الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987 > بمناسبة الذكرى العاشرة للسابع من نوفمبر: 10 سنوات أخرى من الوقت الضائع على (...)
الفهرس
حزب العمال الشيوعي التونسي: موقف ثابت ومتماسك من انقلاب 7 نوفمبر 1987
بمناسبة الذكرى العاشرة للسابع من نوفمبر: 10 سنوات أخرى من الوقت الضائع على تونس!

10 سنوات أخرى من الوقت الضائع على تونس بعد ان كان الكثيرون صدقوا في بدايتها أن "لا قهر بعد اليوم!"

10 سنوات مرت على خلع بورقيبة للانتصاب مكانه ومواصلة سياسة الظلم والاستبداد والاستغلال والتبعية بما جعل بلادنا وهي على مشارف القرن القادم حالة شاذة بين بلدان العالم ومواطنوها لا كمواطني المعمورة.

10 سنوات من المراوحة في مكان واحد بل ومن التقهقر وضرب الحقوق المكتسبة التي فرضها الشعب التونسي وقواه التقدمية بالتضحية والنضال ضد الاستعمار ثم ضد حكم بورقيبة، سواء ما تعلق بالصحافة والإعلام، أو بالتعبير والرأي، أو بالجمعيات والتنظيم، أو بحق الشغل، وحق التعليم، وحق العلاج، وغيرها. إن بعض تلك الحريات لم يعد محظورا (ولو إلى حد) حتى عند أمراء العرب وملوكهم وعند جنرالات إفريقيا وهو ما يزال عندنا يعاقب عليه قانون جائر جدير بعصور الانحطاط.

10 سنوات يشهد على حصيلتها الكالحة في مجال السياسة ارتفاع عدد محاكمات الرأي والمساجين السياسيين وضحايا التعذيب والقضايا الملفقة وترسانة القوانين والممارسات التعسفية المنتهكة لأبسط حقوق الإنسان التي ما انفكوا يزعمون رعايتها، وآخرها مشروع القانون الذي يستكمل دائرة القمع المنهجي بمطاردة الأصوات المعارضة حتى خارج بلادها وقطع صلاتها مع العالم، وهو إجراء لا يجد مثالا له اليوم إلا في طغمة برمانيا العسكرية الملفوظة دوليا.

10 سنوات من المراقبة البوليسية المكثفة ومن تضخم جهاز القمع حتتى صار وراء كل 100 مواطن عون بوليس بعد أن كانت السلطة على يد وزير داخليتها قبل 20 عاما تتبجح بتخصيص بوليس لكل 500 مواطن.

10 سنوات من تسمّع المكالمات الهاتفية الخاصة والتضييق على حرية المراسلة والتنقل والسفر والحرمة المنزلية.

10 سنوات من تلجيم الصحافة والقضاء على كل أثر لصحيفة معارضة أو مستقلة وتحويل الإعلام إلى ملكية خاصة تتحكم فيها السلطة والجهات المتنفذة داخلها، وحصر وظيفته في تلميع صورة الحاكم واحتراف الكذب والتزوير والدعارة.

10 سنوات من تدجين المنظمات والجمعيات والتدخل في شؤونها الداخلية ومحاصرة كل نفس استقلالي داخلها، وما الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والاتحاد العام لطلبة تونس إلا مثالا فقط.

10 سنوات من اغتصاب الحكم وإقامته على الإرهاب البوليسي واستغلال النفوذ وإفراغ مضمون الجمهورية بتزييف إرادة الشعب عبر انتخابات صورية ومزورة تفرز دائما "فوز" الحزب الحاكم منذ 40 عاما ونيف لم يعرف شعبنا طيلتها انتخابات رئاسية أو برلمانية أو بلدية حرة، لم يعرف الديمقراطية، لم يتسن له أن يبلغ صوته وأن يختار ممثليه دون ضغط أو إكراه. وقد أبقت نسبة ..,99% نظام الحكم في بلادنا أضحوكة القاصي والداني.

إن الفاتورة الثقيلة التي دفعها حزبنا، حزب العمال، "غير المعترف به" خلال هذه السنوات العشر، من حرية مناضليه ومن حياتهم، ما هي إلا عينة فقط.

10 سنوات من السياسة الاقتصادية والاجتماعية المؤدية إلى الخراب والإفلاس، الموسعة للهوة بين الأغنياء والفقراء ، المشجعة على مزيد التدخل الأجنبي والنهب الاستعماري الجديد.

10 سنوات مما سموه "برنامج الإصلاح الهيكلي" الذي أملاه عليهم صندوق النهب الدولي، لم تنتج سوى مزيد الفاقة والبطالة والضرائب وانسداد آفاق الشغل أمام خريجي الجامعة وحملة الشهادات العليا والمختصة، ومزيد إغراق المؤسسة الاقتصادية التونسية في غابة "العولمة" ورهن المستقبل بين أيدي كبار المضاربين الدوليين، والمافيا المحلية الجديدة، مافيا"الخوصصة" و"التأهيل" التي تستولي على الملك العام، مافيا عائلات السابع التي فاقت جميع مافيات العهد السابق.

10 سنوات من الفساد: الرشوة ضاربة أطنابها من الفم إلى القاع، حتى صار يصعب وضع خيط في إبرة دونها، والأكتاف والتدخلات والعلاقة بالحزب الحاكم وبالبوليس كادت تصبح الطريقة الوحيدة لقضاء الحاجيات ويخضع لها جانب كبير من الانتداب للشغل ومن إسناد للرخص والمنح الدراسية وبطاقات العلاج و"المعونات" وهكذا صار هنالك في تونس نوعان: واصلون ومحميون، وغير الواصلين العراة.

10 سنوات من العاهات الاجتماعية والأخلاقية الناجمة عن تعمق الفوارق الطبقية والبطالة والحيف والخوف، مثل البغاء والسطو والتسول والوشاية والإدمان بأنواعه والجريمة بأنواعها وهي مرشحة للتفاقم مع تواصل نفس السياسة.

10 سنوات من تهرئة صفوف وقدرات الطبقة العاملة بتناقص نصيبها من الدخل الوطني عاما بعد عام وبغلق المؤسسات ومضايقة الحق النقابي ودهورة ظروف العمل والطاقة الشرائية التي لا يمكن لزيادات الغبن السنوية أن توقف تدهورها أمام تيار تحرير الأسعار ونسب الاقتطاع باسم الضرائب، وتقليص خدمات الدولة، وأمام تواطؤ السحباني وجماعته الذين تحولوا بدورهم إلى أصحاب ملايين.

10 سنوات من النهب المنظم تحت عناوين "التضامن الوطني" والذي ألحق الضرر بصغار ومتوسطي الفلاحين والتجار والصناعيين والحرفيين فضلا عن التي تسببها السياسة الاقتصادية المتبعة، الخادمة لمصالح الحوت الكبير، وهو نهب يقدم بعض محصوله باسم القصر والحزب الحاكم كـ"مساعدة لضعاف الحال" مما عزز عقلية الصدقة المهينة وألبس الحق لباس المنة وأهدر عزة التونسي.

10 سنوات من تدجين الشباب وقمع تطلعه، نحو الحياة الكريمة، من عسكرة الجامعة والمؤسسات التربوية، التي أصبحت تمثل ظاهرة استثنائية في عالم اليوم، ومن إطلاق العنان لثقافة الميوعة وضيق الأفق

10 سنوات من ثقافة "الانسجام" والاستهلاك المبلدة ومن محاصرة الفكر الحر وإقصاء المبدعين الحقيقيين الرافضين بيع ذمتهم.

10 سنوات من تسليط عبودية جديدة على المرأة باسم تحريرها، من اختصارها في جسدها كبضاعة إشهارية لتدوير عجلة التجارة الكاسدة والصحافة البائرة والثقافة الضحلة (أنظر صورة المرأة في السينما، على الشاشة الصغيرة والملصقات، وحالها كاتبة بالإدارة، وحالها خادما، وحالها زوجة سجين سياسي…).

10 سنوات من الانخراط في التطبيع مع الكيان الصهيوني ودفع مسيرة الاستسلام تحت مظلة أمريكا التي تفرض حصارها الجائر على الشعبين الشقيقين العراقي والليبي.

وبعد، قد نجاب بأن الاقتصاد ماش، والأمن مستتب، والاستقرار متوفر... قد يقارنون وضعنا بوضع الجارة الغربية..إلخ. لكن ينبغي أن يكون الإنسان جاهلا كي يصدق إن اقتصادا تتحكم فيه السياحة وتقلبات المناخ والاستثمار الأجنبي والسوق الامبريالية إقتصاد صحته جيدة، أو أن اقتصادا تجني ثمرته أقلية بورجوازية جشعة مقابل فقر الأغلبية اقتصاد قوي وسوي.

أما قصة الأمن والاستقرار فلا أحد يجهل أنها قصة من النوع البوليسي نسجها الرعب وتكميم الأفواه فكانت الاستقالة وترك الشأن العام والعزوف عن الحياة السياسية، وكان الهدوء الشبيه بهدوء ما قبل العاصفة.

وأما المقارنة مع الجزائر فلا تستقيم لأن حالة الحصار لئن كانت معلنة هناك فهي مطبقة في تونس كما يتندر بذلك البعض. وإن كانت السلط التونسية تتسبب بالخطر الأصولي لتغطية تسلطها وحرمان مواطنيها أبسط حقوقهم السياسية فإنها بصدد تصعيد النقمة ضدها لدى الناس ودفعهم إلى الارتماء في أحضان الشيطان للخلاص من جبروت أعوانها والثأر لكرامة مهدورة. إن سلطة السابع تعد الأرضية الملائمة للنشاط الظلامي بضربها للروح النقدية وحق الاختلاف وبنشرها لثقافة العرافين واستغلالها للدين (خطب الجمعة، الخطاب الانتخابي...) وفرضها لعبادة الحاكم الفرد.

10 سنوات أخرى ضاعت على تونس! فهل يملك حكام 7 نوفمبر المحتفلون هذه الأيام بعهدهم الجديد الشجاعة والثقة كي يسمعوا هذا الكلام في وضح النهار؟

إن ما تحتاجه بلادنا مباشرة ودون تأخير قبل أن تهاجمها شمس القرن القادم، هو قيام نظام ديمقراطي يضع حدا للدكتاتورية ويفتح الطريق أمام ممارسة السيادة الشعبية وتطبيق شعار دولة القانون والمؤسسات على أرض الواقع، ويحول دون انتعاش المشاريع الظلامية وهو ما لن يتحقق بواسطة الطغمة النوفمبرية ومعها بل فقط خارجها وضدها وعلى أنقاضها.

إن إطلاق الحريات هو الذي سيسمح بالنقاش المفتوح لبقية الملفات (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والديبلوماسية) وباستفتاء الشعب الحر والواعي وتقرير الاختيارات التي تخدم مصالحه ومصالح الوطن.

إن الأمية السياسية التي يعاد فرضها عليه لن تخدم إلا أعداء الاستقلال والديمقراطية والعدالة الاجتماعية!

وحزب العمال الشيوعي التونسي يغتنم هذه المناسبة ليؤكد حقه في النشاط العلني الذي ما تزال السلطة تأباه عليه، ويذكّر بمطالب الساعة التي هي مطالبه ومطالب الحركة الديمقراطية:

- العفو التشريعي العام.
- إطلاق حرية الصحافة والتعبير والتنظم والانتخاب والتظاهر والاجتماع بدون قيد أو شرط.
- فصل الحزب الحاكم عن الدولة والإدارة
- حل أجهزة البوليس السياسي
- محاكمة مجرمي التعذيب والتعويض لضحاياه
- إلغاء برنامج الخراب الهيكلي وضبط سياسة اقتصادية واجتماعية توفر للشعب الخبز والشغل والعلاج والتعليم المجانيين وأسباب العيش الكريم
- مقاومة الفساد مقاومة فعلية وفي وضح النهار.
- معا، معا ضد الدكتاتورية والاستغلال والتبعية والفساد.
- خبز حرية كرامة وطنية

حزب العمال الشيوعي التونسي.

7 نوفمبر 1997


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني