتورية بن علي من خلال عدد من الحيل القانونية وخرق لقانون الجباية، تتمادى بعد ثورة الكرامة والحرية وتبرز بطريقة مباشرة سيطرة رؤوس الأموال وتجرؤهم علي الصحافة والإعلان وانتهاكهم لحرية التعبير والرأي. فما رأيكم بمواطن عادي ومرشد حرفاء بسيط قد اشتغل لحولين وستة أشهر بإحدى مراكز النداء العالمية كتب مقالا ينقد فيه مراكز النداء بتونس دون أن يحمل المقال أي علامات لثلب أو انتهاك للحرمة الشخصية، يتحدث فيه عن واقع مرئي وحقيقة ظاهرة، ترسل المقالات إلى صحف تونسية لها مكانتها في الظاهر وبدل أن ينشر المقال يجده صاحبنا داخل الشركة للنقاش.
يحاول هذا المواطن البسيط الاتصال بالصحف ليتمكن من مقابلة رئيس التحرير الذي جعله ينتظر طويلا إلي حد الملل رغم أن لديه وصل لرسالة مضمونة الوصول كان قد بعث بها المقال حيث أقر أحد مسؤولي الشركة أن المقال يصل مباشرة للشركة.
كما وقع الاتصال بالصحف الأخرى لتكذيب ما قيل بالمقال بطرق ملتوية وفي ذلك احتقار لدور الصحافة وأهدافها النبيلة وضرب من التخويف والإرباك وحدّ من وظيفتها وتأثيرها حتى تضل دائما صحافة الرداءة في خدمة الحكومة الغبية والرأسمالية المتوحشة.
أين حقوق العمال؟
رواتب منخفضة مقارنة بالراتب الشهري الذي يسند لمرشدي حرفاء فرنسي
خرق واضح لقانون الجباية ومجلة الشغل في عدة فصولها
تلاعب بفصول شكلية لنظام داخلي يمس كرامة الشغيل التونسي.
شجع مسؤولي مراكز النداء الذين طالما طواطأوا مع نظام بن علي لجني الأرباح غير مكترثين بكرامة الشغيلين وبصحتهم وبالمواطن التونسي الذي باعه النظام بأبخس الأثمان قد تمثل في هذا التفاوت الشاسع والواضح على مستوى الرواتب المنخفضة إذا يتراوح المرتب الشهري لمرشد الحرفاء التونسي بين 400 و500 دينار تونسي ويعد هذا الراتب ضئيلا جدا مقارنة بمرتب شهري يتقاضاه مرشد حرفاء فرنسي يتراوح بين مليونين وثلاث ملايين أورو أي ما يعادل ستة آلاف دينار تونسي.
تفاوت واضح يخل بكرامة المواطن التونسي. أضف إلى تلك الامتيازات التي يتمتع بها مرشد الحرفاء الفرنسي من منح ومرتب سنوي وامتيازات لم يتمتع بها قط مرشد حرفاء تونسي.
مما يحيلنا إلى التساؤل عن مدى مكانة الإنسان لديهم، أوليس الإنسان هو الإنسان أوروبيا كان أو إفريقيا؟ أو ليس الجسد هو الجسد؟ والفكر هو الفكر؟ والطاقة هي الطاقة؟
أضف إلى ذلك الخرق الواضح لقانون المؤسسات وحقوق العمال وعدم تطبيق ما ورد في مجلة الشغل التونسية في عدة فصولها بما في ذلك الفصول المتعلقة بسلامة ووقاية العمال، مثل عدم وجود واق للأذن بكيفية تضمن الوقاية للجميع والنقص الفادح لأجهزة العمل، طرد غير قانوني لجملة من مرشدي الحرفاء والعديد من القضايا داخل المحاكم والعديد من حالات الضرر الجسدي والنفسي.
ويمكن الإقرار بأخطر من ذلك بكثير حيث تؤثث مراكز النداء بتونس لإنشاء جيل من الصم والمرضى العصابيين.
شركات عالمية عملاقة تنفتح على خمسة فروع بتونس وبن عروس والساحل، تدخل البلاد دون اتفاقية تخضع شكلا لمجلة الشغل، مراكز النداء بتونس فوق القانون تكاد تكون مشكلا من مشاكل الشباب وليس حلا.
عبودية احتقار
حسب ما هو منطقي وحسب أكاذيب النظام البائد تعتبر المؤسسات العمومية والخاصة بتونس ملاذا للكرامة والعدالة، مؤسسات تحقق فعلا كرامة العامل والمواطن على حد السواء، مؤسسات منظمة بالفعل تراعي كينونة العامل وإنسانيته، لا جبهة قطيع يقودها راع، إلا أن مؤسساتنا كانت طيلة أحقاب رمزا للتخاذل والنهب والعبودية الحديثة وإقصاءا للشغيلة والكادحين. لهذا قامت ثورة الكرامة عسى يحقق التونسي إنسانيته التي افتكها منه النظام البائد وتفتكها منه حكومة الالتفاف اليوم وحتى يحقق حريته في التعبير والنقد والرأي الحر في خضم دولة القانون والمؤسسات.
مراكز النداء، ضبابية وغموض وأشياء أخرى، عبودية حديثة صنعتها أيادي المستثمر الذي لا يحترم كينونة التونسي وإنسانيته. هذه العبودية المنمقة يقر بها معظم العملة أولئك الذين قابلتهم وتحدثت معهم والذين اتفقوا على أنها انتهاك للعقول وسلب للمدارك واستغلال فاحش متوحش لسواعد شبابنا المرهق.
فكيف لشبابنا في هذه الفترة الانتقالية نحوالديمقراطية أن يعي هذه التحولات وأن يواكب هذه التغيرات وهوالذي يغادر محل سكناه منذ الثامنة صباحا ليعود العاشرة ليلا منهكا فاقدا للقوى في عزلة تامة عما يقع خارجا؟
كيف لشباب مكابر قضمت من كينونته مراكز النداء أن يؤهل ليكون حرا طالبا لكرامته؟
كيف يمكن لشباب الثورة أن يواكب ويراقب عن كثب هذه التحولات السياسية داخل طاقم من الضوضاء والضغط؟
كيف لامرأة وسيدة بيت وربة أسرة أن تلبي رغبات زوجها وطلبات أبنائها ومتطلبات الأسرة حين تعود ليلا مرهقة، حزينة، يائسة بعد المكابرة والحرمان؟
أوليس في ذلك مساس باستقرار الأسرة واستمرارها، أوليس في ذلك مساس بكرامة المرأة وأنوثتها وعاطفتها.
جمود للعقول، مساس بالكرامة واضطهاد إلى حد الموت تلك هي مراكز النداء بتونس، عبودية حديثة تصنعها أيادي المستثمر المستعمر تحمل بين طياتها بقايا الاستعباد وعبودية القرن السابع عشر...
محمد الحربي