الصفحة الأساسية > إلى الأمام > سلسلة جديدة - عـدد 5 فيفري 2006
في ذكرى حركة فيفري المجيدة:
الحركة والاتحاد إلى أين؟
شباط (فبراير) 2006

تمرّ هذه الأيام الذكرى 34 لحركة فيفري المجيدة التي تمثل محطة هامة في تاريخ الحركة الطلابية التونسية وأداتها النضالية الاتحاد العام لطلبة تونس. فقد جسدت وعبرت عن هموم الشبيبة الطلابية المناضلة التي رفعت الصوت عاليا من أجل استقلالية المنظمة الطلابية، وبذلك تكون الحركة الطلابية هي أول من طرح هذا المحور الذي وفقا له يقع تصنيف المنظمات والجمعيات وكل الأطر المدنية، فهي إما مع السلطة أو مع منظوريها. فالدولة الدكتاتورية في كل أصقاع العالم تسعى إلى تدجين هذه الأطر ومحاصرتها والسيطرة عليها وهو عين ما مارسته سلطة الاستعمار الجديد في تونس، أما الشباب الطلابي بقيادة طلائعه اليسارية والتقدمية، فقد رفض هيمنة حزب الدستور على اتحاد الطلاب وتدجين الحركة الطلابية.

وكاستتباع منطقي لشعار الاستقلالية كانت نضالية المنظمة والتزامها بقضايا الطلاب ومن خلالهم عموم الشعب التونسي ومجمل القضايا العادلة قوميا وأمميا، أحد أبرز المسائل التي انصبّ عليها وعي الشبيبة منذ ما قبل حركة فيفري. فمنذ بداية الستينات كان اليساريون والتقدميون الناشطون صلب المنظمة الطلابية يمثلون بصدق الجناح المناضل من خلال طرحهم للمشاغل الفعلية المادية والمعنوية للجماهير الطلابية، ومن خلال انخراطهم اللامشروط في حركة الشباب الطلابي العربي والعالمي المناهض للامبريالية والصهيونية والعنصرية والرجعية بكل أشكالها.

إن هذا التوجه النضالي كان يقابل في الحقيقة بين توجه الحركة الطلابية المناضلة، وبين توجه جلاديها وأعدائها، طلبة حزب الدستور المناوئين لكل توجه مستقل ومناضل.

إن منظمة مستقلة ومناضلة لا يمكن إلا أن تكـون ممثلة لقواعدها لذلك كان شعار فيفري عاليا: من أجل اتحاد ممثل يعكس فعليا إرادة عموم الطلبة وخاصة المنخرطين منهم في المنظمة من خلال الدفاع المستميت والدؤوب عن مشاغلهم وطموحاتهم، حينها تكون المنظمة ممثلة فعلا. على أن هذا التمثيل لا يأخذ بعده الواقعي والميداني الكامل إلا في إطار الديمقراطية النقابية كأسلوب وكضمانات قانونية وفعلية تضمن الحق في الانخراط والانتخاب والعضوية. كما تضمن الحق في المراقبة وسحب الثقة وهو أمر دعت إليه أدبيات فيفري وتوجهاته.

إن دروس حركة فيفري المجيدة بليغة وجوهرية. وأهم هذه الدروس هو تحديد ملامح وهوية المنظمة الطلابية كما تراها الجماهير المناضلة، وهي المنظمة ذات الشروط الأربعة المذكورة آنفا: منظمة مستقلة ومناضلة وممثلة وديمقراطية. وهو مسعى مرجعي ناضلت في إطاره الأجيال المتعاقبة ضمن الهياكل النقابية المؤقتة التي عكس ميلادها في جانفي 1973 تكريسا لتوجهات فيفري وشعاراته. وبعودة الاتحاد إلى القانونية، حافظت القوى الثورية والمناضلة على نفس التوجهات وعملت على تطويرها وتجذيرها. إلا أن إرادة القمع والتدجين كانت تقف حائلا دون تمكن المنظمة وفعاليات الحركة، من النشاط الحر والمستقل. لذلك كان نصيب الجامعة من القمع هو بمثل نصيب القطاعات الحية الأخرى، السياسية والنقابية والثقافية والحقوقية... وحافظ القمع على خاصيته في ظل الدكتاتورية الدستورية منذ انتصابها، وهي خاصية الازدواج: قمع خارجي متمثل في المحاكمات والمضايقات والحصار والمنع.. وقمع داخلي يتمثل في التفكيك من الداخل ودعم القوى المهادنة وشراء الذمم عبر الإرشاء والإفساد، وهو عين ما يجري اليوم في المنظمات الجماهيرية ومنها اتحاد الطلبة الذي نجحت السلطة في تقسيمه وتفكيك هياكله داعمة في إطار ذلك التوجه المهادن ممثلا في المجموعات اليمينية التصفوية التي لا دور لها سوى تخريب النضالات وإرباك أي محاولة لاستنهاض الحركة وشطب أي دور نضالي للاتحاد داخل الجامعة وخارجها. في مقابل ذلك تستعمل كل الأساليب القمعية ضد التيارات التقدمية والهياكل المناضلة ممثلة اليوم في هياكل التصحيح التي تجدف ضد تيار الارتزاق والخيانة والتصفية.

إن ما يمر به الاتحاد اليوم من أوضاع تتحمل مسؤوليته السلطة الدكتاتورية أولا والقوى التصفوية ثانيا. وإذا كان دور الأولى مفهوما وله تفسيراته المرتبطة بطبيعة السلطة القائمة، فإن دور الثانية التي يحاول بعضها يائسا التجلبب بشعارات مغالطة، فإن دورها يتصف بخطورة يجب التنبه واليقظة حيالها. لأن موقعها في الحركة –وإن كان هامشيا اليوم- يخلق لها إمكانية المغالطة والإرباك، وهو عين ما هي بصدده في المدة الأخيرة. فبعـد هزيمة القطب اليميني الانتهازي في انتخابات المجلس العلمي، ها هي الجماعة تلملم الصفوف من أجل مؤامرة أخرى ضد الاتحاد وضد الحركة. فبعد رفضها لمقترحات "التوحيد النقابي"، كما قدمها مناضلو التصحيح، هاهم يجدون من أجل ممارسة فهمهم لهذا التوحيد الذي لا يتعدى عندهم الصفقة التي تحاك فصولها خارج الجامعة ومن وراء ظهر الطلاب. صفقة تهدف إلى حرمان المنظمة من إمكانية التشافي وتأجيل ساعة نهوض الحركة الطلابية.

في مقابل زمرة الانتهازيين، لا تزال القوى الطلابية التقدمية مشتتة الصفوف وفاقدة –مؤقتا- لزمام المبادرة. فبعض القوى التي ساهمت في إنجاز "مؤتمر التصحيح" تراجع مردودها بشكل يطرح أكثر من سؤال. أما القوى الأخرى المضادة للقطب التصفوي وغير المنخرطة في التصحيح، فإن جنوحها في عديد المرات إلى اللاواقعية لا يزال يفوّت إمكانيات جادة وجدية للنضال المشترك سياسيا ونقابيا وثقافيا وبالتالي خوض النقاش اللازم لتقريب وجهات النظر وتوحيدها بصدد القضايا الخلافية وعلى رأسها الموقف من أزمة التمثيل النقابي الحالية، والتي لا نعتقد أن الاختلاف حاصل حول تشخيصها بل إن اعتقادنا جازم بكون النضال الجدي جنبا إلى جنب هو الكفيل بتذليل وفسخ الاختلافات الجزئية القائمة. ومن شأن ذلك أن يكون خطوة في الاتجاه الصحيح: استنهاض الحركة واسترجاع الاتحاد. وما عدى ذلك فنحن نعتقد أنه مضيعة للوقت وإهدار للطاقات.

إن اتحاد الشباب، إذ يقيّم الأوضاع الحالية للحركة والاتحاد، بمنتهى الواقعية فإنه يتوجه بنداء حار إلى رفاق الدرب والكفاح: كل القوى التقدمية والمناضلة، من أجل الارتقاء بحالة التعبئة، من أجل العمل الموحّد للمحافظة على المنظمة الطلابية وإجهاض كل المساعي التصفوية المتآمرة.

إن في وحدة الأطراف المناضلة قوة، وفي تشتتها ضعف.

إن اتحاد الشباب لن يدخر أي جهد لتقوية روابطه الكفاحية بكل الفصائل المناضلة. فلتكن ذكرى حركة فيفري المجيدة مناسبة لتعميق الرأي حول واقع الحركة والاتحاد وحول مستقبلهما.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني