الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987 > الجنرال يقوم بانقلاب ويفتح عهدا جديدا لحكم البلاد عن طريق العسكر
الفهرس
حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987
الجنرال يقوم بانقلاب ويفتح عهدا جديدا لحكم البلاد عن طريق العسكر

أزاح الجنرال زين العابدين بن علي "المجاهد الأكبر"، يوم 7 نوفمبر بموجب الفصل 57 من دستور البلاد. وقدمت، وسائل الإعلام والحاكمين الجدد وتبعتهم كل أحزاب المعارضة بما في ذلك "الاتجاه الإسلامي" والبيروقراطية النقابية والعديد من الرموز السياسية المستقلّة وكذلك بعض القوى الثورية والتقدمية ما حدث يوم 7 نوفمبر ليس انقلابا بل "تصحيحا" ولما لا "ثورة"، أنقذت البلاد من خطر المآمرات التي كانت تحاك في القصر. وأظهروا الجنرال بمثابة "بطل وطني" جديد يتميز بـ"الغيرة" على الوطن وبـ"الواقعية"، و"الجدية"، وعلى يديه سوف تعرف البلاد عهد الرخاء والحرية والديمقراطية وهلمجرا. وأعلنوا جميعا أن يوم 7 نوفمبر فاتحة عهد جديد. ما هي حقيقة الأمر؟

أطنبت الصحف في نقل وقائع "الحدث" وترتيباته والرأس المدبر، ومن هم ضحاياه، وهنا نؤكّد في الوقت نفسه أنّ العملية باغتت حتى وكالة الاستعلامات الأمريكية. لكن الأحداث والوقائع تبين أن العملية بدأ التخطيط لها منذ أن عيّن بورقيبة الجنرال وزيرا أوّلا، وذلك بهدف استغلال الفصل 57 من الدستور والقيام بانقلاب دستوري أبيض لا يحدث قلاقل ومواجهة عسكرية، لتفادي سابقة خطيرة. لقد أكّدت الصحف أنّ زين العابدين بن علي وبمساعدة الحبيب عمار كسب تاييد الجنرالات البارزين في الجيش: يوسف بركات وسعيد الكاتب والكولونال يوسف بن سليمان مدير "المكتب الثاني"، أي الاستعلامات العسكرية ونورالدين بن حمادي وفي نفس الوقت وبفضل الهادي البكوش كسب الساسة المدنيين وعلى الأخصّ في مرحلة أولى في المستوى الحكومي. وكل هذا يستوجب اتصالات ونقاشات وتقاسم المراتب ومراكز النفوذ لنأخذ مثلا العطار الذي عوّض نعمان على رأس جيش الطيران قدم في أسبوع الانقلاب من الولايات المتحدة الأمريكية. كما أجرى وزير الدفاع إليها زيارة عاجلة في الأيام الأخيرة مصحوبا بالجنرال بركات وفي نفس المدّة حلّ بتونس وفد عن الكنغرس في زيارة رسمية و"تبادل وجهات النظر مع رئيس الدولة "السابق ومع رئيس مجلس النواب الجديد والوزير الأول آنذاك.

كانت تجري الاتصالات حثيثة لإيجاد "صيغة" ملائمة لتجاوز حالة عدم الاستقرار التي أصبحت تطبع الوضع السياسي في البلاد وبفعل اشتداد التناحر بين مختلف الكتل الحاكمة، خاصة وأن نزوات بورقيبة أصبحت العنصر الحاسم في اعتلاء المناصب. وكانت كل كتلة تسعى بكل قواها لتلبيتها حتى تضمن لنفسها الخلافة. ولم يعد هذا الأمر خافيا اليوم على الجميع في حين كان حزبنا وحده بالأمس يشهر بهذا الوضع باعتباره يتمّ على حساب الشعب والوطن. ووجدت الامبريالية الامريكية الطريق مفتوحا أمامها مع تولّي الجنرال الوزارة الأولى. وخوفا من أن تسبقها الأحداث بفعل مناورات المغامر منصور السخيري ومؤرّخ الباي الجديد محمد الصياح، والوالي الفرنسي الجنسية، محمود بن حسين، والفرنسي الثاني الهادي المبروك، خاصة وأنّ هذا الفريق لا يضمن لها السيادة الكاملة وقد يكون مصدرا لمخاطر كبرى في عملية "تسلم الخلافة" ويكثف المناورات في القصر، تسارعت الأحداث، عندها وضعت اللمسات الأخيرة لمخطط الاستيلاء على السلطة. وتكفل الحبيب عمار بمساعدة قادة الجيش البارزين بالجانب التطبيقي من العملية سواء كان في العاصمة أو في المدن الأساسية. لم يستعمل المنقلبون الجيش بل جعلوا من الحرس أداة تنفيذ العملية فتمركزت قواته في المناطق الحساسة، وحوصر قصر قرطاج وتم تجريد الحرس الرئاسي من السلاح ووضع الحبيب عمار رجاله وألقى القبض على الغرماء والمنافسين من الكتلة الأخرى وحتى من المضنون فيهم تحسبا لأيّ مواجهة محتملة. وتمّ ذلك في ليلة 6-7 نوفمبر، كانت ليلة "السكاكين الطويلة" أي ليلة تصفية الحسابات.

تمّ الانقلاب في كنف الهدوء التام بدون أيّ طلقة نارية ما عدا تلك التي أطلقها المحجوب بن علي من مسدسه لما وقعت مداهمة منزله. وبهذه الصورة ضمنت البورجوازية الكبيرة والامبريالية الامريكية عن طريق المنقلبين تجاوز قضية الخلافة التي طالما قضّت مضاجع الكتل المتناحرة وعقدت الأزمة السياسية في السلطة.

وتسلم فريق الجنرالات في زيّ مدني ومعهم الساسة المدنيين، على أساس الفصل 57 من دستور البلاد الذي يحدد "الخلافة" الآلية إلاّ أنّه لا يضبط تراتيبها. واستغل المنقلبون هذا الغموض فضبطوا شكليات في الخفاء –كما حاول القيام بها محمد مزالي من قبل- ونفذوها.

ولقد وضح حزبنا عندما عين زين العابدين بن علي وزيرا أوّلا، أنّ وصوله إلى هذا المنصب ليس مجرد تسمية كغيرها، بل هو تحولا في اختيارات السلطة وإمعانا في حكم البلاد بالطرق الأكثر قسرية. ورد في "صوت الشعب" عدد 40 ما يلي:

"لقد بات واضحا اليوم أنّ البورجوازية الكبيرة العميلة مستعدة للحكم بأكثر الأشكال قسرية، وهي لم تعد تبحث عن غطاء سياسي "حضاري"، لضمان مصالحها بل أصبحت تبحث عن "النجاعة" التي تجدها عند الجيش والبوليس والميليشيا". لكن "التحول" تمّ نهائيا بصورة "حضارية" وأضفت عليه مسحة "ثورية" أو قل "تصحيحية" ووشّحته بـ"الديمقراطية". لكن بيان 7 نوفمبر لم يترك مجالا للشك بعد أن طمأن الأحزاب الإصلاحية بتعددية فعلية وبمجالات أوسع للصحافة، ان الهدف الأساسي للمنقلبين كان المسك بزمام السلطة لإنقاذ النظام من "الانهيار" من جراء النزاعات بين مختلف كتله، وإرجاع هيبة الدولة وضمانها هذا من ناحية ومن الناحية الثانية مقاومة "التسيب" و"اللامبالاة" و"التقاعس" و"الفوضى". وأكّد الجنرال كل هذه المعاني في بيانه الثاني للشعب يوم 16 نوفمبر وكان وزيره الأول أوضح ما كان غامضا في ندوته الصحفية.

أغدقت حكومة الجنرالات الوعود المعسولة للشعب وبالمقابل حققت للبرجوازية الكبيرة كل ما هي في حاجة إليه: عفو جبائي، تأجيل دفع القروض، منحها إمكانيات عريضة للتعامل بالعملة الصعبة لكي تطمئن على رساميلها وتهريبها متى شاءت، وسمحت لكل المهربين والمختلسين وكل الذين ابتزوا أموال الشعب، وسرقوا الأموال العمومية بالتصرف فيها بكل حرية. وفي نفس الوقت وأول عمل سياسي قامت به هو تمكين اللصوص الذين اعترفوا بجرائمهم من العودة إلى أرض الوطن كـ"أبطال وكساسة مغتربين".

صوت الشعب، ص1: العدد 43، 1 ديسمبر 1987


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني