الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > الاشتراكية أو البربرية
الاشتراكية أو البربرية
مقدّمة

هذا الكتاب، هو جزء من عمل شامل أنجز في الفترة الممتدة بين أفريل وجوان 1991 ‏أي مباشرة بعد حرب الخليج. وهو يتناول الأوضاع الدولية الجديدة، وعلى وجه التحديد ما يمسى بـ"النظام العالمي الجديد" وموقع الوطن العربي وتونس - باعتبارها جزءا منه - ضمن هذا "النظام". وقد ارتأيت أن أنشر هذه المرة الجزء المتعلق بالأوضاع الدولية في انتظار ظروف أنسب لنشر الجزئين المتبقيين، علما وأنني لم أدخل سوى بعض التحويرات الشكلية على النص الأصلي الذي اطلع عليه بعض الأصدقاء وهو مخطوط.

إن تطور الأوضاع الدولية يؤكد ما جاء في هذا التحليل من آراء واستنتاجات. لقد تفكك الاتحاد السوفياتي وتحول إلى مجموعة دول "مستقلة" تنخرها التناقضات القومية فضلا عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية العميقة والمستعصية الحل. وتسير يوغسلافيا نحو نفس الوضع بعد أن أعلنت اثنتان من جمهورياتها عن انفصالهما ممّا فجّر صراعا عسكريا دمويا بينهما وبين ‏السلطة المركزية التي يمسكها "الصرب" وهو ما يعرّض كامل منطقة البلقان إلى مخاطر جسيمة. وفي الشرق الأوسط يبدو السلم وهما كبيرا في ظل العدائية والتوسعية الصهيونية التي لا حد لها، بل إن شبح حرب جديدة يخيم باستمرار على المنطقة. وفي ظل هذه الأوضاع المتفجرة تسعى الامبريالية الأمريكية إلى استعراض عضلاتها هنا وهناك، تحدوها رغبة جامحة في فرض نيرها على العالم أجمع بالحديد والنار. ورغم الخطب الرنانة حول السلم والديمقراطية وحقوق الإنسان فإن العالم يجلس في الواقع على فوهة بركان نتيجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنزاعات العرقية والقومية التي تنخر النظام الرأسمالي العالمي ونتيجة النزوع المتفاقم إلى العنف لحل هذه الأزمات على حساب الشغيلة والدول الضعيفة والصغيرة.

إن البشرية تجد نفسها من جديد أمام ذلك السؤال المصيري: اشتراكية أو بربرية؟ إن انتكاسة الاشتراكية - التي لن تكون إلا مؤقتة - لم تفتح الباب كما يدّعي أعوان حراسة النظام الرأسمالي في بلادنا وفي مختلف أنحاء العالم إلى "الازدهار" وإلى "تحرر الإنسان والشعوب"، بل إلى مزيد سيادة قانون الغاب وتفاقم العجرفة والبربرية ‏الرأسماليتين في شكل تصاعد مخاطر الفاشية ونزعة العدوان بما في ذلك في بلدان ما كان يسمى خطأ بـ"المعسكر الاشتراكي" وهو ما أغرق الإنسانية الكادحة في حالة من ‏اليأس والإحباط.

إن الهدف من هذا الكتاب هو معالجة هذا الوضع والبحث في أسبابه وآفاق تطوره والتأكيد، بناء على الوقائع الموضوعية الملموسة، أن الظلمة الحالية زائلة لا محالة وأن خلاص الإنسانية من الاستغلال والقهر الرأسماليين قادم، إلا أن نسق زوال تلك الظلمة وتحقيق ذلك الخلاص مرهون مرة أخرى بقدرة القوى الواعية على الفعل، على قيادة الشغيلة العالمية والشعوب والأمم المضطهدة وفتح آفاق أرحب أمامها انطلاقا من تقييم نقدي وثوري للتجربة الاشتراكية السابقة ورسم خطط التجاوز وبرامج التعبئة ضد الاستغلال والقهر. ولا شك أن هذه المهمة، شاقة للغاية في ظروف الردة الحالية. لكن هذه المشقة هي التي تزيدها نبلا وتغمر من يأخذها على عاتقه بمزيد من النخوة والاعتزاز وتسلحه بعزيمة فولاذية وإصرار لا حد له.

تونس في جانفي 1992


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني