الصفحة الأساسية > البديل الوطني > التعليم الذي يريدون والتعليم الذي نريد (1)
التعليم الذي يريدون والتعليم الذي نريد (1)
كانون الأول (ديسمبر) 2004

يعيش التعليم اليوم أزمة مزمنة أصبحت جلية للجميع بما في ذلك لمن هو خارج الاختصاص. ولقد انبنت النقود الليبيرالية على قلة نجاعته في مواجهة البطالة والتجديد أي أصبحت المدرسة عديمة الفائدة. وكثيرا ما ترجع هذه النقود الأزمة إلى قلة الموارد وهشاشة البنى الاقتصادية وارتفاع نسب الأمية والفقر ونقص الخبرات العلمية والتكنولوجية. ولا بد من التذكير هنا أن الليبيرالية الجديدة لم تأت لتحويل المدرسة فجأة. ولكن، ومنذ زمن بعيد عديد الكتّاب والباحثين استعملوا لتعريف وبناء مدرسة مطابقة في جميع جوانبها لـ"الذهنية الرأسمالية". فالتحولات التي تعرفها اليوم ليست سوى تحيينا في مرحلة أكثر نضجا لمجتمع السوق لعمل سابق منذ زمن بعيد.

ولئن كان النقد الليبيرالي ارتبط بالنجاعة والانتاجية فإن النقد الاجتماعي والسياسي أظهر الوجه الخفي لهذه الأزمة: الانتقاء الاجتماعي، استعباد الأذهان من طرف النظام القائم، إعادة إنتاج النظام القائم…

إن التحولات التي عرفتها المدرسة تتجاوز الإطار المؤسساتي وتأخذ عدة أشكال. فالمدرسون يمارسون مهنة فقدت مكاسبها الرمزية وامتيازاتها المادية النسبية. أما السياسة الليبيرالية فقد زادت في وتيرة التهميش لشرائح هامة من المجتمع عمقت الفوارق وهو ما أثر بطرق مختلفة في وظيفة أو أداء المدرسة. أما العلاقات التربوية فـي حد ذاتها فقد أصبحت عسيرة نتيجة التحولات الاجتماعية والثقافية الهامة (ثقافة الاستهلاك، حدة الفوارق الاجتماعية، التهميش لشرائح هامة…) في حين أصبحت علاقات التبادل بين الأجيال موضوع تساؤل عميق.

ولذلك كله أصبح الخطاب الشائع في تونس يرتكز على كون هذا المنحى نحو التغيير وأعراضه تدعو إلى إصلاح ضروري للمدرسة (أي التعليم عامة). فما هو نموذج المدرسة الذي يريده الإصلاح؟ وما هو المجتمع الذي ينشده الإصلاح من خلال هذه المدرسة؟

إن إصلاح التعليم في تونس لا يهدف إلى تحويل المجتمع ولكنه إجراء فرض من طرف الدوائر الفاعلة (صندوق النقد الدولي..) وهو إجراء يتنزل في إطار الدور المناط بعهدة دولة تابعة للعمل على ضمان مصالح فئة محلية ومجموع مصالح الشركات متعددة الجنسيات والاحتكارات الدولية.

فهل في الإجراءات التي عرفها النظام التربوي وفي العلاقات الرسمية التي تشخص الأزمة وفي موقف الإداريين والمسيرين وفي كل هذا هل هناك فكرة معينة عن المدرسة المنشودة؟ هل هناك نموذج جديد للتربية؟ والذي بوعي أو بدون وعي يترجمها المصلحون في شكل إيديولوجيا باتت حقيقة لا رجعة فيها.

إن واحدة من التحولات الأساسية التي عرفها الحقل التربوي خلال العشريات الأخيرة –وهي توجد في الحقول الاجتماعية الأخرى- هو الاحتكار المتطور من طرف إيديولوجيا اللبيرالية الجديدة وهو يأخذ شكلين: احتكار الخطاب وديناميكية الإصلاح.

إن "النظام التربوي الجديد" والذي ينحو نحو فرض نفسه بواسطة الإصلاحات المتواصلة وبواسطة الخطابات المهيمنة بإظهار المنطق الذي يدعي التغيير العميق لمواده (لمحتوياته) ولمناهجه ولأهدافه يكشف طبيعته ويجرده من صفة الغموض. فكيف تظهر بعض عناصر هذا "النموذج" التربوي؟ وما هو منحاه الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي؟ ما هي أوجه الخطاب المهيمن؟ وكيف تتفاعل لتشكل صورة "الطفل الملك" و"المؤسسة الإلهية" و"العائلة التربوية" و"المؤسسة اللامركزية" و"البيداغوجي غير الموجه" و"المقيم العلمي" و"العائلة المستهلكة" وهي مفاهيم يتبناها الإصلاح التربوي.

إن النظرة الأولى في علاقات العناصر المذكورة آنفا (المفاهيم) تبدو قليلة الوضوح لكن بناءها ومنطقها وحججها متنوعة. ولعل قراءة تحليلية للنظام التوجيهي الصادر في جويلية 2003 ستساعدنا على الإجابة على الأسئلة المطروحة سابقا.

ملاحظة

(يتبــع)



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني