الصفحة الأساسية > بديل المرأة > في الذكرى العشرين لرحيل "أشرس العاشقات" المناضلة فاطمة البحري "رتّا"
في الذكرى العشرين لرحيل "أشرس العاشقات" المناضلة فاطمة البحري "رتّا"
22 تموز (يوليو) 2009

يوم 16 جوان 1989 رحلت عنا المناضلة فاطمة البحري "رتّا" كما كان يلقبها رفاقها الشباب، إثر حادث مرور أليم. وكان لوفاتها وقعٌ كبير على كل الذين عرفوها عن قرب في ساحات النضال الطلابية وخارجها. فقد كانت "رتّا" تُحظى باحترام الجميع، من كافة التيارات الفكرية والسياسية في الجامعة لمبدئيتها ونزاهتها وشجاعتها. كما كانت لها مكانة كبيرة في صفوف حزب العمال الشيوعي التونسي الذي كانت رغم صغر سنها من أوّل المنخرطين فيه إثر إعلان التأسيس.

وُلدت فاطمة البحري في قرية أزمور الجميلة الواقعة قرب مدينة قليبية بالوطن القبلي. وبعد أن أنهت تعليمها الابتدائي والثانوي بنجاح التحقت بكلية الآداب بمنوبة حيث درست الآداب الفرنسية. وكانت الفقيدة منذ الثانوية تنشط في صفوف اليسار وأطردت من جميع المعاهد التونسية سنة 1981 بسبب نشاطها في الحركة التلمذية. ولما تأسّس حزب العمال الشيوعي التونسي في جانفي 1986 التحقت به وتميّزت بدفاعها المستميت عن خطه الثوري في الجامعة وفي النوادي الثقافية والنسائية، وتميّزت بنشاطها الميداني. فقد كانت "رتّا" حاضرة في كل المعارك التي شهدتها الجامعة وقتها (ما بين 1986 – 1989) ضد الدكتاتورية وكانت خطيبة بارعة، لها قدرة فائقة على تعبئة الطالبات والطلبة في الإضرابات والتجمّعات والمسيرات. ولم تكن تخشى المواجهات مع البوليس في الكلية وفي الشارع.

تزوّجت رفيق دربها عبد المومن بلعانس ونشطت معه صلب حزب العمال. ورغم بروزها في النضالات العلنية، فقد كانت تتمتع بقدرات كبيرة للقيام بمهام غاية في السريّة. كانت "رتّا" تتكيّف وتغيّر هيأتها لحضور موعد سرّي أو نقل أدب...

خطر ببالها ذات يوم زيارة الشمال الغربي، فاصدمت السيارة التي كانت تقلّها بسيارة أخرى وتوفيت على عين المكان تاركة لوعة كبيرة في قلوب أفراد عائلتها ورفيقاتها ورفاقها، وكل الطالبات والطلبة من أبناء جيلها الذين لقّبوها بـ"رتّا" التي تغنّى بها مرسال خليفة.

وكان من بين الذين التاعوا بموتها، الشاعر الطاهر الهمامي الذي رحل عنا في مطلع ماي الماضي. وقد أوحى له رحيل فاطمة البحري بالقصيد التالي الذي ننشره في هذه الذكرى.

أشرس العاشقات

16 جوان 89، انطفأت شمعة فاطمة البحري أو رتّا كما يدعوها رفاقها الشباب، في حادث مرور لم يمهلها.

(1)

بين عينيَّ حمرةُ ذاك القرنفلْ
وخضرة ذاك النخيل
وجمرة ذاك اللسان
وأقباس تلك العيون
وروعةُ ذاك الجنون

بين عينيَّ ذاك الخيال الضئيل
وذاك الجبين الذي تحدّى
وأسقط من مستحيل

بين عينيّ...
تلك التي كانت الكونَ
واللون
في دربنا
والهُويّة
التي كانت الكبرياء
والوفاء
ومجد القضيه

بين عينيّ...

(2)

من تُرى لم تحيِّرهُ رتّا؟
من تُرى لم تُغيِّره رتَّا؟
من تُرى لم تُعيِّرْهُ رتَّا؟
ولم تشعل النار في فكره وتؤجِّجْهُ حتّى...؟
رحلتْ ! من يُصدِّق؟ بالأمس كانت هنا، ها هُنا
أشرس العاشقات
صوتُها، خطوُها،
رفَّةُ الأجنحة
قبضة النصر
والأغنيات

حلم رتّا
وأشواقها والهُيام
أن يعيش الحمام

حلمُ رتَّا
سلام على وجْهِ هذي الخريطه
سلام على دمها والعِظام
على كلّ ذرّه
وحَبّه
أحبّت رحاب الفضاء
وسنبلةٍ عشقت أن ترى الأرض حُرَّه
سلام سلام سلام
ولكنّ ظُلم الظلام...

حلم رتّا... صغير
يا لحلم الفراخ التي أوشكت أن تطير
ولكنّ سجنًا كبير
وأهوية نزقه
وعيونا ومرتزقه
وجرادًا كثير...

(3)

يا لرتّا اللهب
اطمئني حبيبتَنا
وثقي أن قلبك فينا اضطرب

يا لرتَّـا الغضب
اطمئني حبيبتنا
وثقي أن جيشك لا ينسحب

(4)

سافرتْ فاطمه
وهي عائدةٌ في المواعيد، قد وعدتْ

سافرتْ، سافرتْ
أيّها الرّائعون

سافرت
وهي قادمةٌ
في الزمان
الذي
تصنعون !

تونس 89
الطاهر الهمّامي من ديوان تأبط نارا صفحة 57



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني