الصفحة الأساسية > البديل الوطني > مناطق منسيّة في عمق غابات (1/2)
طبرقة :
مناطق منسيّة في عمق غابات (1/2)
6 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

العقيبة، سيدي عسكر، الترايعية، الحمايدية، عين الخصّ، سيدي روين، أرضا، تغزاس، سيدي قويدر وعين السنوسي تجمعات سكنية منتشرة على بعد 35 كلم بالغابات الكثيفة المحيطة بمدينة طبرقة. في الطريق إلى هذه المناطق قد يغتر الزائر بالجمال الطبيعي وتنوع المنظومات البيئية والثروات الغابية الهائلة ووفرة المياه بالأودية والعيون وقد يعترض فتاة في مقتبل العمر ترعى بعض الماعز فيحسدها على ذلك الهواء النقي ويظن أنها تستمتع بوقت فراغها. وقد يشاهد امرأة ريفية تجمع الذرو في الأودية السحيقة وسط الغابات الممتدة فيتخيلها في نزهة.. !

لكن الحقيقة مغايرة تماما فحوالي 1000 عائلة بهذه المناطق تعيش وضعا بائسا على جميع المستويات والجميع تجمعهم قصص مرّة مع التنمية في عهد النظام المخلوع والأمرّ منها تواصل التهميش بعد ثورة 14 جانفي على الأقل في الاحتياجات المستعجلة والحياتية على غرار التزود بالماء الصالح للشراب وبعث موارد الرزق وتوفر الحد الأدنى من الخدمات الصحية والاجتماعية.

«عيون» بلا ماء..!

ويعتبر موضوع الماء الصالح للشراب إحدى أهم شواغل هذه المناطق المحرومة من الماء الصالح للشراب منذ ثلاث (03) سنوات حيث تم إنجاز مشروع عين الطراريب بكلفة تقارب مليوني دينار وعهد التصرف في المشروع إلى مجمع مائي تم تعيينه من السلط المحلية للتصرف في المشروع (حنفيات عمومية جماعية) وبعد انقضاء مدّة ثلاثة أشهر تعرضت بعض القنوات إلى العطب وعجز المجمع عن تعهد وصيانة الشبكة بل تخلى عن متابعة المشروع مخلفا ديونا بـ8 آلاف دينار للشركة التونسية للكهرباء والغاز على حد تصريح المتساكنين. ومنذ أن توقف المشروع طالب الأهالي بصيانة القنوات والمضخات ومرّت السنوات دون استجابة ونسيت المصالح الفنية مشاغل المتساكنين لكن هؤلاء تحمل ذاكرتهم معاناة لا يتخيلها عاقل فالمواطن يعي أن مياه الوادي المالحة لا يمكن تحملها لكنه مضطر لشربها للبقاء على قيد الحياة وفي المقابل يرفض الحيوان غير العاقل شرب مياه الوادي! وتتعرض قطعان الماشية في فصل الصيف إلى الهلاك بسبب نقص الماء لتكون النكبة للمواطن مضاعفة حيث يفقد مورد رزقه إلى جانب العطش.

وفي غياب الماء الصالح للشراب تصبح الحياة أكثر قسوة، فطبيب مركز الصحّة الأساسية يجلب معه خزان ماء من طبرقة، والتلميذ يذهب إلى دورة المياه ليعود إلى القسم في نفس الحالة، والعائلات تتزود من عيون غير صحية خلفت أمراضا عديدة لما يفوق 700 شخص إضافة إلى غياب مظاهر حفظ الصحة بالمساكن المتردية أصلا.

النزوح لمن استطاع إليه سبيلا...

وقد تسبب هذا الوضع المتواصل إلى جانب نقائص أخرى في نزوح جماعي لشباب وكهول هذه المناطق وقد استقر أغلبهم بجهة «حي التضامن» بالعاصمة بحثا عن شغل بحضائر البناء مخلفين وراءهم أسرا ومسنين في وضعية مزرية إذ يعجز من تمسك منهم بالبقاء على تأمين قوته اليومي في غياب فرص العمل والمشاريع الخصوصية المندمجة القادرة على ضمان إدماج المتساكنين في محيطهم الطبيعي ، فأغلب المتساكنين يضطرون للعمل في صناعة الفحم بطرق غير قانونية ويشتغلون ببعض الحضائر القليلة والمحدودة والخاصة بجمع الخفاف (لمدة لا تفوق الشهرين) أو الريحان أو الذرو المخصص لإعداد باقات الورود. مع العلم أن بعض الشركات المنتصبة بالعاصمة أو بنزرت تدفع ببعض المقاولين إلى الغابات المحيطة بهذه المناطق ويجلب هؤلاء يد عاملة بخسة من جهة سجنان في ظروف تشبه عصور الإقطاع البشع حيث تقضي النسوة والفتيات المنقطعات عن التعليم 12 ساعة في جمع الذرو من عمق الغابة مقابل أربعة دنانير في غياب التغطية الاجتماعية.

كما يراهن البعض على تربية الماشية وهو قطاع غير مربح في غياب المساحات المخصصة للمرعى ومحدودية الملكية نظرا للصبغة الغابية لتلك المساحات ورغم ذلك يمثل قطاع تربية الماشية الحل الوحيد للشبان المنقطعين عن التعليم في غياب بدائل للكسب والشغل القار.

وللأنثى مثل حظ الذكرين... في البؤس

ولا يعتبر وضع المرأة في هذه الربوع أفضل حال فهي تتحمل أعباء المنزل والشغل المضني ببعض الحضائر الموسمية وسط إهمال قسري لظروفها الصحية والنفسية فهي الأكثر عرضة للأمية والمرض والحرمان من كل مظاهر الترفيه والعيش الكريم ورغم قدراتها الكامنة في صناعة الزربية والمرقوم والفخار إلا أن التهميش والإقصاء حرم أغلب النسوة من الانتفاع بالتكوين والامتيازات لبعث مشاريع فردية وتكوين مجامع تنمية في هذه الاختصاصات والمجالات الأخرى على غرار استخراج زيت الريحان وزيوت النباتات الطبية الأخرى المنتشرة بالمنطقة. (يتبع)

شاكر السالمي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني