الصفحة الأساسية > البديل الوطني > الحركة الاجتماعية تطل برأسها
الحركة الاجتماعية تطل برأسها
هل هو النهوض؟
تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

لا يكاد يمر أسبوع، هذه المدة، دون أن نسمع أن عمال مؤسسة من مؤسسات القطاع الخاص أو أجراء قطاع من القطاع العام، اتخذوا قرارا بالإضراب عن العمل في هذا التاريخ أو ذاك احتجاجا على إمعان السلطة والأعراف في الاعتداء على لقمة عيشهم أو على مكسب من مكاسب الشغل التي حققوها بفضل نضالاتهم.

ولا تنحصر الاحتجاجات في العمال والأجراء، بل إنها امتدت إلى الأوساط الشعبية من سكان المدن والقرى على غرار ما جرى في بن قردان وبن عون والرقاب والخمارة (ولاية المهدية) والشابة، إلخ. وتكاد تكون الأسباب، في كل الأماكن، واحدة وهي الاحتجاج على البطالة والفقر وتردي الخدمات الاجتماعية (الصحة، التعليم، المحيط...) وتفشي والفساد والمحسوبية و"الجهويات"، إلخ.

كما أن الاحتجاجات شملت الجامعة. فمنذ انطلاق السنة الدراسية الحالية تكاثرت الاعتصامات في العديد من المدن التي توجد بها مراكز جامعية، وتركزت هذه الاحتجاجات على موضوع السكن الذي يعاني منه الطلاب، إناثا وذكورا في مطلع كل سنة جامعية. وليست معضلة السكن إلا واحدة من المعضلات الكثيرة والشائكة التي يعاني منها الطلبة وتعكس تردي التعليم الجامعي ككل في بلادنا.

ومن المنتظر، أن لا تتوقف التحركات التي تشهدها الساحة الاجتماعية عند هذا الحد، بل الأرجح أن تتواصل وربما تتصاعد بالنظر إلى إمعان السلطة في تجاهل المطالب المشروعة للمضربين والمحتجين ورفضها التفاوض معهم أو مع من يمثلهم وجنوحها المستمر إلى استعمال القوة البوليسية الغاشمة لإسكاتهم مع المضي قدما في تحميلهم تبعات الأزمة الاقتصادية التي لا مسؤولية لهم في الاختيارات التي ولدتها، باتخاذ المزيد من الإجراءات التي تفاقم المشاكل التي يعانون منها.

وإلى ذلك فإن من أسباب الاحتقان الاجتماعي التي ما انفكت تغذيه، هو الغبن الذي يشعر به أبناء الشعب وبناته وهم يرون كيف أن حفنة من العائلات المتنفذة تستولي على مقدرات البلاد الاقتصادية وتعيش في البذخ والترف على حسابهم وحساب كدحهم وشقائهم، مستغلة ما لديها من نفوذ سياسي وهي لا تتورّع اليوم عن إطلاق حملة مناشدات لإبقاء بن علي في السلطة وربما لتعيين وريث له حتى تضمن استمرار سيطرتها على الحكم، مدعية أن تلك هي "رغبة الشعب"، "اعترافا" منه لبن علي بما حققه له من إنجازات مزعومة.

إن ما ينبغي الانتباه إليه، حتى لا تفاجئنا الأحداث، ولا تفاجئ الحركة الديمقراطية ككل، هو أن الاحتقان الاجتماعي قد يتطور وينفجر في أيّ لحظة من اللحظات. إن الحركة ما تزال في بداياتها، بل إنها رغم كل المؤشرات الإيجابية لم تخرج بعد وبشكل نهائي من حالة الركود التي ميزتها خلال العقدين الأخيرين. فالإضرابات العمالية ما تزال مشتتة ومجزأة، وكذلك التحركات الطلابية والشعبية التي لا تزال محصورة في بعض المناطق. ولكن هذا الوضع قد يتغير بسرعة، لا لشيء إلا لأن عوامل الانفجار تتكاثر وعودنا الشعب التونسي خلال العقود الأخيرة، بل حتى قبل ذلك، بأن صبره له حدود.

إن القوى الديمقراطية مدعوة اليوم إلى تحمل مسؤولياتها. فالحراك الاجتماعي الذي نراه، يوفر لها الفرصة للخروج من تقوقعها وتطوير قاعدتها الشعبية. ولن يتم لها ذلك إلا بتبني مطالب العمال والأجراء والعمال والطلاب والمعطلين عن العمل وغيرهم من الفئات الشعبية وإيجاد أفق لتحركاتهم ونضالاتهم حتى تتحول إلى جزء من حركة تغيير عامة من أجل وضع حد للاستبداد والاستغلال الفاحش والفساد وإقامة نظام ديمقراطي بحق لا في اختياراته السياسية فحسب بل كذلك في اختياراته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

إن الظروف مناسبة اليوم لتكسير الإستراتيجية الخبيثة التي اعتمدتها الدكتاتورية حتى اليوم ومكنتها من ربح وقت كثير والتي تتمثل في عزل الحركة السياسية عن الحركة الاجتماعية والشعبية والعكس بالعكس، عن طريق القمع والمناورات التي تشترك في تنفيذها وتكريسها البيروقراطية النقابية والقوى الانتهازية متعددة المشارب.

إن مواجهة مشروع "التمديد والتوريث" اليوم، وهو المشروع الذي يكرّس الرئاسة مدى الحياة والحكم الفردي المطلق، لا يمكن أن تتم بنجاح إلا إذا تحولت إلى مواجهة عمالية وشعبية وهو ما لن يتم إلا إذا تمكنت الحركة السياسية، الديمقراطية، والوطنية، من تطوير وعي الشعب، عبر الالتحام به وبمشاغله وهمومه، كي يدرك الخيط الرابط بين واقعه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي من جهة وواقعه السياسي من جهة أخرى، وبالتالي كي يدرك الخيط الرابط بين الاستبداد من جهة والبطالة والفقر والتهميش وغلاء المعيشة والفساد وغيرها من المعضلات التي يعاني منها من جهة ثانية، وهو ما يؤكد ضرورة الترابط بين تحرره الاقتصادي والاجتماعي وتحرره السياسي.

ومن النافل أن المعارضة الديمقراطية لن تقدر على القيام بواجباتها إزاء الحركة الاجتماعية والشعبية اليوم إلا إذا وحدت صفوفها على قاعدة أرضية تجمع بين التصدي لـ"التمديد والتوريث" من جهة وللمظالم الاقتصادية الاجتماعية التي يسلطها هذا الاستبداد على مختلف الطبقات والفئات الكادحة والشعبية من جهة أخرى.

إن توحد المعارضة على مثل هذه الأرضية سيساعد على توسيع قاعدتها الشعبية رغم الحصار البوليسي والإعلامي الذي يفرضه عليها نظام الحكم. إن انحصار المعارضة ليس ناجما عن القمع فحسب بل كذلك على تشتتها وعن عدم اهتدائها للأرضية المشتركة التي تقويها وتقوي الحركة الاجتماعية والشعبية أيضا وتخلق كلها آفاقا أرحب. فهل تستغل المعارضة بدايات النهوض الاجتماعي والشعبي لتقلع عن الحسابات الفئوية الضيقة وتكسب من عوامل القوة ما يجعلها قادرة على التأثير في مجرى الأحداث وقلب موازين القوى؟ هل نرى مختلف فصائل المعارضة تلتقي في أقرب الآجال لتضع تكتيكا مشتركا لمواجهة التحديات الراهنة؟



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني