الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الدكتاتورية النوفمبرية تمنع الاحتفال باليوم الوطني لمناهضة التعذيب
بمناسبة الذكرى 19 لاغتيال الرفيق نبيل بركاتي:
الدكتاتورية النوفمبرية تمنع الاحتفال باليوم الوطني لمناهضة التعذيب
9 أيار (مايو) 2006

منعت الدكتاتورية النوفمبرية يوم الأحد 7 ماي 2006 الاحتفال باليوم الوطني لمناهضة التعذيب الذي يوافق الذكرى التاسعة عشرة لاستشهاد المناضل نبيل بركاتي، عضو حزب العمال الشيوعي التونسي، الذي عُذب حتى الموت بمركز شرطة قعفور في ما بين 29 أفريل و8 ماي 1987 على إثر توزيع منشور للحزب حول الوضع العام بالبلاد. وكان وقتها الجنرال زين العابدين بن علي وزيرا للداخلية في حكومة بورقيبة.

وهذه أول مرة يمنع فيها الاحتفال بذكرى استشهاد نبيل بركاتي التي تحولت منذ 1994 وباقتراح من الدكتور منصف المرزوقي، الرئيس الأسبق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، إلى يوم وطني لمناهضة التعذيب. فعلى مدى التسع عشرة سنة المنقضية كان مناضلات ومناضلو الحرية من مختلف التيارات الفكرية والسياسية يتوافدون على مدينة قعفور من مختلف أنحاء البلاد. ورغم كل العراقيل الأمنية التي كانوا يجدونها في الطريق (التثبت في الهوية، احتجاز أوراق السيارات، استفزازات...) كان معظمهم يتمكن في نهاية الأمر من الوصول إلى مقبرة "البراكتة". وهناك يضعون إكليلا من الزهور على قبر الشهيد ويتعاهدون على مواصلة المعركة من أجل الحرية والديمقراطية ومن أجل اجتثاث ممارسة التعذيب من تونس ومحاسبة المسؤولين عنها أمرا وتنفيذا.

ولكن هذه السنة منعت الدكتاتورية إقامة الذكرى منعا باتا. فقد انتصبت منذ فجر الأحد 7 ماي أعداد غفيرة من أعوان البوليس السياسي معززة بأعوان من البوليس بالزي والحرس بمنافذ المدن الرئيسية للبلاد ومنعت بالقوة المناضلات والمناضلين من مغادرة تلك المدن (بنزرت، تونس، جندوبة، باجة، سليانة، نابل، القيروان، سوسة، المنستير، صفاقس، جبنيانة، قفصة إلخ..).

وحتى القلة القليلة من المناضلات والمناضلين الذين تمكنوا من الإفلات من مراقبة البوليس وبلوغ مدينة قعفور رُدوا على أعقابهم مباشرة. وقد أوقف البوليس السياسي يوم الأحد على الساعة السادسة صباحا 7 طلبة اقتطعوا تذاكرهم وكانوا يهمون بامتطاء القطار المتوجه إلى قعفور للمشاركة في الذكرى واُحتـُجزوا بمركز الشرطة شارع شارل ديغول حتى الساعة الرابعة بعد الظهر. كما أوقف على الساعة الثامنة صباحا عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس (مؤتمر التصحيح) كمال عمروسية واحتجز بنفس المركز. وقد حصلت في أكثر من مدينة مشادات بين البوليس السياسي وبين جموع المناضلات والمناضلين الذين منعوا من التحول إلى قعفور التي عاشت حالة حصار لمدة يوم كامل.

ويمثل المناضلات والمناضلون الذين شملهم المنع مختلف القوى السياسية والمدنية بالبلاد: حزب العمال الشيوعي التونسي، حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الحزب الديمقراطي التقدمي، التيار الناصري الوحدوي، حزب العمل الوطني الديمقراطي، التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب، الاتحاد العام لطلبة تونس (مؤتمر التصحيح)، اتحاد الشباب الشيوعي التونسي. بالإضافة إلى عدد كبير من المناضلات والمناضلين المستقلين الذين ينتمون إلى قطاعات عدة، إعلامية ونقابية وثقافية.

وقد أعادت صورة المدن والطرقات التي يحاصرها البوليس والتثبت في الهويات والمنع من التنقل والمراقبة اللصيقة، أعادت يوم الأحد 7 ماي إلى الأذهان صورة المدن الفلسطينية وخصوصا في غزة والضفة الغربية وهي تـُحاصر من قبل الجنود الصهاينة ومواطنوها يفتشون في الحواجز ويمنعون من المرور. كما أعادت إلى الأذهان صور المدن الجنوب إفريقية أيام نظام الميز العنصري وهي تخضع للمراقبة والحصار. وليس في هذه المقارنة مبالغة. فرغم الفارق في كثافة الظاهرة واتساع ضحاياها بالنسبة إلى فلسطين وجنوب إفريقيا، فإن طبيعة الممارسة واحدة وهي منع حرية التنقل. ومن الملاحظ أن ظاهرة محاصرة المدن ومنع حرية التنقل ما انفكت تتفاقم في تونس. فكم من مرة حوصرت العاصمة وسُدّت منافذها لمنع تجمع أو مسيرة دعت إليها المعارضة الديمقراطية. وكم من مرة حوصرت القيروان أو جندوبة أو قفصة أو قصيبة المديوني أو بنزرت أو الكاف أو قعفور وغيرها من المدن ومُنع الدخول إليها على مناضلات ومناضلي الحرية. وكم من مرة أيضا "اُحتجز" مناضلات ومناضلو فروع الرابطة في جهاتهم ومنعوا من التنقل إلى العاصمة لحضور اجتماع أو مجلس وطني دعت إليه الهيئة المديرة.

ويأتي منع إحياء اليوم الوطني لمناهضة التعذيب والاحتفال بالذكرى التاسعة عشرة لاغتيال الرفيق نبيل بركاتي في سياق اشتداد القبضة الأمنية للدكتاتورية النوفمبرية على البلاد وعلى الحياة العامة. فقبل يوم واحد من الذكرى حاصر البوليس السياسي مقر الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات التي أقامت يوما تضامنيا مع الرابطة ومنع بعض رموز المجتمع المدني من دخول المقر. وقبل ذلك بيومين أي يوم الجمعة 5 ماي حاصرت قوات أمنية كثيرة مقر الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بالعاصمة ومنعت مناضلاتها ومناضليها من الاحتفال بالذكرى الـ29 لتأسيسها واعتدت بالعنف الشديد على بعض مسؤولي الفروع. وفي يوم 3 ماي سدت أعداد كبيرة من البوليس السياسي كل المنافذ المؤدية إلى مقر الإذاعة والتلفزة بشارع الحرية بالعاصمة ومنعت تجمعا دعت إليه هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة واعتدت على عدد من المناضلات والمناضلين.

ولا تزال الاعتداءات مستمرة إلى حد كتابة هذه الأسطر. ففي صبيحة يوم الثلاثاء 9 ماي حاصر البوليس السياسي مدعوما بفرق مختلفة من قوات الأمن قصر العدالة بتونس واعتدى بالعنف الشديد على المحاميات والمحامين بمن فيهم العميد وأعضاء الهيئة الوطنية الذين كانوا معتصمين احتجاجا على القانون الخاص بمعهد المحاماة الذي تسعى السلطة إلى تمريره دون استشارة القطاع. وقد واجه المحامون هذا الاعتداء بشجاعة وجرأة وقرروا الدخول في اعتصام مفتوح بدار المحامي.

وبطبيعة الحال فما ذكرناه ليس سوى عينات مما جد خلال الأسبوع الأخير وهي عينات من وضع عام تعيشه البلاد منذ سنوات وخصوصا منذ مهزلة أكتوبر 2004 الرئاسية والتشريعية. فالقمع تفاقم بشكل ملحوظ عاكسا سعي الدكتاتورية النوفمبرية المحموم إلى تشديد قبضتها الأمنية على المجتمع الذي بدأت عديد القطاعات منه تنهض لتحتج وتطالب. وإذا كان للتصعيد الفاشستي الذي نعيشه منذ مدة من معنى فهو أن الدكتاتورية النوفمبرية لم يعد لها من رد على مطالب المجتمع الاجتماعية والسياسية سوى لغة العصا. وهو ما يؤكد أزمتها المتفاقمة. وإذا كان بن علي وطغمته الفاشستية يعتقدان أن تشديد وتيرة القمع سيرهب الشعب وقواه الحية فإنهما على خطإ كبير، إذ أن ما يمارسانه من قمع سيعجل، على عكس ما يتوقعان، بسقوطهما. فالإضرابات تتواتر (11 ماي إضراب التعليم الأساسي، 18 ماي إضراب التعليم الثانوي إلخ...)، والاحتجاجات تزداد يوما بعد يوم (المحامون، القضاة، الصحفيون، العاطلون عن العمل من أصحاب الشهادات العليا...) والقوى السياسية والمدنية تتوحد باطراد (هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات). ومن المؤكد أن بؤر الاحتجاج الاجتماعية والسياسية والحقوقية والثقافية والشبابية والنسائية المتفرقة والمحدودة اليوم ستتسع غدا مع تطور الوعي وتتحول إلى تيار جارف يكنس الدكتاتورية بما تعنيه من قمع واستغلال وفساد ونهب وعمالة.

إن حزب العمال يستغل هذه المناسبة ليهيب مجددا بكل القوى التي لها مصلحة في الحرية السياسية وفي الديمقراطية أن تدرك خطورة الوضع الذي تمر به البلاد حتى تنبذ خلافاتها وتكتل جهودها وتساعد الشعب التونسي على تنظيم صفوفه لتسريع ساعة خلاصه.

تونس في 9 ماي 2006
حزب العمال الشيوعي التونسي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني