الصفحة الأساسية > صوت الشعب > العــدد 257
غـلاء الأسعـار:
من المسؤول وكيف نتصدى له؟
18 أيلول (سبتمبر) 2007

لا حديث، هذه الأيام، في الأوساط الشعبية إلا عن موجة غلاء الأسعار. فقد استغلت الحكومة العطلة الصيفية للرفع في أسعار بعض المواد الأساسية (الحليب ومشتقاته، الحبوب ومشتقاتها) بعد أن كانت رفعت في فترة سابقة (الربيع) في أسعار المحروقات للمرة الثانية أو الثالثة في مدة وجيزة. ولم يشمل الغلاء، في الواقع، المواد الأساسية المذكورة فحسب التي تحظى بالدعم، بل شمل كل شيء ناهيك أن المواطن أصبح غير قادر على مواكبة أخبار الزيادات في الأسعار. ففي كل يوم يُفاجأ بارتفاع جديد في سعر هذه السلسلة من المواد أو الخدمات أو تلك، بينما أجره أو مدخوله باق على ضعفه، فهو لا يتحرك بما يمكّنه من تغطية الارتفاعات الحاصلة، حتى لا نقول من تحسين معيشته، الذي أصبح هدفا بعيد المنال. وتنتاب المواطن اليوم حيرة كبيرة عما سيكون عليه الأمر في القادم من الأيام، وهو يواجه مصاريف سنة دراسية جديدة وشهر رمضان الذي سيعقبه العيد، علاوة على ما يثقل كاهله، بعدُ من ديون مختلفة.

وتحاول السلطة في كل مرة تبرير الزيادات في الأسعار، التي أصبحت تسميها منذ مدة "تعديلات" بـ"صعوبة الظروف المحلية والدولية"، وما ذلك إلا طريقة لإيهام المتضررين من الغلاء بأنها لا تتحمل أية مسؤولية في ما يحصل لهم وكأنه "قضاء وقدر". ولكن إذا كان ثمة فعلا ارتفاع في أسعار بعض المواد في السوق العالمية، فما الذي يجعل انعكاساته بهذا الحجم على معيشة العمال والكادحين؟ ألا تزعم السلطة أن إنجازاتها الاقتصادية لا تحصى ولا تعدّ وأنها جعلت تونس في "مصاف البلدان المتقدمة"؟ هذه هي الأسئلة التي تتحاشى السلطة الإجابة عنها حتى لا تظهر مسؤوليتها.

إن نظام بن علي هو الذي دفع بالبلاد إلى الانخراط في بوتقة الليبرالية الجديدة، رأسمالية "حوت ياكل حوت..." وعرّضها لانعكاساتها المدمرة التي يمثل غلاء الأسعار أحدها. فهو الذي باع المؤسسات العمومية وعقد الاتفاقيات اللامتكافئة وفتح أبواب تونس للنهب ومضى في رفع الدعم عن المواد الأساسية وأطلق أيدي الأعراف المحليين والأجانب ليمتصوا عرق الكادحين التونسيين مقابل أجور بؤس. وقد كان حزب العمال نبه منذ انطلاق الفصل الأول من هذه السياسة الاقتصادية (أي برنامج الإصلاح الهيكلي 1986) إلى خطورتها على البلاد وعلى الطبقات والفئات الكادحة.

إن المستفيد الوحيد من هذه السياسة هو حفنة من الأثرياء "المافيوزيين" المحليين والشركات والمؤسسات الأجنبية. ففي الوقت الذي تنهار فيه المقدرة الشرائية لكافة الطبقات والفئات الشعبية في المدن والأرياف، يرى التونسي بأم عينه مظاهر الثراء والترف التي تستفزه صباح مساء، كما يسمع في كل يوم أخبارا جديدة عن الفساد الذي ينخر البلاد والذي يسمح لفلان أو فلانة من "أصحاب الجاه" بتكديس ثروات طائلة عن طريق استغلال النفوذ.

ولا يكفي العمال والكادحين ما يعانون من غلاء المعيشة ومن الفقر والإملاق، فإنهم يفتقدون في نفس الوقت لأية وسيلة لإسماع صوتهم والدفاع عن حقوقهم فحرية التعبير ممنوعة، وكذلك حرية التنظم والاجتماع. ومن يتجاسر على ممارسة حق من حقوقه يجرّم ويعتدى عليه، هذا إن لم يُقذف به في غياهب السجون. ولا يقوم الاتحاد العام التونسي للشغل بأي مجهود جدي للتصدي لغلاء الأسعار، فقياداته البيروقراطية متورطة مع السلطة في الخيارات المعادية للعمال، وعناصرها المعروفة تتمتع بامتيازات (أجور، سكن، سيارات، سفر...) فصَلتهم نهائيا عن العمال والأجراء فلا يحسون بما يحس به هؤلاء، بل إن دورهم يتمثل في عرقلتهم وثنيهم عن التحرك دفاعا عن حقوقهم.

ولكن ذلك كله لا يعني أن العمال والكادحين وسائر الفئات الشعبية محكوم عليهم بأن يستسلموا ويسكتوا. فالنقابات الأساسية والجهوية والقطاعية التي انتخبت انتخابا ديمقراطيا والتي تمثل منظوريها مطالبة بصياغة برامج نضالية للدفـاع عن مقدرتهم الشرائية والمطالبة بتحسينها. وحتى خارج هذه الأطر المنظمة، فإنه من الممكن ابتكار أطر جديدة، ففي المغرب بُعثت تنسيقيات (Coordinations) في العديد من المدن لمقاومة غلاء المعيشة. وفي مصر بُعثت اللجان. ويشارك في هذه الأطر جميع الناس من عمال وربات بيوت وعاطلين عن العمل وموظفين ومثقفين همهم الدفاع عن "خبزهم اليومي" ومقاومة سياسات حكامهم التي جلبت لهم ولشعوبهم وبلدانهم الدمار وأفقدتها استقلاليتها.

فلماذا لا نقوم بمبادرات مماثلة في تونس؟ لماذا لا نبعث لجانا مدنية في المدن والأحياء لمقاومة غلاء المعيشة؟ إن هذا الأمر ممكن. ولكنه يتطلب الوعي بأن الصمت والسلبية يشجعان السلطة والأقلية المافيوزية التي تسندها، على المضي قدما في نهب البلاد وتدمير إمكانياتها وتفقير سكانها. وعلى القوى السياسية الثورية والتقدمية أن تقوم بدورها في التوعية وفي المبادرة.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني