الصفحة الأساسية > بديل الشباب > ماذا وراء الدعوة لفتح بيوت للصلاة في الجامعة؟
وجهة نظر :
ماذا وراء الدعوة لفتح بيوت للصلاة في الجامعة؟
22 نيسان (أبريل) 2011

تعالت في المدة الأخيرة بعض الأصوات مطالبة بفتح بيوت للصلاة داخل الأجزاء الجامعية بدعوى ضرورة "رد الاعتبار للمقدسات داخل الحرم الجامعي التي طالتها أيادي المناوئين من أزلام النظام والملحدين على حد السواء"، على حد تعبيرهم.

هذه الدعوة يستسيغها البعض من الشباب الطالبي لكننا نقول جازمين بأنه وراء الأكمة ما وراءها.

وبالرغم من عدم تجانس أصحاب هذه المطالب على المستوى الفكري والسياسي إلا أنهم يتفقون في استنادهم على المرجعية الدينية من أجل تحقيق غايات متفاوتة وقضاء مآرب مختلفة، فالبعض منهم يرى في بيوت الصلاة فضاء لتمرير خطابه السياسي واستقطاب الشباب الطالبي الذي يتعامل مع المعتقد بشكل عادي وبسيط وتحويل وجهته وشحنه بجملة من الشعارات السياسية التي تخدم في عمقها بعض الأغراض الحزبية والإيديولوجية الضيقة، فئة من الشباب رمت به أزمنة الاستبداد والاختناق في أحضان الفكر الظلامي بما يحمله من عداء للديمقراطية والحرية، ويرى هؤلاء في الحل الديني الوصفة المثالية التي تكمن فيها أسمى مصالح البشر وبالتالي لا يتوانى في المجاهرة بعدائه لأي نفس يتعامل مع الواقع والأشياء وفقا للمناهج العلمية والعقلانية. لكن لا بد من الإشارة أيضا أن هناك عددا لا بأس به من الطلبة يطالبون بفتح بيوت للصلاة دون أن تكون لهم انتماءات أو غايات سياسية محددة.

ينطلق أصحاب هذه التوجّهات من حجة متهافتة مفادها أن السواد الأعظم من الشباب الذي يرتاد الجامعة "مؤمن" ومتشبث بتعاليم الدين الإسلامي، ويقدم أصحاب الفكرة أنفسهم بمثابة الأوصياء على ضمائر الطلاب ومعتقداتهم، كما يؤكد هؤلاء على شرعية مطلبهم من خلال القول لنا بأن الانحطاط الفكري والأخلاقي الذي تتخبط فيه الجامعة اليوم مرده ابتعاد "شباب الإسلام" عما جاء به دينهم من تعاليم ومبادئ سامية.

من خلال هذه الادّعاءات تطفو على السطح جملة من التساؤلات، فهل أن المؤمن يمكن أن تقف معتقداته حائلا دون الانتصار للحرية والعقلانية والعدالة الاجتماعية؟ وهل أن نهوض الجامعة من مستنقع الردة والانحطاط الذي تتخبط فيه يمرّ حتما عبر الحلول الغيبيّة؟ وهل أن معركة فتح بيوت للصلاة هي المعركة الأساسية التي ستتوحد من أجلها الصفوف الطلابية؟ لقد نسي أصحابنا من الأوصياء الجدد على مصائر الناس أن الطلبة متشبثون بهويتهم العربية الإسلامية دون تطرف أو غلو وأغلبيتهم تنحدر من أوساط اجتماعية مفقرة فهم أبناء العمال والفلاحين الفقراء والمواطنين الذين أفقرتهم القروض. وأن الطلبة المصلين لا يرون مشكلة في القيام بالصلاة في أي مكان، والكثير منهم منخرط بشكل أو بآخر في النضال من أجل قيم العلانية والحداثة والتقدم والعدالة الاجتماعية ولا يرى تعارضا بين التدين والالتزام الواعي بمثل هذه القضايا الإنسانية النبيلة.

علاوة على هذا فإن الجامعة هي فضاء للعلم والتنوير والتثقيف، يرتادها الطلاب طلبا للمعرفة، وداخلها تدار أكبر المعارك الفكرية، التي تتحدد بواسطتها مصلحة الطبقات والفئات. فإما أن تسخـّر طاقاتها لخدمة قيم العقلانية والتقدم أو تتخندق في اسطبل الخرافة والشعوذة والأسطورة... وعلى هذا الأساس يجب أن يفهم الذين ينادون بإقامة بيوت الصلاة تحت يافطة "احترام حرية المعتقد" أن الجامعة مؤسسة مدنية، يمثل القاسم المشترك داخلها تلقي العلم والمعرفة، وإن قيامها على أسس ديمقراطية وعزلها عن أي وازع ديني مهما كانت ادعاءاته هو الكفيل بإخراجها من بوتقة الرّداءة والتحجّر.

وإن المطالبة بفتح بيوت للصلاة في هذه المرحلة التي تتم بتضارب الخطوط السياسية والإيديولوجية وتمايزها بفتح الباب على مصراعيه أمام صراعات ثانوية من شأنها أن تفتت وحدة الصف الطلابي وتساهم في تأبيد الأزمة الأخلاقية والفكرية التي تمر بها الجامعة، في حين أن الحاجة ماسة إلى رفع شعارات تتبنى مطلب الجامعة الشعبية والتعليم الديمقراطي والثقافة الوطنية. لا سيما أن الكل يعرف أن البرامج التعليمية والمناهج البيداغوجية يتكبد ويلاتها عشرات الآلاف من أبناء الشعب، زد على ذلك رداءة الخدمات الجامعية من مسكن ومنحة وأكلة...

هذا إضافة إلى انتشار الأخلاق العاجزة والتافهة في صفوف الطلاب والتي كانت يقف وراءها نظام الحكم الذي كان يهمد بكل الطرق إلى تغييب الطلاب عن دورهم الطليعي والزج بهم في خانة الابتذال. وهذا عكس ما يروّج له البعض من أن غياب العنصر الديني هو الذي كان يقف وراء الانحطاط الفكري والأخلاقي.

لهذا على الجامعة أن تكون اليوم في حجم تطلعات الفئات الشعبية التي تتحسس طريقها نحو الحرية والكرامة وأن تكون صمام أمانها ودرعها الصلب الذي يحميها من ردة البرجوازية والطبقات الرجعية والتي تسعى بكل السبل إلى إبعاد منابر العلم والمعرفة عن حلبة الصراع الطبقي.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني