الصفحة الأساسية > صوت الشعب > العــدد 267
الدكتاتورية النوفمبرية تغرق في "الحوض المنجمي"
تشرين الأول (أكتوبر) 2008

يتواصل منذ أشهر تخبط السلطة في أزمة الحوض المنجمي، فالحل البوليسي والقضائي لا يزال ساريا في مواجهة قضية اجتماعية لا يمكن أن تعالج بالقبضة الحديدية: فلا تزال مدينة الرديف الشهيدة محاصرة بحشود من التشكيلات الأمنية المختلفة ويمنع النشطاء من دخولها لمعاينة حجم الانتهاكات والتجاوزات. ولا يزال أيضا العشرات من شبان الرديف وأم العرائس والمتلوي والمظيلة يحالون على مدار الأسابيع أمام "محاكم التعليمات" تقضي في شأنهم بأحكام ظالمة بالسجن رغم الإخلالات القانونية والإجرائية والاتهامات للبوليس السياسي باستخدام التعذيب الممنهج والواسع لإجبار المعتقلين على إمضاء محاضر بحث جاهزة مسبقا. ومن المنتظر أن يحال قادة الحركة الاحتجاجية ونشطاؤها قريبا أمام المحكمة الجنائية بعد أن صادقت دائرة الاتهام على قرار ختم البحث.

إن هذه الإجراءات الزجرية تندرج في إطار استكمال سياسة الاجتثاث الاجتماعي التي يسلكها نظام الحكم مع انتفاضة المنجميين والتي تدعمت مع السعي إلى معاقبة حركة التضامن معها.

ويعكس هذا التعاطي جوهر السلطة القمعية والبوليسية التي لا يشغلها غير إدامة سطوتها ونهب أقصى ما يمكن من ثروات البلاد ومدخراتها والتي لا ترى في أي تململ أو رفض لسياساتها غير تهديد جدي لمصالح أقلية نهابة وفاسدة يستدعي استنفار ميليشياتها وبوليسها وجيشها لإخماده وسحقه، خاصة بعد أن تعرى هذا النظام نهائيا وبات غير قادر على معالجة المشاكل الجدية للطبقات والفئات الشعبية، وافتضحت بالخصوص دعايته الطنانة حول "الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية" و"المعجزة الاقتصادية التونسية" باحتجاجات أهالي الحوض المنجمي لأكثر من ستة أشهر، والتي لم تنفع معها حتى تلك الإجراءات الاستثنائية على غرار ما أعلنه بن علي في المجلس الجهوي الممتاز لولاية قفصة في جويلية الماضي والذي لم يلمس منها الأهالي ما من شأنه أن يغير من فقرهم وبؤسهم.

ويتأتى إسراع نظام الحكم في غلق ملف الحوض المنجمي من رغبة في غلق الطريق أمام تواصل حركة المساندة وتجذرها وربما تحولها إلى محاكاة ما وقع طيلة أشهر من مظاهرات واعتصامات وإضرابات ومصادمات ولكنه يتأتى أيضا في إطار التحضير لمهزلة 2009 الانتخابية التي تسعى السلطة إلى تمريرها دون منغصات خاصة بعد أن جردت المعارضة والمجتمع المدني من المناخ السياسي والإعلامي والضمانات القانونية اللازمة لإجراء انتخابات حرة وتعددية. ويبدو أن تواصل تفاعلات ملف الحوض المنجمي بإمكانه أن "يشوش" على هذه التحضيرات ويفسد كل دعاياتها حول "إنجازات صانع التغيير" وأحقيته بـ"قيادة البلاد إلى بر الأمان" مدى الحياة.

لكن الأمور لا تسير كما تشتهي سلطة 7 نوفمبر إذ لا تزال النقمة سارية في الأوساط الشعبية بمدن الحوض المنجمي بل تعمق الاحتقان نتيجة تحدي السلطة لمطالب الأهالي، ولم تمنع كل الترسانة الأمنية من تنظيم مسيرة غاضبة في الرديف يوم 27 جويلية 2008 أعقبتها مصادمات مع البوليس بالمظيلة كما أفاق سكان الرديف في الأيام القليلة الماضية على كتابات تغطي الشوارع والأحياء وبيانات تفضح ممارسات السلطة الجبانة وتدعو إلى مجابهة مخططاتها في ضرب حركتهم ومعاقبة شبابهم.

كما تحولت قضية الحوض المنجمي إلى قضية وطنية تهتم بها الأحزاب والجمعيات الديمقراطية التي تمارس ضغوطا مستمرة على السلطة من أجل إطلاق سراح المعتقلين وإيجاد الحلول للمشاكل الاجتماعية. وقد انضم إلى حملة المساندة الاتحاد العام التونسي للشغل، فتحتَ ضغط القواعد والهياكل الوسطى أصدرت القيادة النقابية بيانات تبنت فيها قضية النقابيين المعتقلين ووكلت محامين للدفاع عنهم وقدمت مساعدة مالية إلى عائلاتهم. ومن المنتظر أن يتعزز هذا الموقف بعد تكوين لجان مساندة نقابية في الاتحادات الجهوية قد تعقبها تحركات ذات بال.

كما تعززت حركة التضامن الدولية وانضمت إليها هيئات نقابية وسياسة وحقوقية أوفد بعضها محامين ومراقبين لحضور جلسات المحاكمات.

إن مأزق السلطة يزداد احتدادا خصوصا إذا أحكم الأهالي والقوى المساندة لهم خيوط المعركة وواصلوا الضغط بكل الأشكال ووحدوا المطالب على أرضية لا تنزل دون إطلاق سراح كل المعتقلين وإيقاف التتبعات الأمنية والقضائية ومعالجة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية ومعالجة جدية وعميقة تلي تطلعات الأهالي العادلة في الشغل والتنمية العادلة وتقطع مع الدعايات الاستهلاكية الجوفاء.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني