الصفحة الأساسية > البديل العربي > تسونامي الحريّة سيجرف كل أنظمة الفساد والعمالة العربية
تسونامي الحريّة سيجرف كل أنظمة الفساد والعمالة العربية
22 نيسان (أبريل) 2011

1 – نفس الأسباب... نفس الأساليب والمطالب...

مازال الشارع العربي يغلي في عديد الدول، ومازالت الشعوب العربية تخرج بمئات الآلاف مطالبة بإسقاط أنظمتها الفاسدة والعميلة، ومازالت قائمة الدول التي تعرف احتجاجات تتسع يوما بعد يوم، والأكيد أن تسونامي الحريّة الذي ضرب المنطقة العربية لن يهدأ حتى يستكمل مهمته في جرف قوى الظلم والاستبداد. فبعد ثورة تونس التي تمكنت من الإطاحة بنظام بن علي الدكتاتوري، انطلقت الثورة المصرية لتطيح بفرعون مصر، حسني مبارك، لتتسارع الأحداث بعد ذلك وتعم عدة بلدان عربية أخرى عرفت ثوراتها زخما نضاليا متفاوتا. فمن ليبيا امتد لهيب الثورة ليشمل اليمن والبحرين والسعودية ثم الجزائر فالمغرب ليرسي عند سوريا.

إن ما جعل الاحتجاجات الشعبية تجتاح عديد الدول العربية في فترة زمنية محدودة هو أن الثورة التونسية فتحت أملا جديدا أمام الشعوب العربية التي أصيبت بحالة من الإحباط نتيجة تغول الأنظمة واستهتارها بحقوق الشعوب. لقد أكدت الثورة التونسية أن التحول الديمقراطي ممكن إذا ما توحد الشعب حول مطالب محددة واتجه رأسا إلى المطالبة بإسقاط النظام، مكذبة كل من كان يروج للإرهاب الذي طالما روجت له الحركات المتطرفة اليمينية واليسارية على حد سواء، أو بالاعتماد على القوى الخارجية والاستقواء بها بدعوى أن الأنظمة العربية أنظمة استبدادية ولا يمكن للشعوب إسقاطها بمفردها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فالأوضاع متشابهة في كل الدول العربية. فعلى المستوى الاجتماعي تضرب البطالة أرقاما قياسية على المستوى العالمي وخاصة في صفوف الشباب، وينتشر الفقر بصفة مهولة وتتدهور المقدرة الشرائية، نتيجة السياسة الاجتماعية المتبعة والتي تعتمد على توسيع الهوة بين الفقراء والأغنياء ليزداد الفقراء فقرا والأغنياء ثراء وتتقلص نسبة الطبقة الوسطى.

أما من الناحية الاقتصادية، فإن اقتصاديات الدول العربية تنبني أساسا على استنزاف الثروات الطبيعية مثل الغاز والبترول وهذا حال الجزائر وليبيا وسوريا ودول الخليج، في حين تعيش بقية الدول مثل اليمن وتونس ومصر على الاستثمارات والمساعدات الخارجية في ظل اقتصاد تابع ينخره الفساد ويثقل كاهله المديونية.

ومن الناحية السياسية تبدو الأوضاع متشابهة أيضا من المحيط إلى الخليج وتتميز بوجود أنظمة استبدادية متشبثة بالسلطة، بقوة البوليس والقمع وتدوس على الإرادة الشعبية وتحاول تشريع حكمها عن طريق أنظمة ملكية وراثية أو عن طريق أنظمة رئاسية ذات طابع "جمهوري" مزيف يعتمد على تزوير الانتخابات والتلاعب بالدساتير حسب مصالحها، فتقيم الاستفتاءات الصورية لتشريع الرئاسة مدى الحياة عبر التمديد أو التوريث لنقل السلطة إلى العائلات المقربة منها حتى تبقى في يد حفنة من العائلات المتنفذة الفالتة من كل رقابة والتي تتصرف في ثروات البلاد كما تتصرف في أملاكها الخاصة.

وإذا كانت الأسباب التي فجرت ثورة تونس هي نفسها الموجودة في بقية الدول العربية، فمن الطبيعي أن تتشابه الاحتجاجات الشعبية في هذه لدول إذا اعتبرنا أن طبيعة كل ثورة تتحدد من خلال الطبقات التي تشارك فيها والشعارات التي ترفعها والمطالب التي تنادي بها والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها. لقد شاركت كل الطبقات في هذه الاحتجاجات باعتبار وأن الأنظمة العربية تغولت ونخرها الفساد إلى الحد الذي أضرت بكل الطبقات بما في ذلك الطبقات البرجوازية التي لم يعد بإمكانها العمل إلا إذا قبلت التعامل مع العائلات المافيوزية الجشعة التي لا تتردد في تهديد أصحاب رؤوس الأموال وإجبارهم على دفع الرشاوي وسلبهم ونهبهم بشتى الطرق. لكن الطبقات الأكثر تضررا تبقى دائما الطبقات الدنيا من المجتمع وخاصة الطبقة العاملة وصغار الفلاحين والأجراء والحرفيين وصغار المنتجين. ومن الطبيعي أن يكون الشباب هو االفئة الأكثر تضررا باعتبار أن البطالة متفشية فيه بنسب كبيرة إضافة إلى الأمية والتطرف الديني وانتشار الأمراض الاجتماعية مثل الجريمة والكحولية والمخدرات والدعارة، وهذا ما جعل الآفاق تنسد في وجهه فلا يجد من حل سوى المخاطرة بركوب البحر في قوارب الموت والهجرة السرية ليموت في البحر أو يعاني من العنصرية والتمييز في بلاد الغربة. وهذا ما جعل هذه الثورات تأخذ طابعا شعبيا كبيرا حيث نزلت الملايين إلى الشوارع لتفرض كلمتها، وتنادي بأعلى صوتها: "الشعب يريد إسقاط النظام". وهو الشعار المركزي الذي رفعته الجماهير المنتفضة في كل الأقطار العربية، وهو أيضا يختزل كل مطالبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والوطنية، باعتبار وأن الشعوب المنتفضة اقتنعت بأن كل مشاكلها متأتية من الأنظمة الحاكمة التي احتكرت الحكم وسلبت الشعب حريته وتلاعبت بإرادته ورهنته لدى القوى الامبريالية وتلاعبت بكرامته الوطنية من خلال المديونية وربط علاقات مع الكيان الصهيونية وفتح البلدان للاستثمارات الأجنبية والنهب من قبل مؤسسات النهب العالمية (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي)، وللتخلص من كل هذه المآسي لا بد من التخلص من هذه الأنظمة.

كما اتبعت الاحتجاجات الشعبية نفس الأشكال النضالية تقريبا في كل الدول العربية المنتفضة حيث كانت المسيرات والمصادمات مع قوات البوليس وكذلك الاعتصامات في الساحات العامة ومهاجمة رموز النظام من مقرات الأحزاب الحاكمة وصور وتماثيل الحاكم الفرد ومراكز الشرطة والمؤسسات التابعة لرموز الفساد في الدولة، والكتابة على الجدران واستعمال وسائل الاتصال الحديثة وخاصة الهواتف النقالة والأنترنيت وتحديدا الفايسبوك، وهو ما جعل الأنظمة تسارع إلى قطع الاتصالات ولكن ذلك لم يمنع من مواصلة الاحتجاجات وتأجيجها.

2 – أعداء الثورة: تحالف امبريالي رجعي

إن أهم خطر يتهدد الثورات العربية هو إمكانية عودة القوى المضادة للثورة حتى ولو كان ذلك بشعارات الثورة، وذلك بدعم مباشر من القوى الأجنبية التي تسعى إلى إفشال الانتفاضات وإيقاف اتساعها، وذلك إما بالتدخل العسكري المباشر مثلما يحصل في ليبيا وفي البحرين أو بممارسة ضغوط على القوى الثورية ودعم القوى المضادة للثورة ماديا وسياسيا مثلما يحصل في بقية الدول العربية.

لقد تدخلت القوى الامبريالية عسكريا في ليبيا بدعوى حماية المدنيين لكننا نراها اليوم تسعى إلى فرض نظام موال لها خلفا لنظام القذافي، لذلك فهي تربط تدخلها العسكري بجملة من الشروط تتعلق بطبيعة النظام الذي سيتولى الحكم بعد إسقاط نظام القذافي. وهي تحاول إطالة الحرب وتأجيج الصراع الداخلي واللعب على موازين القوى بين الطرفين وتغليب طرف على آخر حسب مصالحها وحسب ما يقدمه كل طرف من تنازلات بما يخدم سياساتها العدوانية. وفي كل الدول العربية التي وقعت فيها انتفاضات مارست القوى الامبريالية ضغوطا من أجل فرض نظام موال لها وهو ما حصل في تونس ومصر مثلا. إن السياسة الامبريالية في علاقة بالدول التابعة ترتكز على ثلاث محاور: أوّلا نهب الثروات من نفط وغاز وغيرهما، ثانيا ضمان أمن الكيان الصهيوني بما يعنيه من منع أي قوة إقليمية أخرى مناهضة لهذا الكيان من امتلاك قوة عسكرية تفوق قدرة هذا الكيان مثل إيران وسوريا وغيرهما. ثالثا: ضرب كل حركات التحرر الوطني في الدول التي تعاني استعمارا مباشرا مثل فلسطين ولبنان والعراق، وذلك تحت غطاء محاربة الإرهاب.

وقد بات واضحا أن القوى المضادة للثورة سواء في الدول التي أطاحت بأنظمتها أو التي ما زالت تنتفض تتحالف بشكل أو بآخر مع القوى الخارجية لضمان بقاء الحكم بين أيدي القوى الرجعية التي كانت تخدم مصالح الامبريالية، وهو تحالف امبريالي رجعي له مصالح مشتركة، باعتبار وأن الأنظمة العربية التي تعيش على المساعدات المادية والدعم السّياسي للقوى الخارجيّة تمثل خير راع لمصالح هذه القوى وخير ضامن لأمن الكيان الصهيوني.

وتعتمد القوى المضادة للثورة على نفس الأساليب تقريبا في كل الدول العربية بما يوحي وكأن هناك اتفاقا مسبقا على الطريقة الواجب اتباعها لقمع ثورات الشعوب العربية خاصة وأن هذه الأنظمة مرتبطة باتفاقات أمنية مشتركة في إطار مجلس وزراء الداخلية العرب الذي كان يجتمع بصفة دورية وبإجماع قلما توفر في اجتماعات عربية رسمية أخرى. ومن بين أهم هذه الطرق اللعب على فزاعات الفراغ السياسي والتطرف الديني والفوضى لمقايضة الحرية بالأمن. وفي نفس الوقت فإن القوى المضادة للثورات العربية مازالت في كل من مصر وتونس ورغم الإطاحة برموز النظام في هاتين البلدين فإن أسس النظامين هناك مازالت قائمة حيث تسيطر القوى المضادة للثورة على الجيش وقوات الأمن الداخلي والإدارة ووسائل الإعلام ومصادر المال... أي بعبارة أخرى فإن السلطة لا تزال بيدها رغم أن الشعب هو الذي قام بالثورة ومن المفروض أن تصبح السلطة بيده.

إن الثورات العربية تواجه مخاطر جمة بعد أن تحالفت الأنظمة الرجعية العربية التي بدأت تتهاوى أمام ثورة الشعوب مع القوى الخارجية لإخماد هذه الثورات وتهميشها وصرفها عن مهامها. وهذا ما حصل في البحرين ويحصل الآن في ليبيا وقد ينتقل الأمر إلى سوريا. فالقوى الامبريالية وإن كانت تنزل بثقلها في ليبيا فإن عينها على سوريا التي ترى فيها نظاما مارقا ومعاديا للكيان الصهيوني وهي ترى أن هذه هي أفضل فرصة لضربه والتخلص منه لكنها في نفس الوقت تريد تنصيب نظام عميل مكانه. والنظام السوري الذي طالما حكم شعبه بالحديد والنار ولعب على عامل القومية العربية والمزايدة بشعارات الوطنية ودعم قضية فلسطين وغيرها من الشعارات، يجد نفسه اليوم في مواجهة شعبه الذي يريد الحرية والكرامة. وعوض الاستجابة لمطالب شعبه مازال هذا النظام يتبع نفس الأساليب التي استعملها منذ توليه السلطة قبل عشرات السنين، وهي القمع الأعمى والاستهانة بأرواح شعبه والكذب واستبلاه الرأي العام الداخلي والخارجي ورفع تهمة الخيانة العظمى والاستقواء بالأجنبي في وجه كل من يطالب بحريته.

إن الشعوب العربية اليوم تبدو أكثر تصميما وأكثر ثقة بنفسها من أجل إسقاط أنظمتها الاستبدادية. ولا يمكن أن تعود عجلة التاريخ إلى الوراء. وحتى الأنظمة التي لم تسقط فإنها من المستحيل أن تواصل حكمها بنفس الأساليب، القديمة فتسونامي الحرية الذي تحرّكه الشعوب يضرب معاقل الدكتاتوريات العربية ويجرفها ولا شيء قادر على الوقوف في وجهه. وسيتواصل الزخم الثوري وسيطيح بما تبقى من أنظمة الفساد والعمالة، لكن هذه المهمة لن تكون سهلة في ظل واقع عربي يتسم بضعف القوى الثورية وعدم قدرتها على قيادة انتفاضات الشعوب والسير بها نحو النصر النهائي. وفي هذا الإطار لا بد من أن تتوحد الشعوب العربية وتساند بعضها البعض وتكون يقظة حيال المخططات الامبريالية والتدخلات الخارجية التي تريد إجهاض هذه الثورات.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني