الصفحة الأساسية > إلى الأمام > نوفمبر 2009
ليواصلوا الاحتفال... ولنواصل النضال!
تشرين الثاني (نوفمبر) 2009

أسدل الستار على المسرحية الانتخابية لأكتوبر الفارط بإعلان نتائجها التي لم تخرج عما كان متوقعا: "فوز ساحق" لبن علي في الرئاسية بنسبة لا تقل كثيرا عن الـ90% المعتادة، و"اكتساح" حزبه "التجمّع" للتشريعية، مع توزيع الـ25% المخصصة لأحزاب الديكور على قاعدة "لكل حسب ولائه".

ورغم الإمكانيات الضخمة التي خصصتها السلطة "لإنجاح" الموعد "الانتخابي" فقد تابع الشعب التونسي هذه الانتخابات بلامبالاة شبه تامة وقاطعها بشكل واسع في مختلف جهات البلاد الشيء الذي لم تفلح الحملة الإعلامية التضليلية ولا نسبة المشاركة المزيفة المعلنة رسميا في إخفائه. مبرهنا بذلك على قناعة بأن هذه الانتخابات محسومة النتائج مسبقا وأنها لن تحمل له في طياتها إلا مزيدا من تأبيد الاستبداد والقهر والاستغلال. كما لم تفلح الإجراءات الشكلية التي أقرها النظام "لفائدة الشباب" من قبيل التخفيض في السن الدنيا للترشح للانتخابات إلى 23 سنة وفي السن الدنيا للانتخاب إلى 18 سنة في هذه الدورة. ولم تفلح في التغرير بالشباب واستدراجه للمشاركة في هذه المهزلة المفضوحة حيث قاطعتها جماهير الشباب وبينت من جديد الهوة الشاسعة التي صارت تفصل بين هذه الجماهير وبين نظام بن علي.

وقد انطلق بن علي في الاحتفال بتجديد البيعة له حتى قبل الإعلان عن النتائج لتتواصل إلى ما بعد الاحتفال بالذكرى 22 لاستيلائه على السلطة في 7 نوفمبر 87. وتصرف الدكتاتورية النوفمبرية أموالا طائلة على هذه الاحتفالات فيما يعاني الشعب من تدهور مريع لظروف حياته ويعاني الشباب خاصة من تردي أوضاعه وانتشار الآفات الاجتماعية في صفوفه من بطالة وتفقير وإدمان وانحراف وهجرة سرية، إلخ. إلى جانب حرمانه من أبسط حقوقه السياسية كحق التنظم وحرية الرأي والتعبير. وعندما يطالب الشباب بحقوقه الاجتماعية والسياسية يواجه آلة القمع ويتلقى أشنع أنواع العقاب (تعذيب، سجن...).

إن ذكرى "التحوّل" إذ تمثل للنظام ورموزه وحفنة الأثرياء والعائلات المتنفذة المرتبطة به مناسبة للتطبيل والتزمير فهي تمثل للشعب التونسي وشبابه بالخصوص فرصة للوقوف من جديد على الانعكاسات الكارثية لـ22 سنة من حكم بن علي على أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وفرصة جديدة للتعبير عن امتعاضه ورفضه لتواصل الكارثة.

إن الاحتفالات المصطنعة والإمكانيات والتعبئة الضخمة التي ترصد لها، وحملة التهديد والوعيد التي أطلقها بن علي عشية تجديد البيعة له، والتي اتخذت موجة القمع معها منعرجا حادا، لن تنجح في إخفاء أزمة شرعية النظام التي ما فتئت تتعمق بل إنها تفضح إفلاسه السياسي، وتكشف أنه رغم سيطرته النسبية على الأوضاع عبر القمع السافر وتلجيم الإعلام وتحريك دمى الديكور من أحزاب وجمعيات ووسائل إعلام مأجورة فإن جيوب المقاومة السياسية والاجتماعية والشعبية ما فتأت تتوسع وتتجذر وتراكم نضالاتها في اتجاه مزيد عزل الاستبداد وضرب قاعدته. وإنها قادرة، متى تسلحت ببرنامج البديل الديمقراطي والشعبي وبالأشكال التنظيمية الملائمة ومتى توفرت لها القيادة المناضلة والجريئة، على تغيير موازين القوى لصالح الشعب وعلى كنس الدكتاتورية وأذيالها وفتح المجال أمام تغيير ديمقراطي حقيقي.

إن من واجب القوى الثورية والديمقراطية عموما أن تراهن على جماهير الشعب والشباب وأن تتوجه إليها لتطرح عليها برنامجها البديل وأن تتحلى بالجرأة وتقدم التضحيات التي تجعل منها أهلا لقيادتها حتى تسقط السيناريوهات التي تحاك من وراء ظهر الشعب وخارج إرادته وترمي إلى إبقائه مفعولا به مغلوبا على أمره. فما من تغيير ديمقراطي حقيقي ما لم يكن تغييرا شعبيا تشارك فيه أوسع جماهير الشعب ويهدف إلى خدمة مصلحته وتمكينه من مسك مصيره بيده لتحقيق انعتاقه والانطلاق في إنجاز نهضة شاملة.

والشباب الذي كان على الدوام بمثابة الدماء الحية لشعبنا وعماد انتفاضاته وهبّاته ضد القمع والاضطهاد مازال رغم التهميش والتدجين الممنهج، زاخرا بالطاقات الكامنة والقادرة متى تفتقت وأقدمت على النضال أن تلعب دورا رائدا في الانتصار على الاستبداد. ولنا في تضحيات شباب الرديف والحوض المنجمي عامة خير دليل وخير نبراس... ولا بد للقيد أن ينكسر.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني