الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > مسؤولون مقربون من بورقيبة والمزالي سرقوا مني جزء من اكتشافي الطبي... و «الطرابلسية» (...)
الباحث عبد الكريم الترهوني في تصريح خاص لـ «صوت الشعب»:
مسؤولون مقربون من بورقيبة والمزالي سرقوا مني جزء من اكتشافي الطبي... و «الطرابلسية» عطلوا أبحاثي وحاولوا السطو عليها
6 تشرين الأول (أكتوبر) 2011
عبد الكريم الترهوني

هو باحث طبي وصاحب اكتشاف علمي في الأمراض الفيروسية، زاول دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة مكثر من ولاية سليانة أين تحصل على الباكالوريا في العلوم في أواخر الستينات، غادر تونس إلى المشرق وبالتحديد إلى لبنان ليكمل دراسته الجامعية في جامعة القديس يوسف والتي نال فيها شهادة جامعية في اختصاص الطب والبيولوجيا سنة 1974.

في تصريح أدلى به لـ «صوت الشعب» قال الباحث عبد الكريم الترهوني أنه عاد إلى تونس محمّلا بقدرات علمية لا بأس بها، حرضته على الانكباب على البحث والاكتشاف في عالم الطب وبالخصوص في مجال الأمراض الفيروسية كالسيدا والسرطان والسكري...أنتجت سنوات البحث والاجتهاد اكتشافا علميا اعتبره الدكتور عبد الكريم الترهوني الأول من حيث القيمة العلمية في هذا المجال، وفي سنة 1989 وبعد إسناد جائزة نوبل للطب للباحثين الأمريكيين «بيشوب» و «فارموس» نشر الترهوني مقالا بجريدة الشعب – تحصلت «صوت الشعب» على نسخة منه- بتاريخ 23 جوان 1990 بيّن فيه أن الاكتشاف الأمريكي لا يستحق جائزة نوبل وأن استنتاجات الباحثين الأمريكيين متسرعة ومرتبكة، وقد تضمّن المقال جملة من الحجج العلمية التي اعتمدها صاحبها لدحض مرتكزات البحث الأمريكي، وفي المقابل أكد أن مشروعه الصحي العلمي أعلى بمستويات من أي اكتشاف طبي ظهر في الغرب.

إن عصارة سنوات عديدة من البحث والاكتشاف اصطدمت بفساد النظام السياسي والإداري، إذ طلب الباحث عبد الكريم الترهوني في جانفي 1981 يد المساعدة من مسؤولين صحيين كانوا في السلطة وعلى رأسهم حمودة بن سلامة والطبيب النفساني سليم بن عمار، إلا أن هؤلاء وبعد حصولهم على القسم الأول من الاكتشاف - وهو بمثابة المقدمة النظرية التي تتطرق بالدراسة للمصدر الطبيعي الذي تتأتى منه الأمراض الفيروسية - تنكروا لصاحبه واستغلوا ولاءهم للنظام للسطو على هذا الاكتشاف، ولم يجد صاحب البحث من حل سوى التظلم لهيئة المحامين التي لم تستطع بدورها مواجهة أصحاب النفوذ، كما أن الاتصال بالمزالي آنذاك جعل هذا الأخير يصطف وراء سليم بن عمار وحمودة بن سلامة نظرا للعلاقات الوطيدة التي تجمعهم.

وبعد إحالة القضية على الأمن والقضاء تعرض الدكتور عبد الحكيم الترهوني للمضايقات المتتالية وتم اتهامه بإثارة الفوضى وتعكير الصفو العام واعتُبر «مشاغبا سياسيا» ، وقد وصل الأمر إلى حد إتلاف أمتعته وأدباشه ومكتبته ووثائقه الرسمية من قبل البوليس وذلك بعد اقتحام نزل «سرتا» بشارع شارل ديقول أين كان يقيم في ذلك الوقت وبالتحديد سنة 1982. وبعد رحيل بورقيبة واعتلاء بن علي سدة الحكم أكد الترهوني أنه واصل رفع الشكايات إلى رئاسة الجمهورية وهو ما جعل السلطات تقترح عليه في ذلك الوقت مساعدة قيمتها مليار ونصف من أجل تمويل هذا المشروع العلمي، ولكن تدخل بعض الوساطات من أصهار بن علي من أجل تعطيل هذه التجربة والسطو على الاكتشاف كان عائقا أمام تطبيقه على أرض الواقع، وقد أشار الدكتور عبد الحكيم إلى أن شخصا يدعى «عادل الطرابلسي» طلب منه الشهادات العلمية التي تثبت كفاءته في هذا المجال، هذا بالإضافة إلى مطالبته بتعزيز علمي للبحث الذي قام به، وهو ما يخفي وراءه نية للالتفاف على الاكتشاف من طرف الطرابلسية على حد تعبير الباحث.

في سنة 2011 وبعد سقوط بن علي، وبعد انقضاء أكثر من ثلاثين سنة مازال الدكتور الترهوني محروما من أبسط حقوقه كمواطن تونسي وهي الحق في تجديد بطاقة التعريف الوطنية واستخراج جواز سفر، وهو ما زال يعتقد جازما أن منظومة الفساد مازالت قائمة وتُوَاصل تهميشها للمفكرين والعلماء وهو ما جعل العديد منهم يختار السفر إلى أمريكا وأوروبا في حال توفر الإمكانيات المادية الخاصة وفي حال انعدامها يصبح المرض والغبن والتشرد والتهميش سبيلا لهؤلاء.

إن سنواتٍ من القهر والمعاناة كان لها تأثيرها العميق على الباحث عبد الحكيم الترهوني، وقد كانت كفيلة بأن تجعل صاحب الثلاث وستين سنة يصاب بعدة أمراض تراوحت بين فقر الدم والإنهاك وشحوب الوجه وبين ما هو نفسي ترى ملامحه في حسرة الطبيب الأعزب الذي وهب كل جهده ووقته للبحث والاكتشاف على حساب حياته الشخصية. ولكنه مازال يعاند بكل حذر من أجل أن يرى اكتشافه النور يوما، وبالرغم من إتلاف شهائده العلمية والسطو على الجزء الأول من بحثه إلا أن الباحث أكد أن الجزء الأهم من البحث مازال على ملكه على وهو يتضمن التركيبة البيولوجية للدواء الذي يطبّب الفيروسات القاتلة، ولكن ضعف الإمكانيات المتاحة للبحث في تونس وغياب علماء أكفاء يقف حائلا دون إثبات صحة هذا الاكتشاف وعلميته، هذا بالإضافة إلى أن الترهوني دحض مصداقية المجتمع العلمي في بعض الدول المتقدمة مستثنيا فرنسا الذي عبر أنها يمكن أن تكون وجهته العلمية في حال توفر الإمكانيات.

في ختام تصريحه لـ «صوت الشعب» لا يطلب الباحث عبد الحكيم الترهوني سوى وقفة جادة إلى جانبه من قبل القوى المدنية والسياسية الصادقة في تونس والتي تؤمن بحرية الفكر والمفكرين، ويعتبر بحثه منارة للاكتشاف ستضيئ للإنسان في تونس وفي العالم سبل الخلاص من أحد العاهات التي تفعل فيه فعل الموت كل يوم.

ياسين النابلي

مقال نشرته جريدة «الشعب » للباحث عبد الحكيم الترهوني يوم 23 جوان 1990


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني