الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987 > لماذا لم يشارك حزب العمال في "الميثاق الوطني"؟
الفهرس
حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987
لماذا لم يشارك حزب العمال في "الميثاق الوطني"؟

السادة أعضاء لجنة صياغة الميثاق الوطني:

تلقينا دعوتكم للإدلاء برأينا في موضوع "الميثاق الوطني". وبالرغم من أن رأينا قد عبرنا عنه في أكثر من مناسبة على أعمدة الصحافة فإننا لم نر مانعا من أن نحضر ونعرض عليكم خلاصة موقف حزب العمال الشيوعي التونسي من هذه المسألة.

لقد عبر حزبنا منذ طرح موضوع "الميثاق الوطني" عن عدم القبول به وهو موقف نابع من شديد حرصنا على إحلال الحرية السياسية والدفع بالبلاد في نهج ديمقراطي حقيقي بعد ثلاثين سنة من الدكتاتورية التي تصدى لها الشعب وقواه الديمقراطية وقدم جسيم التضحيات.

وفي هذا المضمار نحن نرى أن الأولوية ينبغي أن تكون لمعالجة الدستور والقوانين والمؤسسات التمثيلية والجهاز القضائي والإداري. فالدستور لكي يكرس سيادة الشعب ويضمن الحريات الفردية والعامة ويمنع الجور والتعسف، ويقر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، والقوانين لكي تكرس هذا التوجه، والمؤسسات لكي تخضع للانتخاب الحر والديمقراطي وتعبر بالتالي عن إرادة الشعب. والقضاء لكي يكون مؤسسة ديمقراطية مستقلة والإدارة لكي تكف عن كونها جهازا بيد الحزب الحاكم يجثم بكلكله على صدور الناس.

غير أن ما نلاحظه. وهذا نقوله كما اعتدنا بكل صراحة، هو أولا حصر مراجعة الدستور في ما يدعم صلاحيات مؤسسة الرئاسة. وثانيا تعارض ما وقع سنه أو مراجعته من القوانين –عدا قانون الإيقاف التحفظي الذي لا يستجيب إلا لجانب من مطالب الحركة الديمقراطية- مع الحد الأدنى المنشود. ولا أدل على ذلك من الطابع الإقصائي والتعسفي لقانون، الأحزاب واحتفاظ قانون الصحافة وقانون الجمعيات بطابعهما القمعي السابق، وتشديد الطابع التعسفي للمجلة الانتخابية. وثالثا بقاء المؤسسات التمثيلية على وضعها الصوري القديم. ورابعا تواصل خضوع الجهاز القضائي للسلطة التنفيذية في شكله ومضمونه. وخامسا بقاء الإدارة على وضعها السابق في تركيبتها وسلوكها وذهنيتها.

وفضلا عن ذلك فإننا نشير إلى تواصل العادات والممارسات القديمة، من احتكار الحزب الحاكم للأجهزة الإعلامية ومنع الاجتماعات العمومية على طالبي تنظيمها ومنع التظاهر، إضافة إلى التضييق على أنشطة الأحزاب بما فيها المعترف بها وعدم الكف عن ممارسة التعذيب في محلات الشرطة وإيقاف المواطنين واستنطاقهم حول أنشطتهم النقابية أو السياسية والعودة إلى حملات الرافل ومواصلة الاستثناء والإقصاء والحفاظ على ما يسمى بـ"جمعية حقوق الإنسان والحريات العامة" التي يعرف القاصي والداني الهدف الذي من أجله تأسست. هذا زيادة على تواصل حرمان عدد كبير من ضحايا العهد السابق من حقوقهم المدنية والسياسية في إطار عدم الاستجابة لمطلب الحركة الديمقراطية بإصدار عفو تشريعي عام.

وتخصيصا على حزب العمال الشيوعي التونسي نشير إلى أن السلطة لا تزال تمانع في الاعتراف به ومنحه رخصة إصدار صحيفة زيادة على حرمان العشرات من مناضليه المحاكمين من حقوقهم المدنية والسياسية بل واستثناء بعضهم حتى من حقه في العودة إلى العمل. والأخطر من ذلك ما صدر أخيرا من تعليمات صارمة لمديري الصحف بمنع نشر بيانات حزبنا وأخباره بل وحتى مجرد ذكر اسمه ومجرد فسح مجال النشر لممثله ولو باسمه الشخصي. بل إن الأشد خطورة ما صدر من تعليمات الوزارة لحرماننا حتى من حق الرد على من يتهجم علينا ويشوهنا ويزور آراءنا ومواقفنا وهي ممارسة لم نعهدها حتى في العهد السابق وتشكل سابقة خطيرة. وتتهدد حرية الفكر والمعتقد أيضا مخاطر جمة لمسنا ونلمس عدة مظاهر منها بعد أن أتيح –فيما نعتقد- للجماعات الدينية المتطرفة أن تنتعش ولأماكن العبادة أن تتحول في الكثير من الحيان إلى مراكز دعاية وتحريض ضد حرية الفكر والمعتقد والرأي المخالف ولنفوذ رجال الدين أن يتسع ولخط العقلانية والحداثة أن يتقلص في برامج التعليم والإعلام في الحياة العامة.

إن جميع هذه الأوضاع والممارسات تتناقض والهدف المعلن للميثاق الوطني كـ"دعم المسار الديمقراطي" مما يجعلنا لا نرى فيه غير ورقة دعائية لا علاقة لها بالواقع إن لم تكن قيدا آخر على الحريات. وهذا ما يفسر معارضة حزب العمال له وتشديده على ضرورة توجيه الاهتمام إلى إقرار الحرية السياسية عبر صياغة دستور ديمقراطي وقوانين ضامنة وحامية للحريات ومؤسسات تمثيلية منتخبة وممثلة.

ومن ناحية أخرى يود حزبنا الإشارة إلى تواصل نفس السيا سة الاقتصادية السابقة القائمة على اختيارات رأسمالية لبيرالية مملاة من البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والتي من شأنها أن تقود البلاد إلى الهاوية مثلما دلت التجربة. ويتواصل في ظل هذه الاختيارات إثراء نفس الأقلية على حساب الأغلبية التي ما انفك مستواها المعيشي يتدهور وواقع حياتها يسوء، مما يعزز الشكوك حول جدوى ووظيفة هذا الميثاق ويحملنا على ترجيح اعتباره مجرد أداة أخرى للتلهية اليوم عن المشاكل الحقيقية التي تواجهها البلاد ويعيشها المواطن ولفرض السكوت عنها غدا وذلك من خلال ترديد بعض الجمل العامة والفضفاضة حول "مجتمع التكافل والتضامن".

إنه لا سبيل للالتقاء حول نفس المشروع الاقتصادي والاجتماعي بين مختلف الأحزاب وخصوصا بيننا وبين الحزب الحاكم.

أما في علاقة بمسألة الهوية القومية للشعب التونسي فإن حزب العمال الشيوعي التونسي لا يرى أنها تحتاج إلى تقنين. فالشعب التونسي شعب عربي وقد تصدى ويتصدى لجميع المحاولات الهادفة إلى مسخ ذاتيته القومية. على أننا نعتبر أن لكل حزب نظرته لهذه المسألة، فهناك من يتعامل معها تعاملا شوفينيا، وهناك من يتكلم عن عروبة تونس وهو يدوسها. أما نحن فإن نظرتنا لقضية الهوية نظرة تقدمية تأخذ من الماضي ما فيه من نير وتتفاعل مع الحاضر بكل مكتسباته وتتفتح على المستقبل أي على التطور والتقدم. وفي خصوص الإسلام فإن حزبنا يفرق بين أمرين، فما تعلق بالجانب الحضاري نعتبره خاضعا للنقاش والتقييم. وما تعلق منه بالجانب المعتقدي فنحن من أنصار الفصل بين الدين والدولة، من أنصار مبدأ "المعتقد مسألة شخصية". إن ثمة شيء يجب تقنينه في هذا المضمار فهو حرية المعتقد والتفكير حتى لا يستغل الدين لتبرير القهر والاستغلال.

وقبل أن نختم يود حزب العمال الشيوعي التونسي أن يثير الشكل الذي تتم به الاستشارة حول "الميثاق الوطني" ليلاحظ تغييب الشعب تغييبا كاملا. وفي ذلك أكثر من معنى. فهو تواصل لنفس النهج اللاديمقراطي السابق في التعامل مع الشعب. وهذا ما يزيد حزب العمال ثباتا على موقفه الرافض "للميثاق الوطني".

السادة أعضاء لجنة صياغة الميثاق الوطني:

يمكن لكم من هذه الخلاصة أن تتبينوا أسباب رفض حزب العمال الشيوعي التونسي لفكرة الميثاق الوطني فتصوره لمعالجة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وفهمه للهوية انطلاقا من التزامه بمصلحة الشعب والوطن بعيدا عما يريد "الميثاق الوطني" أن يكرسه.

هذا موقفنا وبقية الأطراف حرة في أن تلتزم بما تشاء شريطة أن لا يمس ذلك من حقوق الآخرين ومن حريتهم ويبقى الشعب هو الحكم.

حزب العمال الشيوعي التونسي

"البديل" 5 أفريل 1990

ملاحظة

ملاحظة: نشرت هذه المداخلة التي قدمت أمام لجنة صياغة الميثاق الوطني في نهاية سبتمبر 1988 بجريدة البديل يوم 5 أفريل 1990
.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني