الصفحة الأساسية > البديل العالمي > المسألة الوطنيّة: نشأتها وتطوّرها...
المسألة الوطنيّة: نشأتها وتطوّرها...
أيار (مايو) 2010

إن المسألة الوطنية في الظرف العالمي الراهن أصبحت من الأولويات التي يناضل من أجلها الشيوعيون خاصة في بلدان "العالم الثالث"، وهي تعني الاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي للشعوب والأمم (حق الأمم في تقرير مصيرها).

قبل أن نغوص في تحليل المسألة الوطنية علينا أولا أن نمر عبر تعريف الأمة بما هي جماعة ثابتة من الناس (ليست خليطا عرضيا أو واهيا) تألفت تحت تأثير مجموعة من العوامل التاريخية لتشترك في لغة واحدة، وأرض مشتركة، وحياة اقتصادية واحدة (اندماج اقتصادي) وتكوين نفسي مشترك (الثقافة المشتركة). ولأن الأمة هي تعبيرة اجتماعية تأخذ مكانا معينا في التاريخ فإنها بالضرورة تخضع في تفسيرها وفهمها لقوانين التطور الديالكتيكي: المادية التاريخية.

لقد لاحظ ستالين أن المسألة الوطنية (والقضية القومية كذلك) تمر بثلاث مراحل كبرى:

المرحلة الأولى هي مرحلة تصفية الإقطاعية وبداية انتصار النمط الرأسمالي. وفي فجر الرأسمالية تظهر قوميات يمكن تقسيمها إلى جزأين: دول قومية محضة وخالصة لا يوجد فيها اضطهاد قومي (دول ذات قومية واحدة)، ودول متعددة القوميات تخضع فيها القوميات والأمم الأقل تقدما إلى أمة واحدة فائقة التطور. وهذا هو ما يعرف بالاضطهاد القومي الذي يؤدي حتما إلى بروز حركات قومية ذات نزعة قومية بحتة وهو الذي تنشأ عنه المسألة القومية.

أما المرحلة الثانية فهي مرحلة تطور الاضطهاد القومي وتطور وسائل مكافحته. فإذا كانت المرحلة الأولى، تاريخيا في فجر الرأسمالية، فإن هذه المرحلة تقع تاريخيا في فجر الامبريالية. فالدول ذات القومية الواحدة لدى توسّعها الامبريالي تحوّل نفسها إلى دول متعددة القوميات خالقة بذلك الظروف الموضوعية لتكوين أمة جديدة مع مستعمراتها لتصير بذلك مسرحا لجميع أشكال الاضطهاد القومي والاستعماري.

والمرحلة الثالثة والأخيرة، هي مرحلة هدم النظام الرأسمالي والإطاحة به وبالتالي القضاء على الاضطهاد القومي.

إن المراحل الآنفة الذكر، وخاصة المرحلة الأولى والثانية تتميزان باحتدام النضال القومي أكثر فأكثر وبقاء المسألة الوطنية معلقة دون حل. وتجدر الإشارة إلى أن المسالة الوطنية لم ولن تحلّ عن طريق المجتمع البرجوازي الذي لم ينشر السلام بين الشعوب بل على العكس جعلها مجرد احتياطي للاستعمار، لذلك فمن البديهي أن النظام الوحيد القادر على حل المسألة الوطنية هو النظام الاشتراكي.

إن الشيوعيين في جميع أنحاء العالم يدركون أن ثورية الحركات الوطنية لا تكمن في خلفياتها الإيديولوجية أو في برامجها التقدمية أو مبادئها النيرة، وإنما في توجيهها لنضالها ضد الاستعمار مباشرة حتى وإن كانت مبادئها تناقض الديمقراطية. فالأممية الثانية على سبيل الذكر، رغم تبنيها نظرية ثورية، كانت في الواقع أكثر رجعية من الحركات القومية الرجعية ذاتها لأنها اختزلت حق الأمم في تقرير مصيرها في الجانب الثقافي فقط! لذلك فإن المسألة الوطنية لا يمكن أن تحلّ إلا في نطاق الثورة الاشتراكية وظفر الطبقة العاملة بالسلطة. وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه دون تحالف العمال والفلاحين وكل الفئات التي لها مصلحة في الثورة مع حركات التحرر الوطني. ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار المسألة الوطنية جزءا من دكتاتورية البروليتاريا.

وقد أدى نشوء الحركات الوطنية إلى ظهور تناقضين كبيرين يستعصي حلهما في ظل نظام رأسمالي امبريالي: فمن ناحية يتّحد الرأسمال العالمي هادما الحواجز جاعلا بذلك تقاربا اقتصاديا بين الجميع، ومن ناحية أخرى يقظة حركات التحرر الوطني في المستعمرات. هذا التناقض الصارخ يؤدي حتما إلى تشكيل جبهة ثورية متينة الأركان تجمع بين بروليتاريا البلدان الظالمة التي ينبغي تثقيفها بروح الأممية الحقة حتى تحارب حكوماتها الظالمة وكذلك حركات التحرر الوطني في البلدان المظلومة والتي ينبغي تثقيفها على أساس أفق فكري مفتوح حتى لا تقتصر على مصالحها الوطنية الضيقة والمباشرة.

إن الجبهة الثورية العالمية يجب أن تكون أممية. وهذه الأممية لا يمكن لها أن ترى النور بدون عمل عنيد وجبار من قبل الشيوعيين في جميع أنحاء العالم، كل حسب الظروف الموضوعية التي يعيشها سواء كان ذلك في دول ظالمة أو مظلومة. وفي نفس السياق فإن واجب شيوعيي الدول الظالمة هو النضال بلا هوادة من أجل حق المستعمرات في تقرير مصيرها. في حين أن مهمة شيوعيي الدول المظلومة هي النضال من أجل استقلال الأمة سياسيا وحرية اختيار الاتحاد مع الشعوب التي تختارها.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني