الصفحة الأساسية > صوت الشعب > العــدد 258
لمواجهة التصعيد الفاشستي:
وحدة كل القوى السياسية والمدنية
25 تشرين الأول (أكتوبر) 2007

إن ما يميز الوضع العام ببلادنا في مطلع هذه السنة السياسية الجديدة هو توتر مزدوج على المستويين السياسي والاجتماعي. ففي المستوى الأول، أي السياسي بدأ نظام بن علي السنة الجديدة بحرق مكتب الأستاذ العياشي الهمامي، المحامي والعضو المؤسس لـ"هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات" الذي آوى مكتبه إضراب الجوع في أكتوبر 2005، وباستصدار قرار قضائي لإخراج الحزب الديمقراطي التقدمي من مقره المركزي بالعاصمة الذي احتضن على مدى سنوات عديدة، وخصوصا بعد غلق مقرات الرابطة، معظم الأنشطة للمعارضة.

ولئن كان في حرق مكتب الأستاذ العياشي الهمامي رسالة إلى كل المناضلات والمناضلين، مفادها أنهم ليسوا في مأمن، وأن السلطة ليست لها خطوط حمر لا تتجاوزها، بل هي مستعدة لارتكاب أشنع الجرائم على حساب منتقديها وخصومها، فإن إخراج التقدمي من مقره، يمثل ضربة أخرى لحرية العمل السياسي والجمعياتي، فالسلطة التي لم يعد يكفيها محاصرة مقرات الأحزاب والجمعيات بجحافل من البوليس السياسي التي تعترض الوافدين عليها وتمنعهم متى شاءت من الدخول، لم يعد يكفيها أيضا حرمان حتى الأحزاب والجمعيات المستقلة المعترف بها من استغلال الفضاءات العمومية لعقد اجتماعاتها، تريد، في خطوة تصعيدية جديدة وضع حد لأنشطة تلك الأحزاب والجمعيات وشلها بالكامل مثلما سبق لها أن فعلت للرابطة وهي تريد توسيع تلك الممارسة لتشمل اليوم الحزب الديمقراطي التقدمي، وغدا ربما التكتل الديمقراطي وحركة التجديد وجمعية النساء الديمقراطيات، إذا لم "يتعظوا" بتجربة التقدمي.

وفي كلمة فإن نظام بن علي، الذي افتضح أمره واشتدت عزلته في الداخل والخارج أصبح يضيق ذرعا بأبسط التعبيرات المستقلة، وهو يريد فرض الصمت المطبق على المجتمع، والإبقاء على مجرد معارضة ديكورية، لا وزن لها، خصوصا وأنه سيواجه بعد عامين موعدا انتخابيا (2009) يسعى من الآن إلى استغلاله لتكريس الرئاسة مدى الحياة ومواصلة فرض هيمنة الحزب الحاكم على الحياة العامة، وليس له من وسيلة لتحقيق هذا الهدف غير الأساليب القمعية والفاشستية للحيلولة دون قيام تيار معارض، شعبي، وقوي من شأنه أن يفشل هذا المسعى المحموم.

أما على المستوى الثاني، أي الاجتماعي، فبعد الزيادات في الأسعار التي تمت خلال الصائفة وشملت المواد الغذائية من حبوب ومشتقاتها وحليب ومشتقاته وكذلك البنزين والأدوية وغير ذلك من المواد والخدمات غير المسعرة، فإن السلطة افتتحت السنة الجديدة بطرد مجموعة من الأساتذة المنتدبين في العام الماضي من بينهم من نجح في "الكاباس" ولكن اعترض البوليس السياسي على نجاحه، وانتدب بصفة "متعاون من صنف أ" بعد حركة احتجاجية (علي الجلولي، محمد مومني، معز الزغلامي). والواضح من هذا الطرد التعسفي هو أن من لا يساند نظام بن علي لا حق له في العيش. كما أنها افتتحته بإحالة مجموعة من الأساتذة الجامعيين المعروفين بكفاءتهم، ولكن باستقلاليتهم، أو بانتمائهم إلى أحزاب معارضة، على التقاعد دون أن يكون لهم الحق حتى في تقديم مطلب للتمديد في التدريس بالجامعة، والرسالة من هذا الإجراء واضحة أيضا، وهي أن نظام بن علي لا يهمه مصير الطلاب، المرسمين مع أولئك الأساتذة ولا مستوى التعليم بالجامعة بقدر ما يهمه "تطهيرها" من الأصوات الحرة التي ترفض أن تبيع نفسها، مقابل بعض الامتيازات، لذلك وجد أساتذة من طراز هشام جعيط وتوفيق بكار وعياض بن عاشور والطاهر الهمامي وعبد الجليل البدوي وأحمد إبراهيم وجلول عزونة أنفسهم غير مرغوب فيهم. فخسرتهم الجامعة والبلاد. ومن جهة أخرى وفي نفس السياق شددت السلطة الخناق على أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل، وهي لم تحرمهم من الشغل فحسب بل نكلت بالنشيطات والنشطاء منهم (قفصة، تونس، القيروان...) في مطلع هذه السنة السياسية وألحقت بالبعض منهم أضرارا جسدية فادحة لا لشيء إلا لأنهم يطالبون بحقهم في الشغل بعد أن أفنوا العمر في الدراسة. وقد وصف أحد مسؤولي الأمن، مطلبهم هذا، في مواجهة من المواجهات، بأنه مطلب "غير واقعي" إذ أنه قال لبعضهم "أنتُوما زاده ماهو أطرحوا مطالب واقعيـة" !! . وأخيرا وليس آخرا، فإن ما ميز بداية هذه السنة أيضا هو غلق معهد باستور الخاص لصاحبه السيد محمد بو عبدلي، لخلق ظروف مناسبة لانطلاق "معهد قرطاج الدولي" الذي يعود، حسب ما أكدته وسائل إعلام أجنبية ولم تنفه السلطات، إلى ليلى بن علي ولكنه مسجل باسم شقيقتها. ولم تقف الأمور عند هذا الحدّ، فقد منحت الدولة هذا المعهد "مساعدة" بمليار و700 مليون من المليمات، وهو مبلغ ما أحوج المدارس والمعاهد العمومية، التي تحتاج إلى أبسط التجهيزات، إليه. وهو ما يؤكد أن "العائلة المالكة" تضع يديها على المال العمومي وأن الفساد طال حتى القطاع التربوي.

وقبل أن نختم هذا الجانب لا بد من التذكير بزيارة رئيس الإمارات العربية المتحدة الذي جاء ليدشن مشروع تونس الجنوبية (سماء دبي) الذي يكرس إمعان نظام بن علي في بيع البلاد قطعة قطعة ومؤسسة مؤسسة لأصحاب رأس المال الأجانب، وأفراد "العائلة الحاكمة" والمقربون منها يقبضون مقابل ذلك العمولات ولا يهمهم لا مصير الشعب ولا مصير تونس.

هذا ما يميز بداية هذه السنة السياسية وهو إذ يعكس تفاقم أزمة الدكتاتورية النوفمبرية، فإنه يؤكد أيضا أنها ماضية إلى الأمام، في القمع والنهب والعمالة وأنه من الوهم الاعتقاد في إمكانية "إصلاحها". كما أنه من الوهم الاعتقاد بأن الامبرياليين الأمركيين أو الفرنسيين مستعدون لصد بن علي عن غيه و"إقناعه" بضرورة "الإصلاح السياسي"، فهؤلاء لا تهمهم إلا مصالحهم، وهم لن يتخلوا عن بن علي إلا إذا شعروا بأنه لم يعد صالحا لـ"الخدمة" وأن مصالحهم أصبحت في خطر، تماما مثلما حصل مع العديد من الطغاة في إفريقيـا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وحتى في هذه الحالة فإنهم لا يتحركون إلا لإجهاض نضالات الشعب من أجل الحرية والديمقراطية والاستقلال الفعلي، ولوضع من يواصل خدمتهم وخدمة عملائهم من "الكمبرادور" على رأس الدولة.

إن بداية الخلاص الحقيقي اليوم تكمن في تكاثف كل القوى السياسية والمدنية لمواجهة الدكتاتورية النوفمبرية وتصعيدها الفاشستي على المستويين السياسي والاجتماعي، فطالما أنه لم توجد قوة قادرة على التصدي، فإن هذه الدكتاتورية ستستمر في غطرستها وفي اعتداءاتها على لقمة عيش الشعب وعلى الحريات وحقوق الإنسان كما أنها ستستمر في بيع البلاد ورهنها لدى الشركات والمؤسسات والدول الأجنبية وفي تمكين أقلية مافيوزية من إهدار الثروة الوطنية.

إن كل القوى السياسية والمدنية قادرة إذا كان لها الاستعداد الذاتي، وإذا تركت جانبا الحسابات الضيقة ونزعت عن نفسها الأوهام، على الاتفاق على حد أدنى يجمعها ويقوّيها، الاتفاق على الدفاع عن الحريات الأساسية والتصدي للرئاسة مدى الحياة من جهة وعلى مقاومة الاعتداء على الحق في الشغل (الطرد الجماعي والبطالة) وعلى المقدرة الشرائية (غلاء الأسعار) والفساد (الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ لنهب ثروات البلاد) من جهة ثانية والتصدي لبيع البلاد أرضا ومؤسسات للشركات والدول الأجنبية من جهة ثالثة.

في هـذا العـدد
أخبار
مقالات



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني