الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها > عوامل النجاح
بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها
عوامل النجاح

ومن المؤكّد أن هذا المكسب ما كان ليتحقق لولا جملة من العناصر التي ميّزت ذلك الإضراب عن الطعام. فبالإضافة إلى كونه جاء في الوقت المناسب مستجيبا لانتظارات العديد من المناضلات والمناضلين، بل كذلك لانتظارات فئات واسعة من المجتمع التونسي ما انفكّت تشعر باحتقان شديد جرّاء تفاقم القمع والمظالم الاجتماعية والفساد وهدر الكرامة الوطنية، فإن هذا التحرّك تميّز أيضا بتجاوز إشكالات عدة كانت إلى حدّ الآن سببا في تعطيل تطور المعارضة السياسية وتنامي تأثيرها في مجرى الأحداث. ويمكن حصر تلك الإشكالات في النقاط التالية:

أولا: تجاوز الحاجز الذي كان قائما بين الأحزاب والجمعيات. فالمضربون عن الطعام ينتمون إلى أحزاب وجمعيات مختلفة وهم يلتقون لأول مرة على مطالب دنيا مما يؤكّد الوعي بأن المطالب السياسية التي تضمنتها الأرضيّة لا تهم الأحزاب فحسب بل كذلك الجمعيات والمنظمات وبأن كلا الطرفين يوجد في نفس الخندق ومعنيّ بنفس الدرجة بتحقيق تلك المطالب.

ثانيا: تجاوز الحاجز القائم تقليديا بين مختلف النزعات الفكرية والسياسية. فالمضربون عن الطعام ينتمون إلى نزعات مختلفة ولكنهم اتفقوا لأول مرة على مطالب دنيا، هامة وحيوية بالنسبة إلى الجميع، دون أن يعني ذلك طمس خلافاتهم العقائدية والسياسية التي تتطلب مسارا آخر من الصراع والحوار مع العلم أن المشاورات التي سبقت الإضراب شملت معظم الأحزاب والتيارات السياسية والجمعيات والمنظمات المستقلة بدون استثناء [1]، وقد شاركت في الإضراب الأطراف التي وافقت عليه وتبنّتْ مطالبه، بينما رفضته بقية الأطراف سواء لتحفظها عن الإضراب كشكل نضالي أو عن توقيته (ضعف التعبئة في شهر رمضان) أو عن تركيبة القوى المشاركة فيه (الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين المحسوبة على "حركة النهضة"، علما وأنها تنتمي إلى "التشبيك الجمعياتي" وساهمت من قبل في العديد من أنشطته).

ثالثا: تجاوز الصراعات التي كانت تقوم في كل مرة يطرح فيها عمل مشترك حول سقف هذا العمل وما يصحب ذلك من مزايدات لا طائل من ورائها سوى التوترات ومزيد تشتيت الصّفوف. فقد اتّفق المضربون عن الطعام حول ثلاثة مطالب فحسب مثـّلت بالنسبة إليهم الحدّ الأدنى من الحريّات (أو "سميق الحريات" كما أسماه البعض) وهذه المطالب هي: حرية التنظّم الحزبي والجمعياتي وحرية التعبير والصحافة وإطلاق سراح المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام. ويتميّز هذا الحد الأدنى بطابعه المجمّع والموحّد الذي لا لبس فيه، إذ في ما عدا الحزب الحاكم وأذنابه من أحزاب وجمعيات الديكور التي يرتبط وجودها بوجوده، فإن البقية الباقية، وهم الأغلبية السّاحقة، المعبّرة عن طموحات أوسع الطبقات والفئات الشعبية، لها مصلحة متأكدة في إقرار ذلك الحد الأدنى من الحريات.

إن هذه العناصر الإيجابية الثلاثة التي ميزت هذا التحرّك قد ساهمت، إلى جانب توقيته المناسب بل وتزامنه مع القمة العالمية حول مجتمع المعلومات، في إعطاءه الحجم الذي عرفه والذي تجاوز ما كان يتوقّعه المضربون عن الطعام أنفسهم، وهي ميزة من ميزات كل التحرّكات التي تستجيب في لحظة ما لمتطلبات الواقع وتطلعات الناس المتعطشين لتغييره. فخلافا لتوقعات المضربين الذين كانوا يعتقدون أنه ينبغي انتظار انقضاء أسبوعين أو ثلاثة أسابيع لتتحرك "الساحة" وتأتيهم المساندة، فقد انطلقت التعبيرات المساندة منذ اليوم الأول وكانت تتزايد من يوم إلى آخر لتشمل كل القوى السياسية المعارضة والجمعيات والمنظمات المستقلة وفئات واسعة من المواطنات والمواطنين.

هوامش

[1في لقاء غير رسمي جمع يوم 11 سبتمبر 2005 مجموعة من المناضلات والمناضلين الحقوقيين والسياسيين طرح أحد المناضلين الحقوقيين المعروفين فكرة إضراب الجوع للرد على الهجوم الذي تشنه السلطة على الرابطة وعلى قوى المجتمع المدني عامة. وقد أيّد هذه الفكرة بعض المناضلين في ما انتقدها البعض الآخر. وبالنظر إلى طبيعة الاجتماع لم يستقر الرأي على أيّ قرار أو مقترح. ولكن فكرة الإضراب تبناها حزبان (حزب العمال الشيوعي التونسي والحزب الديمقراطي التقدمي) وناقشاها مع بقية الأطراف السياسية (التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، المؤتمر من أجل الجمهورية، حركة التجديد، حزب العمل الوطني والديمقراطي، الشيوعيون الديمقراطيون، الوحدويون الناصريون، المستقلون) والجمعيات والمنظمات المستقلة (الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، رابطة الكتاب الأحرار، المجلس الوطني للحريات في شخص كاتبه العام، الجمعية التونسية لمقاومة التعذيب، الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين، مركز تونس لاستقلال القضاء والمحاماة، نقابة الصحفيين التونسيين، الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات). وقد قبل البعض المقترح وانخرط في الدفاع عنه فيما تحفّظ عليه البعض الآخر للأسباب المذكورة في النصّ.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني