الصفحة الأساسية > صوت الشعب > العــدد 272
الانتخابات الرئاسية والتشريعية:
من أجل قطب ديمقراطي مضاد لدوس إرادة الشعب
20 تموز (يوليو) 2009

1 – قطبان:

بدأ يتشكل اليوم قطبان بارزان حول الموقف من الانتخابات الرئاسية والتشريعية للخريف القادم. ويشمل القطب الأول الدكتاتورية النوفمبرية وأتباعها من الأحزاب الإدارية التي تأتمر بأوامرها ويرتبط وجودها بوجودها. وليس لهذا القطب من هدف سوى الاستمرار في دوس الإرادة الشعبية وإجراء انتخابات صورية معلومة النتائج مسبقا. وتمارس السلطة لتحقيق هذا الهدف، قمعا منهجيا وشاملا، لا يستثني أيّ تيار فكري وسياسي سواء كان معترفا به أو غير معترف به، كما لا يستثني أيّة فئة من فئات الشعب وطبقاته، ليفرض على المجتمع صمت القبور قبل موعد الخريف القادم الذي تريده مناسبة لـ"التمديد لبن علي" لولاية خامسة ولإعادة إنتاج "الديكور الديمقراطي" في مستوى مجلس النواب.

أما القطب الثاني، وهو يشمل بالخصوص "حزب العمال الشيوعي التونسي" و"المؤتمر من أجل الجمهورية" فهو يعلن من الآن مقاطعة ما يعتبره مهزلة انتخابية بكل المقاييس ومواصلة النضال من أجل فرض الحريات والقضاء على الاستبداد وتوفير المناخ المناسب لإجراء انتخابات حرّة، تعبّر عن إرادة الشعب التونسي بمختلف تياراته الفكرية والسياسية وتثمر مؤسسات ممثلة وفاعلة.

وبين هذا القطب وذاك توجد قوى سياسية أخرى، البعض منها، مثل "حركة النهضة" و"حزب تونس الخضراء"، لم يعلن موقفه إلى حد الآن رغم أنه مقصي منها مسبقا بوجوده خارج دائرة الأحزاب المعترف بها. والمرجّح، بل من المنطقي، أن تعلن "حركة النهضة" و"حزب تونس الخضراء" المقاطعة، إلا إذا عنّ لهذا أو ذاك منهما مساندة هذا المشارك أو ذاك، وهو أمر مستبعد سياسيا. أما الحزب الديمقراطي التقدمي فقد أعلن بصفته حزبا معترفا به المشاركة في الرئاسية والتشريعية، ولكــن السلطة أقصت مرشحه للرئاسية الأستاذ أحمد نجيب الشابي وهي تضيق ذرعا من سلوكه السياسي المستقل والنضالي وتحاصره وتعتدي على مناضليه، ولا يستبعد أن يعلن هذا الحزب انسحابه لعدم توفر ما يعتبره شروطا دنيا لانتخابات حرّة ونزيهة ورفضه المشاركة في تزوير إرادة الشعب.

ومن جهة أخرى فإن "حركة التجديد" وحلفاءها في "المبادرة الوطنية" أي "حزب العمل الوطني الديمقراطي" و"الحزب الاشتراكي اليساري" (وهما حزبان غير معترف بهما، لكن السلطة على عكس ما يحصل لـ"هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات"، لا تمنعهما من النشاط صلب "المبادرة") يعلنون المشاركة في الانتخابات حتى وإن استمرّت الظروف على ما هي عليه اليوم من انغلاق سياسي وانعدام للشروط الدنيا لانتخابات حرّة ونزيهة. ولا يعرف ما إذا كان "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" الذي أعلن هو أيضا المشاركة في الرئاسية والتشريعية سيتشبّث بهذا الموقف حتى النهاية على غرار "حركة التجديد" أم أنه سيشرط مشاركته بتحسن الظروف السياسية...

هذه خارطة المواقف السياسية من الانتخابات القادمة: سلطة مستبّدة تخطط كالمعتاد لانتخابات صورية من جهة ومعارضة منقسمة إلى حدّ الآن بعضها يعلن المقاطعة أو أنه سيعلنها في القادم من الأيام أو في مرحلة معيّنة من مراحل العملية الانتخابية وبعضها قرّر بعدُ المشاركة مهما كانت الظروف.

2 – أسئلة تطرح على "المشاركين"

إذا كان موقف القوى التي أعلنت أو ستعلن مقاطعة المهزلة واضحا ومتماسكا فإن موقف "حركة التجديد" وحلفائها الذين سيشاركون تحت لونها، يثير أكثر من سؤال لما فيه من تناقضات، ومن هذه الأسئلة التي يتطارحها الناس يمكن ذكر ما يلي: إذا كانت "حركة التجديد" تقرّ أن الشروط الدنيا لانتخابات حرّة ونزيهة منعدمة فكيف يمكن أن تخرج مشاركتها هذه المرّة أيضا عن المألوف أي عن المشاركة الصورية؟ فهل لها من القوّة الميدانية ما يمكّنها من فرض واقع جديد على الدكتاتورية وقلب موازين القوى؟ وهل أن الشعب الذي تصرّ أنه معبّأ إلى جانبها مهتمّ بهذه الانتخابات وواثق بجديتها وبجدية المشاركين فيها؟ وبصورة أكثر دقة، إذا كان السيد أحمد إبراهيم يعرف، وهو يعرف فعلا، أن الانتخابات الرئاسية محسومة مسبقا لفائدة بن علي الرئيس مدى الحياة، وأن مشاركته ستستخدم في كل الحالات، كما استخدمت مشاركة غيره من قبل، غطاء للادعاء بأنّ الانتخابات كانت تعدّدية وأنّ فوز بن علي "الساحق" راجع إلى "تعلّق الشعب به" وأنّ حصول منافسيه" على نتائج هزيلة بل مخجلة راجع إلى "ضعفهم" " و"عدم ثقة الشعب بهم". فلماذا هو يترشح؟ وما هي الفائدة التي ستجنيها الحركة الديمقراطية والشعب من ترشحه؟ ثم ما هو موقف السيد أحمد بن إبراهيم من ترشح بن علي ذاته؟ هل يعتبره ترشحا مشروعا؟ وكيف يقبل الترشح إلى جانبه إذا كان ترشحه غير مشروع؟ بل كيف يقبل الترشح في انتخابات عُيّن فيها تعيينا وأقصيت منها مناضلات ومناضلي حزبه كما أقصي منها مناضلات ومناضلي الأحزاب الأخرى وكل الكفاءات الوطنية المنظمة وغير المنظمة؟ ماذا سيكون موقف السيد أحمد بن إبراهيم بعد صدور النتائج وحصول بن علي كالمعتاد على ...،99% وهو على ...،0%؟ هل سيقرّ شرعية فوز بن علي مع التشكي والتظلم من "سوء الظروف" التي جرت فيها الانتخابات؟ أم أنه سيطعن فيها؟ ولكن بناء على ماذا؟ وكيف سيردّ على الذين سيقولون له إذا كنت تعرف "مصيرك" مسبقا فما الذي دفعك إلى المشاركة؟ وإذا كانت نتائج الانتخابات التشريعية معلومة من الآن، بل إذا كان معلوما من الآن، أن حزب بن علي سيحصل كالمعتاد، عن طريق التزوير الشامل والمنهجي، على كافة المقاعد التابعة للدوائر أي على 75% من مقاعد البرلمان وأن الـ25% المتبقية ستوزّع على الأحزاب المشاركة وفقا لدرجة ولائها وأن النواب الذين سيفوزون بهذه المقاعد من تلك الأحزاب سيعينون تعيينا من القصر ومن وزارة الداخلية دون أن يكون لصندوق الاقتراع أيّ دور في تعيينهم، فكيف تقبل "حركة التجديد" بهذه العملية؟ وماذا ستقول للرأي العام؟ هل ستقول له إن نوابها في البرلمان "يمثلون الشعب" و"يعبّرون عن إرادته" وأنهم افتكوا مقاعدهم عن طريق صندوق الاقتراع؟

لقد قبلت "حركة التجديد" عام 1994 "اللعبة" لأنها كانت وقتها في وفاق تام مع نظام بن علي وقبلت أن تكون جزءا من الدّيكور الديمقراطي الذي أقامه للإيهام بوجود تعدّدية سياسية في البرلمان وأيّدت سياساته في مختلف المجالات، ولكنها اليوم تضع نفسها صلب "المعارضة الديمقراطية والتقدمية" بل إنها تقدّم نفسها على أنها "المعارضة الديمقراطية والتقدمية الحقيقية"، فكيف لها أن توفق بين هذا الخطاب وبين المشاركة في انتخابات مهزلة تمنع معظم فصائل المعارضة من المشاركة ولا يتمتع فيها الشعب ولو بذرّة من حرية الاختيار ومواصلة التمتع بـ"مغانم" الديكور الديمقراطي (نصيب من الـ25% من المقاعد المخصصة لـ"المعارضة") التي لم يعطها بن علي حبّا منه في التعدّدية بل لتجميل نظامه الاستبدادي وتأبيده؟

3 – المقاطعة موقف سليم

هذه الأسئلة وغيرها التي تواجه "حركة التجديد" وهي تلتف عليها وتتجنب الإجابة عنها بصفة واضحة ودقيقة زاعمة أنّ المشاركة هي "الحل الوحيد"، "النضالي"، "الواقعي"، و"الممكن" الذي من شأنه أن "يقدّم" المعركة الديمقراطية ببلادنا، متهمة القوى الداعية إلى المقاطعة بأنها "متطرّفة" أو "غير واقعية" و"تحبّذ الجلوس على الربوة" أو "الفرجة والتصفير" و"الاكتفاء بالاحتجاجات اللفظية". وبطبيعة الحال فإن هذا الكلام مردود على أصحابه وليس له من هدف غير تمرير موقف خاطئ تماما من المهزلة الانتخابية القادمة، هو موقف المشاركة دون توفر الشروط الدنيا وقبول نصيب من "مغانم" الديكور الديمقراطي بدعوى أن ذلك هو الممكن الآن دون وعي أنه يسهم في تأبيد الدكتاتورية وهيمنة الحزب الواحد لما يوفر لهما من غطاء للتزوير.

إنّ المقاطعة، كما المشاركة ليستا "قالبا جامدا" صالحا في كل الظروف ولكل الظروف، بل هما يندرجان في صلب التكتيك السياسي المرتبط شديد الارتباط بالظرف الملموس الذي تجري فيه الانتخابات، هذا الظرف الملموس هو الذي يحدّد ما إذا كانت المشاركة أو المقاطعة هي الموقف المناسب لفضح الرجعية الحاكمة والتقدم بالقضية الديمقراطية. إن من يحصر نفسه بشكل مطلق وجامد في موقف واحد، كما "تفعل حركة التجديد" وحلفاؤها الذين لا يرون من تكتيك سوى المشاركة في كل الحالات وفي كل الظروف، إنما لا يولي أيّة أهمية للواقع الملموس، وهو في كل الحالات منقاد بمصالح فئوية ضيقة.

لقد رأينا حركات ديمقراطية وثورية كثيرة في العالم تشارك في الانتخابات دون تردّد لتوفر الشروط الدنيا التي تعتبرها ضرورية لهذه المشاركة ويكون موقفها في هذه الحالة ثوريا ومناسبا للوضع. كما أننا رأينا حركات كثيرة في العالم، ليبرالية وإصلاحية تقاطع انتخابات رأت أن الشروط الدنيا غير متوفرة فيها لتكون حرّة ونزيهة. ولم تكن تعني هذه المقاطعة أن تلك الحركات أصبحت "ثورية" أو "متطرفة".

إن ما يبيّن خطأ موقف "حركة التجديد" وتناقضه الصارخ مع الواقع، هو أنها تطالب مثلا حزب العمال وغيره من الأحزاب والقوى غير المعترف بها بالمشاركة في الوقت الذي هي ممنوعة مطلقا من المشاركة في الرئاسية والتشريعية وبأيّ صيغة من الصيغ بما في ذلك تقديم القائمات المستقلة، فكيف ستشارك إذن؟ هل يطلب منها "التجديد" أن تصطف وراءه وتدعمه لأن السلطة تسمح له هو بالمشاركة؟ وهل نسي "التجديد" أنّ أيّة قائمة لا ترضى بها السلطة ستسقطها حتما، وقد ذاق هو ذاته طعم هذا الإسقاط دون أن يقدر على فعل أيّ شيء؟

إنّ "حركة التجديد" لا تنطلق من الواقع لتحديد موقفها. ولا من مصلحة الحركة الديمقراطية بشكل عام بل من مصلحتها الفئوية الضيقة. إنّ الواقع يقتضي مقاطعة الانتخابات لأنها مهزلة، لا تتوفر فيها الشروط الدنيا لانتخابات حرّة ونزيهة. والمقاطعة في هذه الحال تمكـّن من عزل الدكتاتورية وفضحها أمام الرأي العام المحلي والدولي ولا تترك لها إمكانية الادعاء بأنّ المهزلة التي تنظمها "تعدّدية" و"حرّة" و"ديمقراطية". وبطبيعة الحال فإن المقاطعة كما يفهمها حزب العمال وكما مارسها لا تعني إطلاقا "الفرجة" أو "التصفير من المدارج" بل هي نضال ومواجهة مع الدكتاتورية في الحدود التي تسمح بها موازين القوى. إن حزب العمال لم يتوقف ولن يتوقف عند الدعوة إلى المقاطعة بل هو قدّم ويقدّم دائما بديلا إلى العمال والكادحين وإلى الشعب عامّة، لتحقيق التغيير الديمقراطي.

إن "التجديد" يحصر نفسه صلب منظومة الدكتاتورية ولا يجرأ على مواجهتها ولا يدرك أن الديمقراطية في تونس لن تتحقق لا بواسطة الدكتاتورية ولا بالتعاون معها أو مهادنتها بل بالنضال ضدها وعلى أنقاضها. فالأنظمة الاستبدادية لا تتمقرط بل تسقط، وهو ما يتطلب عملا دؤوبا، يوميّا ودائما في صفوف الشعب القادر وحده على إسقاط الاستبداد متى اكتسب قوّة الوعي والتنظيم. ومزيّة المقاطعة النشيطة للانتخابات اليوم هي أنها تعمّق القطيعة بين الشعب والدكتاتورية وتفتح أعينه على الطريق الصحيح لإنجاز الانتقال إلى نظام ديمقراطي.

إن أكثر من 50 سنة من الحكم الحالي تبيّن بما لا يدع أيّ مجال للشك أن الاعتقاد في إمكانية أن يمقرط النظام نفسه وبنفسه ويقتنع أنّ في الديمقراطية "مصلحة للجميع" هو من باب الوهم، فنظام بن علي مصلحته في الاستبداد وليس العكس، لأن الاستبداد هو وسيلته للحفاظ على مصالح الأقلية البورجوازية العميلة والفاسدة.

إنّ الوقت قد حان لتشكيل قطب ديمقراطي حقيقي يدعو إلى مقاطعة المهزلة الانتخابية ويرسم للشعب التونسي الطريق للتخلـّص من الاستبداد. كما أن الوقت ما يزال موجودا أمام حركة "التجديد" وأمام مناضليها المخلصين الذين يريدون القطع نهائيا مع سياسة "الوفاق" والمهادنة مع تزوير إرادة الشعب والدخول إلى البرلمان بمنّة من القصر ووزارة الداخلية لتكون جزءا من الديكور الديمقراطي.

حريات.. حريات.. لا رئاسة مدى الحياة

في هـذا العـدد
أخبار
مقالات



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني