الصفحة الأساسية > البديل الوطني > من أجل سياسة اجتماعية وتنموية عادلة في المرحلة القادمة
من أجل سياسة اجتماعية وتنموية عادلة في المرحلة القادمة
10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

في إطار الحراك الذي تشهده مهنة الخدمة الاجتماعية وعلى عكس أغلب القطاعات، اتجه اهتمام الأخصائيين الاجتماعيين إلى مسألة استقلالية المهنة وهو مطلب قديم وأساسي، إضافة لكونه ينسجم مع أهداف ثورة شعبنا ويستجيب إلى حاجيات فئاته الهشة والمحرومة. فقد عمل النظام المخلوع على امتداد عقود على احتواء هذه المهنة وتجريدها من كل مقوماتها الفنية وتدجين العاملين فيها ومنعهم من إشاعة القيم والمبادئ التي تستند إليها الممارسة المهنية.

وإذا علمنا أن مجموع القيم والمبادئ والأخلاقيات والمرجعيات التي تؤطّر مهنة الخدمة الاجتماعية تجعل منها مجالا لتكريس الحقوق الأساسية للمواطن في الصحة والعلاج والسكن والرعاية الاجتماعية والتنمية فهي في جوهرها تشكل خطرا حقيقيا على كل الأنظمة المستبدة وسياساتها الفاشلة لأنها توقظ الوعي لدى الفئات التي تتعرض للتهميش والإقصاء الاجتماعي وتعمل على تغيير معنوياتهم وتصوراتهم للحياة.

وفي غياب دور فاعل لهذه المهنة على امتداد عقود إلى جانب انعدام الحريات وأبسط الحقوق تمكنت أجهزة النظام المخلوع من مغالطة الرأي العام وتقديم خدمات واهية على امتداد سنوات ثبت عقمها في معالجة الإشكاليات الاجتماعية ومقاومة الفقر وضمان العدالة الاجتماعية في حدها الأدنى.

ولم يتوقف التهميش عند حرمان فئات اجتماعية واسعة من أبسط حقوقها في العيش الكريم بل تم الحرص على توظيفها بهدف إدامة القهر والتسلّط ولفسح المجال لاستجداء الصناديق العالمية للانتفاع بقروض مذلة فاقمت أزمة البلاد استنادا إلى أرقام وهمية حول نسب النمو والتنمية ونسب الفقر والبطالة والأمية والجريمة والتغطية الاجتماعية والسكن استندت إلى برامج واهية لم يقدر الفنيون على تطويرها تماشيا مع الحاجيات الحقيقية للفئات المعنية بها مما عمّق الشعور بالإحباط واليأس لديهم.

-1 استقلالية مهنة الخدمة الاجتماعية بين المرحلة الانتقالية وزمن الشرعية الجديدة؟

لقد أطاحت ثورة شعبنا بهرم الاستبداد لكنها لم تستكمل أهدافها في غياب برامج اقتصادية واجتماعية استثنائية ومنظومة قانونية صارمة تؤسس للخطوات الأولى في إرساء عدالة اجتماعية حقيقية، وكردّ فعل اوّلي أجمعت مكونات مهنة الخدمة الاجتماعية الجمعياتية والنقابية والإدارية النزيهة على ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة لحماية المهنة من التهميش ولحماية حرفاء المهنة من التوظيف مجددا تحت عناوين مختلفة .

وقد تمثلت الخطوة الأولى في إصدار المنشور عدد 3 المؤرخ في 27 ماي 2011 الخاص بالبرنامج الوطني لإعانة العائلات المعوزة وهو منشور مشترك بين وزيري الداخلية والشؤون الاجتماعية، كما تمّ إدراج مهنة الخدمة الاجتماعية خلال نهاية شهر سبتمبر ضمن الفصل الثاني من النظام الأساسي العام لأعوان الوظيفة العمومية وهذا الإجراء سيفتح الباب أمام وضع نظام أساسي جديد للأخصائيين الاجتماعيين من المفروض أن يفتح آفاقا مهنية ويؤسس فعليا لممارسة مهنية أصيلة في كل مجالات التدخل مع الأفراد والأسر والجماعات والمجتمعات المحلية والإدارة الاجتماعية والبحوث والدراسات وهي مجالات ستتطلب مهارات فنية ووسائل عمل مادية وبشرية هامة.

وقد تزامن صدور هذا المنشور باتخاذ قرارات تضمنت الترفيع في عدد المنتفعين بالمنح القارة ليصل إلى 185 ألف منتفع والترفيع في قيمة المنحة القارة إلى 70 د في الشهر واحتساب مساعدة إضافية بـ 10 د لكل طفل في سن التمدرس على أن لا يتجاوز عدد الأطفال المعنيين بالترفيع ثلاثة أطفال بكل أسرة، كما شهدت الساحة الاجتماعية قرارات جديرة بالاهتمام تتمثل في صرف مساعدات مالية للأسر المعوزة عبر حوالات إلكترونية مباشرة وإن تسببت هذه الاجراءات في إثقال كاهل الأخصائيين الاجتماعيين الذين تحمّلوا ضغط الشارع وتعرّضوا للعنف المادي والمعنوي عند تكوين الملفات ونتيجة الإقبال المكثف للمواطنين للبحث عن مساعدة سواء بصفة تلقائية نتيجة الفقر المدقع أو نتيجة التحريض من السلط المحلية الذين فقدوا مشروعية التدخل وهامش المناورة في التلاعب بمختلف البرامج الاجتماعية .

وقد اقترن هذا الضغط بإغراق الأخصائيين الاجتماعيين بآلاف البحوث الاجتماعية الموجهة من السلط الجهوية والتي تتصل ببرامج لا صلة لها بخصوصية المهنة واستحقاقاتها وقد تسببت هذه الظروف في هدر عديد الطاقات وتوظيف المهنة ولو بدرجات أقل في خدمة توجهات السلطة الانتقالية التي اتسمت

بالسطحية والارتجالية لكونها لم تساهم في تحقيق نتائج ملموسة على الميدان والدليل أن حجم الطلبات لم ينقطع بل تضاعف رغبة في الحصول على مساعدات العيد في بداية شهر نوفمبر 2011 .

وفي انتظار ارتسام معالم السياسة الاجتماعية للحكومة القادمة وإن كانت بعض المؤشرات تبعث على الحيرة في غياب مواقف حاسمة تشير إلى تبني اختيارات اجتماعية واقتصادية تتعارض مع جوهر سياسات الحكومات الانتقالية السابقة وترسم مشروعا مجتمعيا وضع أسس نظام سياسي جديد قائم على القيم التي أتت بها الثورة وهي الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

ولنعود للمنشور عدد 3 باعتباره اللبنة الأولى في مسار استقلالية القرار الفني في مجال الإحاطة بالأسر المعوزة فقد تضمن بالأساس:

- أحكاما عامة تؤكد على خصائص الفئات المستهدفة والحاجة إلى تطوير المقاربة الإدماجية وإخضاع البرنامج إلى المراجعة الدورية.

- فقرة أولى تحدد شروط الانتفاع بالإعانة القارة في علاقة بسقف عتبة الفقر ومقاييس الأولوية من حيث فقدان القدرة على العمل وفقدان السند من بين الأبناء القادرين على الانفاق وخاصة للأسر ذات الولي الواحد، إضافة إلى حالات العجز البدني ولا سيما لعميقي الإعاقة وحجم أفراد الأسرة وتعدد الاحتمالات السلبية للفقر مثل تردي الوضعية السكنية وانعدام المرافق والتجهيزات.

- فقرة ثانية تحدد تركيبة ورئاسة اللجان المحلية والجهوية وقد نصّ المنشور صراحة على أن يتولى رئيس الوحدة المحلية للنهوض الاجتماعي رئاسة اللجنة المحلية في حين يرأس المدير الجهوي للشؤون الاجتماعية اللجنة الجهوية وبذلك تم وضع حدّ نهائي لتدخل السلط المحلية والجهوية بكل تشكيلاتها في تسيير البرنامج.

- وفي علاقة بتركيبة اللجان انحصر عدد أعضائها في بعض المصالح الفنية ذات الصلة كما انفردت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بتمثيل مكونات المجتمع المدني في عمل هذه اللجان ، ويعتبر هذا الإجراء مكسبا ثمينا لكل الفاعلين في هذا البرنامج وخاصة الفئات المستهدفة بالمنح القارة وبالعلاج المجاني.

-2 أهمية انخراط الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في هذا المسار

- رغم حملات التضييق والتشويه والإقصاء التي استهدفت الرابطة وجميع فروعها فقد ترسخ في ذهنية التونسي دور الرابطة في النضال من أجل الحريات السياسية والفردية والعامة، والأكيد أن هذا الدور سيتعزز بالنضال من أجل الحقوق الاجتماعية لفائدة فئات طالما تعرضت للتهميش والإقصاء وهي الفئات ذاتها التي تحملت أعباء فشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي كلفتها ترديا لظروفها المعيشية والسكنية والصحية والتربوية وقد شمل الإقصاء أبناء هذه الأسر من ضحايا الفقر والبطالة والجريمة والانحراف.

- مشاركة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في اللجان المحلية والجهوية لا يمثل ضمانا لإسداء الخدمات لمستحقيها فقط، بل سيفتح آفاقا واسعة للأخصائيين الاجتماعيين لمواصلة النضال من أجل حق المنتفعين بهذه الخدمات في الإدماج الاقتصادي والاجتماعي باعتبار أن المنحة القارة للعائلات المعوزة لا تعتبر حلا لمشكلة الفقر والخصاصة، فهي منحة مساندة من المفروض أن يتم الترفيع فيها وأن تكون متبوعة بحلول جذرية لوقاية المنتفعين من عوامل التردي ووقاية أبنائهم من خطر توريث الفقر.

- رصيد وأهداف الرابطة وتجربتها المتراكمة في الجانب الحقوقي سيوسّع من دائرة النضال الميداني لحماية الفئات الاجتماعية ضحايا التهميش والإقصاء والمساهمة في وضع قوانين توفر لهؤلاء آليات الانتقال من حالة الخصاصة إلى مرحلة الاندماج الفعلي .

- هذا الاستحقاق يطرح عملا جبارا على كل الأخصائيين الاجتماعيين يمكن تلخيصه في المقترحات التالية:

دعوة الهياكل المهنية النشيطة في مجال الخدمة الاجتماعية إلى تقديم تصورات ملموسة للمجلس الوطني التأسيسي حول الحقوق الاجتماعية الأصيلة التي بدونها لن يستقيم الحديث عن عدالة اجتماعية واقتصادية.

تحفيز القطاع وكل المتدخلين تجاه كل محاولات إعادة توظيف المهنة في تعبئة الرأي العام حول أهداف مرتبطة بأجندة سياسية لهذا الطرف أو ذاك من خلال التراجع في بعض المكاسب أو وضع برامج جديدة تعمق حالة التهميش التي لا تزال تعيق تطور المهنة.

دفع الأخصائيين الاجتماعيين لتجذير البعد الحقوقي ومزيد الإلمام بمكونات المنظومة التشريعية المتصلة بالبعد الاجتماعي للتحكم في مقاييس إسداء الخدمات وجودتها.

تطوير مقاربات التدخل الاجتماعي والتدرب على ممارسة طريقة تنظيم المجتمع والتدخل مع المجتمعات المحلية بما تتطلبه من تشخيص دقيق لحاجيات الفئات المستهدفة ووضع خطط تدخل ملائمة .

تكثيف الدراسات الميدانية والفنية لمناطق التدخل الاجتماعي بما يساعد على تحديد حاجيات الفئات الأكثر عرضة للخصاصة والتهميش وتشخيص العوامل المغذية لتلك الصعوبات.

تطوير العمل الشبكي والبحوث النشيطة في مجال التنمية المحلية لضمان النجاعة والتكامل في التدخل.

وفي الجهة المقابلة سيطرح انخراط الرابطة في هذا المسار ما يلي :

وضع خطة ميدانية لضمان حضور مناضلي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان في مختلف اللجان المحلية والجهوية وفق روزنامة الاجتماعات الدورية التي يستوجبها تنفيذ البرنامج.

وضع مخطط تكويني وورشات تدريبية على مراحل يجمع فروع الرابطة بهياكل النهوض الاجتماعي لتوسيع النقاش حول مختلف مقاربات مقاومة الفقر في بعديها الحقوقي والاجتماعي ونقترح في هذا المجال إمكانية الاستعانة بخدمات الجمعية التونسية للخدمة الاجتماعية وهي جمعية وطنية علمية تندرج مسألة تطوير مقاربات التدخل الاجتماعي ضمن أهدافها الأساسية.

مواصلة النضال لجعل قيم العدالة ولا سيما الحق في الشغل والعلاج والسكن اللائق والتعليم المجاني والترفيه والبيئة كإحدى أهم الحقوق الأساسية في دستور الجمهورية القادمة بما يستوجبه من ضمانات تشريعية وبرامج ميدانية وتحويلات مالية مناسبة.

شاكر السالمي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني