الصفحة الأساسية > البديل العالمي > العلمانية سبيل الخلاص من آفة الطائفية والتكفير واستغلال الدين، لكن ! (...)
ماذا تعرف عن العلمانية ؟:
العلمانية سبيل الخلاص من آفة الطائفية والتكفير واستغلال الدين، لكن ! (6)
أيار (مايو) 2007

سعينا في الإجابة عن هذا السؤال الذي اخترناه عنوانا للمسألة إلى الإحاطة بالعلمانية مصطلحا ومفهوما ومخاضا تاريخيا وجذورا في تربة الحضارة العربية الإسلامية، ونرى اليوم كيف يعود الحديث عن العلمانية في مهد تطورها الغربي وفي البلدان التي اعتمدتها نظاما ونصت عليها في دساتيرها وتشريعاتها. فضلا عن الحديث الذي يجري بين الفينة والأخرى على ألسنة المفكرين وأهل الرؤى والبدائل السياسية والمجتمعية في البلاد العربية والإسلامية، وعبر الفضائيات، إن بالرفض أو القبول. وما من شك في كون العود على بدء في موضوع العلمانية سواء في مواطنها التقليدية أو في مشرقنا مردّه إلى ما يشهده العالم عامة والبلاد ذات الديانة الإسلامية خاصة، من استباحة لأبسط حقوق البشر ومن تضييق على حرية التفكير والتعبير والرأي واللباس والطعام والشراب والصداقة والتنقل والسفر إلخ... ومن توظيف للدين في الاعتداء والقتل والترهيب والترغيب فضلا عن السياسة والانتخاب وعامة الشأن المجتمعي والدنيوي، بما جعل العلاقة بين الدين والدولة في حاجة إلى تسوية جديدة من شأنها إعادة الاعتبار للحريات العامة والفردية التي تضمن للإنسان، مهما كانت عقيدته، أن يتمتع بحقوقه الأساسية في ظل دولة ديمقراطية وضمن عقد اجتماعي قائم على مبدإ المساواة في المواطنة.

وما من شك أن المشهد الدامي لما يحدث في العراق وفلسطين، وبلدان عربية وإسلامية أخرى، من تناحر طائفي وقتل على الشبهة المذهبية وتقتيل بالجملة لأبناء هذه الطائفة أو تلك سواء داخل مواطن تعبّدها أو مواطن تواجدها في الحياة العامة، هو الذي كان له دور كبير في العودة بموضوع الحل العلماني، والبديل اللائكي، إلى الواجهة، وفي اعتباره، عند عدد متزايد من أهل النظر، الأفــقالوحيد ما دام ينبني على الفصل بين الشأن المعتقدي، وهو فردي وخاص، والشأن السياسي، وهو مجتمعي وعام، وما دام بالتالي كفيلا بوضع حد للاقتتال الطائفي ولمصادرة أبسط الحريات واستعباد الأرواح فضلا عن الأبدان. فبلاد كالعراق أو كفلسطين أو كسوريا أو كلبنان، أو غيرها من بلاد الشرق والغرب، لا يستوي أمرها إلا بإقرار العلمانية في تنظيم العلاقة بين الدين والدولة، ما دامت بلادا متعددة الأديان والعقائد والطوائف، لا يجوز لطرف واحد أن يبسط نفوذه ويفرض سلطانه على بقية الضمائر بالقوة المولدة للانفجار، وحمامات الدم. بل إن عدم الإذعان للحل العلماني على الواجهة الفلسطينية، مثلا، كان سببا حتى الآن في تشتيت الصف السياسي والتنظيمي للحركة الوطنية الفلسطينية وشرذمتها إلى رايات مذهبية وطائفية متعددة تعمل كل منها لحسابها الخاص، وتأبى التنازل عن نرجسيتها الفصائلية لحساب الحركة، بما أضعف مردود المقاومة ووفر على المحتل متاعب جمة. لكن ولئن كان في موروث الدولة العربية والإسلامية عناصر علمانية هي التي شكلت قاعدة للخلق والإبداع والتطور الحضاري فإن مهمة إرساء النظام العلماني اليوم، باعتباره حجر زاوية في الدولة الديمقراطية الحديثة، لا نراها منتظرة من أنظمة الاستبداد والفساد والعمالة القائمة حاليا، ولذا فإن استكمال هذه المهمة التاريخية مرتبط بالتحولات الديمقراطية الوطنية التي على قوى التغيير الحقيقي أن تنجزها والتي نعيش مخاضها العسير راهنا. وليس معنى ذلك أن على هذه القوى انتظار تلك الساعة الفاصلة وتعليق تحركاتها، بل المطروح هو العمل الدؤوب والنضال اليومي من أجل تقريب تلك الساعة ومراكمة المكاسب مهما كانت جزئية وعدم الاستسلام لتيار الردة.

لكن ذلك لا يكفي لكي يجعل من العلمانية قناعة واسعة النفوذ في المجتمع خصوصا أمام مساعــي التشويه التي ما انفك شيوخ التكفير يلحقونه بها، وأمام الأحكام المسبقة ذات الخلفية التكفيرية التي زرعتها الدولة القائمة عبر المؤسسة الدينية وعلى منابر المساجد والجوامع، وعبر المؤسسة التربوية والتعليمية والثقافية والقيم السائدة ذات الحمولة الإقطاعية والعبودية في جانب كبير منها.

إن الحل العلماني الذي هو بمثابة قارب النجاة لكافة أفراد المجتمع مهما باعدت بينهم المعتقدات، يكتسب مصداقيته ويلقى الآذان الصاغية ويعمّر حين يتنزل –وهو القيمة الكونية- في الهوية الثقافية والحضارية الخاصة، ويُطرح ضمن مشروع النهضة الوطنية والقومية وبرنامجها المناهض للهيمنة الأجنبية.

يزعم دعاة الدولة الدينية وأعوان الدكتاتورية وهم يحاربون الديمقراطية أن العلمانية تعني الإلحاد وأنها نبتة غريبة عن التربة العربية والإسلامية، متعمدين خلطا تكذبه حقيقة العلمانية مفهوما وتاريخا وتشريعا، وجاهلين أو متجاهلين حقائق التراث الحضاري العربي والإسلامي، وهم الذين اعتبروا الحرية والديمقراطية –كما العلمانية- نبتة مستوردة ولا تصلح إلا لأهلها.

لكن من يطرح الحل العلماني لبلده من موقع الاستخفاف بمعطى الهوية الوطنية والقومية، والاصطفاف وراء المحتل "الديمقراطي" والمستعمر "الحضاري" وتبنـّي نقده العنصري والصليبي لديانات الآخرين والإسلام تخصيصا، يخسر الجولة حتما بل ويقدّم خدمة جليلة لأعداء الفكرة العلمانية والمشروع الديمقراطي الذين سيظهرون بمظهر المدافعين الوحيدين عن الهوية، المناهضين الوحيدين للاحتلال والوصاية الأجنبية، الرافضين الوحيدين للإلحاق والإذلال!



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني