الصفحة الأساسية > صوت الشعب > العــدد 283
لتتحد المعارضة السياسية والمدنية صفا واحدا ضد الرئاسة مدى الحياة
30 أيلول (سبتمبر) 2010

انطلقت خلال الأسابيع الأخيرة حملة واسعة، ينشطها أفراد من العائلة الحاكمة وبعض رموز السلطة، لـ"مناشدة" بن علي كي يترشح عام 2014 لولاية سادسة بدعوى حاجة البلاد إلى خدماته وبالتالي إلى استمراره في الحكم إلى ما لا نهاية. وقد اتخذت هذه الحملة عدّة أشكال مثل العرائض "الوطنية" و"القطاعية" ومداخلات بعض رموز السلطة في اجتماعات حزبية ومقالات في صحف الموالاة وأشرطة إشهارية في شبكة الأنترنيت علاوة على إبراز صور بن علي في الأماكن العمومية والملاعب الرياضية وكأنه في فترة حملة انتخابية.

ولئن كانت حملة "المناشدات" هذه متوقعة باعتبارها طقسا اعتاد عليه التونسيات والتونسيين لتمرير رئاسته مدى الحياة، وفقا لمنطق "بالولاية، بالولاية" اجتنابا للافتضاح، حتى لا يقال، إنّ بن علي أعاد سيناريو بورقيبة، فإن ما فاجأ الرأي العام هو انطلاقها - أي الحملة - هذه المرّة مبكرا، أشهرا فقط بعد انتهاء مهزلة أكتوبر 2009 الرئاسية والتشريعية أي قبل موعد انتخابات 2014 بأكثر من أربع سنوات.

ومن الواضح أن لهذه البداية المبكرة أسبابها. فما من شك في أن الأقلية الحاكمة أصبحت تخشى أن تتجاوزها الأمور بعد أن قطعت المعارضة الديمقراطية ومنها حزب العمال، شوطا في تنبيه الرأي العام إلى سيناريو جديد لـ"التمديد والتوريث"، والدعوة إلى التكتل للتصدي له والالتفاف حول برنامج للتغيير الديمقراطي. ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد. إن حفنة العائلات المتنفذة تدرك أن الأمر لا يتعلق هذه المرة بالتمديد لبن علي فحسب، بل كذلك بالإعداد لخلافته بالنظر إلى سنه وإلى حالته الصحية، وهو ما يتطلب مناورات كبيرة لمراجعة الدستور وإدخال تعديلات جديدة هامة عليه.

إن السيناريو الأكثر احتمالا في رأينا، هو أن تستمر حملة "المناشدات" وتتصاعد وتتكثف، بالنظر على حجم الرهان، لخلق انطباع زائف بأن "الشعب التونسي بأسره" (ما عدا "أقلية قليلة من المناوئين والحاقدين وناكري الجميل") يريد أن يبقى بن علي في الحكم. وفي وقت من الأوقات، سيتدخل لهذا الأخير ليشكر "الشعب التونسي" على "وفائه" و"ثقته" و"عرفانه" بالجميل ويبلغه "استعداده" لـ"تلبية النداء" ومواصلة "تحمل أعباء المسؤولية"!!!

ولكن بن علي لن يتوقف هذه المرة عند هذا الحد، فمن المتوقع أن يقول لـ"شعبه الوفي" إنه "منشغل بمستقبل تونس" التي يريد أن يضمن لها "الاستقرار" ولمؤسساتها "الاستمرار" ويقيها من "الهزات والاضطرابات" بعد رحيله. وعلى هذا الأساس يقترح تحوير الدستور لخلق آلية تمكن من توريث الحكم إمّا لمن ترى فيه العائلات المتنفذة "الضامن لمصالحها" أو لمن سيفرض نفسه عليها خلال المدة القادمة سواء بدعم من بن علي أو من دون دعمه، مع العلم أن السباق على الخلافة، بدأت مؤشراته في الظهور من خلال التسابق في تنشيط "حملة المناشدات".

وما أن يعلن بن علي "نواياه" ستنطلق بكل تأكيد حملة جديدة من "برقيات الولاء والتأييد" بما في ذلك من عند أحزاب الديكور وجمعياته و"مثقفيه" وستقام الاحتفالات والأعراس فرحا بـ"استجابة القائد" لـ"نداءات شعبه"، وتمجيدا لـ"وفائه" لتونس التي ينشغل بمصيرها حتى بعد رحيله!! هذا هو إذن أحد السيناريوهات المحتملة. فالسلطة بدأت إذن حملة المناشدات مبكرا لتقطع الطريق على المعارضة الديمقراطية التي تقف ضد "التمديد" و"التوريث" ولتوفر أيضا لنفسها الوقت الكافي لمراجعة الدستور بما يخدم مصالح حفنة العائلات المتنفذة ولكسب دعم العواصم الغربية (باريس وواشنطن خصوصا) للخطة الجديدة.

وبهذه الصورة سيحرم الشعب التونسي مرة أخرى، منذ وصول حزب الدستور على السلطة عام 1956، من حقه في اختيار من يمثله ومن يحكمه ومن التمتع بالظروف المناسبة أي بالحرية السياسية التي تمكنه من ممارسة ذلك الحق. فالحزب الحاكم يحتكر كل شيء ويهيمن على كل شيء من أجل استبعاد الشعب التونسي من الشأن العام وإخضاعه واستعباده. لذلك، فلا تناقض في الحقيقة بين ما نسمعه وما نراه اليوم من ادعاء بأن "الشعب" هو الذي "يناشد بن علي" للبقاء في الحكم، لتمرير "حربوشة" "التمديد" و"التوريث" عبر مراجعة جديدة للدستور، وبين ما يسلط على هذا الشعب من قمع لمواصلة إسكاته في ظرف تتفاقم فيه ظروف حياته (بطالة، فقر، غلاء معيشة، تردي الخدمات الصحية والتربوية، إلخ.).

إن الشعب التونسي ليس حرا حتى يعطي رأيه في بقاء بن علي أو في رحيله، فهو لا حرية ولا حق له حتى في الدفاع عن قوته اليومي مثلما بيّنت ذلك أحداث بن قردان وقبلها أحداث الحـوض المنجمي وفريانة وجبنيانة والصخيرة وبوسالم وجامعة منوبة بالعاصمة. ففي كل مرة يتدخل البوليس ليقمع وينكل ويعتقل بل وليطلق النار ويقتل كما جرى في الحوض المنجمي الذي لا يزال عدد من أبنائه رهن الاعتقال من بينهم الصحفيان الفاهم بوكدوس (مراسل قناة "الحوار التونسي" و"البديل") وحسن بن عبد الله (مراسل "البديل").

ولسائل أن يسأل: من هو إذن هذا "الشعب" الذي "يناشد" بن علي ليبقى دهرا آخر في الحكم؟ لا نخالهم بالطبع أهالي هذه المناطق المحرومة والمعذبة التي تحدثنا عنها. ولا نخالهم أيضا العمال والأجراء الذين يطردون بالآلاف من الشغل وتتدهور مقدرتهم الشرائية وتسوء ظروف عملهم وحياتهم بشكل عام، ولا الفلاحين الصغار في الوطن القبلي والشمال الغربي والوسط والجنوب الذين يعانون من نهب البنوك والوسطاء وكبار الملاكين والدولة، ولا أصحاب الشهائد العليا المعطلين عن العمل الذين يعدّون الآن حوالي المائتي ألف ولا عموم الشباب الذين تنخره البطالة والفقر واليأس والذي يبحث بكل الوسائل عن الفرار من "جحيم السابع من نوفمبر" غير عابئ بالمخاطر التي تتهدده من "الحرقان"، ولا معظم النساء اللواتي ما عرفن مهانة كالمهانة التي يعشن فيها الآن (فقر، بطالة، بغاء...)، ولا المبدعين والمثقفين الذين يحفظن استقلاليتهم وكرامتهم، إلخ.

إن كل هؤلاء وغيرهم من أبناء الشعب التونسي وبناته لا مصلحة لهم في بقاء بن علي في الحكم ولا في من سيخلفه من أفراد العائلة الحاكمة لما يعنيه ذلك من استمرار لمعاناتهم ومشاكلهم. ولو توفرت لهم فرصة حقيقية للتعبير عن آرائهم ومواقفهم لطالبوا بكل تأكيد بالتغيير. لكنهم ملجمون. كما تلجم الأحزاب والجمعيات والنقابيين والقضاة المستقلين، بل إن أحزاب وصحافة وجمعيات الموالاة ذاتها لا يسمح لها إلا بالتصفيق على الطريقة التي تريدها السلطة.

إن الوحيدين الذين لهم مصلحة في الرئاسة مدى الحياة وفي توريث الحكم هم بلا شك حفنة العائلات البورجوازية، التي كدّست ثروات هائلة بسرعة مذهلة مستغلة ما لها من نفوذ على السلطة، وهي تريد اليوم الحفاظ على تلك الثروات بكل الوسائل وخصوصا سد طريق الحرية والديمقراطية أمام الشعب التونسي. وهو ما يفسّر اشتداد القمع اليوم على كافة الواجهات السياسية والإعلامية والحقوقية والنقابية والثقافية، إذ أن تلك الأقلية تخشى تطوّر حركة سياسية واجتماعية مستقلة تفسد حساباتها ومخططاتها. أما الذين يوقعون على العرائض (عريضة الـ65، عريضة الألف...) فمنهم صنف ثان وهم الخائفون على مصالحهم ومنهم صنف ثالث وهم الطامعون والآكلون على كل الموائد. ولا يمثل هؤلاء في شيء مصالح الشعب وإرادته، بل لا يمثلون إلا أنفسهم. وما من شك في أن بن علي، رجل المخابرات السابق، يعرف جيدا الصنفين الثاني والثالث، بل يعرف أنهم من جماعة "الله ينصر من صبح" ولكنه يستغلهم،بل يستغل خوفهم أو طمعهم ويوظفه لفائدته، دون أن يعول عليهم كثيرا، لأنه لا يعول أولا وأخيرا إلا على أجهزته القمعية.

إن السؤال كل السؤال هو ما ستفعله المعارضة الديمقراطية اليوم، أمام هذا الوضوح في موقف الأقلية الحاكمة التي تدير الظهر للمرة الألف للمطالب الديمقراطية للشعب التونسي وتؤكد أنه من الوهم أن ينتظر منها أيّ تغيير؟ إن كل الأحزاب (عدا أحزاب الديكور بالطبع) تعلن رفضها "للتمديد والتوريث" وتطالب بانتخابات حرة ونزيهة عام 2014 في مناخ من الحرية يمكن الشعب التونسي من اختيار من يمثله ويحكمه. ولكن ما يميّز المعارضة في بلادنا هو التشتت. وهو ما تستغله الأقلية الحاكمة للإمعان في مخططاتها، لأن تشتت المعارضة لا يساعد أيضا على لف أوسع الفئات الشعبية حول موقف أو شعا رما.

إن حزب العمال الشيوعي التونسي يهيب بكل قوى المعارضة السياسة والمدنية أن تتكتل في صف واحد ضد "التمديد والتوريث" الذي يمثل العنوان الرئيسي للمعركة السياسية في بلادنا في المرحلة القادمة، هذه المعركة التي ستشكل محكا حقيقيا للمعارضة، لاختيار قدراتها وتأثيرها في مجرى الأحداث، ويوجد من المؤشرات ما يؤكد أن المعارضة لو توفقت إلى توحيد صفها ضد "التمديد والتوريث" فإنها ستكون قادرة على تحقيق الانتصارات، خصوصا إذا عرفت كيف تربط بين المعركة السياسية والمعركة الاجتماعية. فالساحة الاجتماعية تتحرك. وكذلك الساحة النقابية. والحالة في الجامعة، لا نخالها ستهدأ، بسبب تراكم مشاكل الدراسة والسكن والنقل... ونظام بن علي ليس له من وسيلة لمعالجة هذه الأوضاع غير "العصى" كما برهن على ذلك في أحداث بن قردان وما قبلها.

إن "ندوة وطنية" لمناقشة المواجهة المشتركة لـ"التمديد والتوريث" تفرض نفسها اليوم، وبقدر ما تسرع المعارضة السياسية والمدنية في عقدها، تكون النتائج أفضل خصوصا إذا توفقت هذه الندوة إلى موقف موحد. إن حزب العمال يوجه هذه الدعوة إلى كافة فصائل المعارضة السياسية والمدنية. فهل تحظى دعوتنا هذه بالاهتمام؟ ذلك ما نتمناه.

في هـذا العـدد
أخبار
مقالات



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني