الصفحة الأساسية > البديل الوطني > ملاحظات حول موقف أمنستي من العدوان على غزة
وجهة نظر:
ملاحظات حول موقف أمنستي من العدوان على غزة
14 كانون الثاني (يناير) 2009

طالعتنا بعض الصحف الصفراء التونسية في الأيام الأخيرة بهجمة منسقة على منظمة العفو الدولية تحت غطاء نقد موقفها من العدوان الصهيوني على غزة ترى أنه يساوي فيه بين الجلاد والضحية. وقد أخذ هذا النقد منزع المغالطة والتشويه وأحال إلى منطق تصفية الحساب مع منظمة طالما وقفت في وجه النظام التونسي وفضحت سياساته القمعية تجاه شعبه ونخبه، ووقفت سندا للمقموعين والمسجونين والمعذبين والمقهورين في بلادنا، ونظمت الحملات والندوات الصحفية والتدخلات العاجلة لفائدتهم.

إن موقف السلطة التونسية المتحامل تجاه هذه المنظمة الإنسانية العريقة، لا يعني أن مواقفها مقدسة وأن آراءها للأحداث فوق النقاش والجدال، حتى أن بياناتها وتصريحات الناطقين باسمها في علاقة بما يحدث في غزة قد أثار استياء الكثير من أنصارها وأصدقائها.

إن سعي المنظمة للدقة والصرامة في تقييماتها، وخاصة في بياناتها المختصرة، يجعلها تسعى للإحاطة بكامل المشهد الذي تدرسه أو ترصده، مما يجعلها في بعض الأحيان تقيم تناسبات في غير محلها أو تثير الغبار حول مسائل انقضت وولت أو تعقد مقارنات بين وضعيات مختلة أو تعمم بعض العناصر على مسألة برمتها.

لقد أدانت المنظمة منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، وحشية الهجوم الصهيوني مثلما أدانت إطلاق المقاومة الفلسطينية لصواريخها على القرى والمدن الإسرائيلية. ولا شك أن هذه التسوية بإمكانها أن تطمس عديد الحقائق:

1 – أن الكيان الصهيوني يستعمل ترسانة من الأسلحة متطورة ومعقدة ومدمرة بعضها يجري اختباره لأول مرة، في حين لا تملك المقاومة غير أسلحة خفيفة وتقليدية وصواريخ "عبثية" مصنعة محليا لا تشكل خطرا حقيقيا في أي حرب هجومية محتملة.

2 – أن القتلى والجرحى من المدنيين الفلسطينيين قد بلغ الآلاف في حين لم تتعدى الخسائر البشرية الإسرائيلية أصابع اليد الواحدة.

3 – أن حقيقة الاحتلال تؤكد أن لا سلامة للإسرائيليين دون حماية متساكني غزة، فكيف نطلب من مليون ونصف مواطن يعيشون الحصار والهجمات العسكرية المتلاحقة والمدمرة والحرمان من أبسط أساسيات الحياة أن لا يدافعوا عن أنفسهم ولو باستعمال تكتيكات "مغامرة"؟

لقد جاء في بيان المنظمة بتاريخ 8 جانفي 2009 "إن الجنود الإسرائيليين والمقاتلين الفلسطينيين، على السواء، يعرّضان حياة المدنيين الفلسطينيين للخطر، بما في ذلك عن طريق استعمالهم كدروع بشرية". ويبدو أن المعطيات التي أوردها مالكوم سمارت مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أمنستي، للتدليل على هذا الاستنتاج، تضعنا في موقع حرب نظامية بين جيوش متكافئة لها ثكنات ومطارات وممرات عسكرية ثابتة، في حين أن الأمر لا يعدو أن يكون حملة عسكرية مدمرة وواسعة النطاق ضد شعب مضطر للدفاع عن نفسه عبر تكتيكات المقاومة الشعبية المسلحة وحرب الشوارع التي لا تتنافى مع كل المواثيق الدولية، كما أن الفلسطينيين سواء كانوا مدنيين أو مسلحين هم محتجزين بحكم المعابر والاحتلال الصهيوني، وهم لا يحتاجون دروعا بشرية للاحتماء بها وهم الذين يتعرّضون جميعا دون تميز لسياسة تصفية واستئصال خبرها الشعب الفلسطيني على مدى الستين عاما الأخيرة عرف فيها المجازر والمذابح والتنكيل والتهجير والتوطين.

إن الأسس الضعيفة التي أقام عليها مالكوم سمارت استنتاجه هي التي قادته لاقتراح آلية "تحقيق مستقل" في الانتهاكات المزعومة، بما في ذلك جرائم الحرب المحتملة من جانب طرفي النزاع، وإلى محاسبة "الجناة" في حين أن حقيقة الأوضاع تدعو إلى تحقيق فوري في الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق السكان العزل في غزة عبر تهديم المنازل على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ، واستعمال الأسلحة المحرمة دوليا للقضاء على الأخضر واليابس، ومنع الطواقم الطبية والأدوية من الوصول إلى المرضى والجرحى، وحرمان الأهالي من الماء والغذاء والكهرباء، وتجريف المناطق الفلاحية، واحتلال أحياء سكنية بالكامل وتحويلها إلى مقار أمنية وعسكرية وطرد متساكنيها منها.

وإن تحقيقا كهذا لا بد أن يستند على قرار ملزم بوقف إطلاق النار وفتح المعابر وكف الحصار وإنهاء العدوان الإسرائيلي.

إن تقارير المنظمات الحقوقية والإنسانية حول ما يجري في غزة ستظل جزئية ومنقوصة ما لم تقف كما يجب على لازمة الاحتلال والمقاومة، وهي الثغرة ذاتها التي جلبت المصائب للشعب الفلسطيني في الهيئات الأممية وحكمت على مساراته السلمية بالفشل، وجعلته يدفع أغلى الأثمان سواء في فترات الهدنة أو الحرب.

إن ما نجده من نقائص وثغرات في عمل المنظمات الجادة والموضوعية، وفي الهيئات الدولية المدافعة عن حقوق الشعوب والأمم، في علاقة بما يجري في فلسطين بالخصوص يرجع أساسا إلى تشوه في فهم قضية الاحتلال، فإذا كنا قد لاحظنا في الثمانينات والتسعينات تقدما ملحوظا في تفهم الرأي العام الغربي ومؤسسات مجتمعه المدني لتطلعات الشعب الفلسطيني التحررية وتعاظم التعاطف معه والانتصار لقضيته، والذي كان نتاج مقاومته المتجذرة والمكافحة وحصيلة مجهودات النخب الفلسطينية والعربية في تقديم حقيقة الأوضاع للرأي العام الدولي، فإن السنوات الأخير قد عرفت تقهقرا لهذه الصورة انعكس بالضرورة في تقارير جمعيات حقوق الإنسان في أكثر من مناسبة لم تكن حرب تموز 2006 بلبنان آخرها، مما يتطلب من الكفاءات العربية والتقدمية الناشطة في هذه الأطر تكثيف المجهودات لتصويب ما يتشوّه من المواقف المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني، وبالقضية الفلسطينية تحديدا.

إن الأوضاع الميدانية في الأراضي المحتلة وتكتيكات المقاومة، تلعب دورا رئيسيا في تشكل الصورة الحقيقية والمثالية للفلسطينيين عند الآخر، كما يساهم الإعلام بمقدار مهمّ في إنضاج تلك الصورة حتى أن التغطية الإعلامية للهجوم الصهيوني الأخير على غزة، في بعض الفضائيات العربية المؤثرة والتي حاولت أن تحصر المقاومة في غزة في حماس وحدها، وأن تظهر أن التيارات الإسلامية هي التي تقوم فعاليات التضامن مع أهالي غزة عربيا ودوليا وتنظمها لا يمكن إلا أن تخدم مساعي استئصال المقاومة الفلسطينية وتشوش على حملة التضامن معها.

سامي الصالحي


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني