الصفحة الأساسية > البديل الوطني > معهد الطّيب المهيري ومُعضلة التّربية
منزل تميم:
معهد الطّيب المهيري ومُعضلة التّربية
15 كانون الأول (ديسمبر) 2011

تأسّس معهد نهج الطيّب المهيري بمنزل تميم مُنذ مطلع الستّينات كأحد أوائل معاهد الوطن القبليّ وكان قِبلة تلاميذ مرحلة ما بعد 1956 تخرّجت منهُ نُخَبٌ وزاول فيه العديد من الإطارات التّدريس. واشتهر مُنذ السّبعينات خاصّة بعد إضراب تلاميذ اليسار في 1976 وما تلاها وتشكّلت فيه نواتات للوعي الثّورِيّ يشهدُ بها خاصّةً رُوّاد إتّحاد الشّباب الشّيُوعِيّ وغيره من التّنظيمات التي حملت لواء مُقاومة الدّيكتاتورِيّة بشِقَّيْها.

هذا المعهد العريق يمُرّ الآن بمرحلة سيئة جعلته محل انتقادٍ واستياءٍ حتى أن تلاميذه أصبحوا يُسمُّونَهُ على إحدى صفحات مُنتدى التّواصل الاجتماعيّ «كوري(إسطبل) نهج الطيب المهيري بمنزل تميم».

معهد ضخم

يضُمّ المعهد اليوم 165 أستاذة وأستاذ يتوزّعُون بين مُختلف الاختصاصات لما بعد التّوجيه، كما يتحمّل عبء 2300 تلميذة وتلميذ يتوزّعُون بدورهم على حوالي 63 قاعة وعدد هامٍّ من الإداريّين وعملة التّربِية، إضافةً لمبيتٍ تلمذِيٍّ ومطعم وقاعة ألعاب رياضيّة مُغلقة وملعبَيْن إثنين مُمتدًّا على آلاف الأمتار المُربّعة وفي قلب المدينة.

رحلة التردي

انطلقت رحلة التردّي من لحظات الإعلان عن نتائج الباكالوريا التي لم تعُد تصلح كمُناظرة وطنِيّة لا من حيث نِسب الإسهام الرُّبعِيّ السّنوِيّ (25 بالمائة) التّعيسَة ولا من حيث المضامين التّربوِيّة. كان الإعلان مُخيِّبًا للآمال رغم التضافر النِّسبِيّ للجُهُود من أجل إنجاح السّنة التي أرادتها قُوى مُعاداة الثّورة سنةً فاشِلة.

ومُنذ انطلاق السّنة الدراسية الحالِيّة، ورغم استعدادات النّقابة الأساسِيّة للتّعليم الثّانوِيّ والعديد من مُكوّنات المُجتمع المدنِيّ فإنّ حملات وحملات مُضادّة ارتكزت في معظمها على مُعطيَات حقيقِيّة جعلت من حالة المعهد على جميع الأصعِدة لا تُطاق.

على شفا حفرة...

اتّصلت «صوت الشّعب» بالعديد من المُربّين والتّلاميذ والإدارِيّين فكان الإجماع أنّ المعهد على شفا حُفرةٍ من النّار ولم يعُد صالِحًا للتّدريس ولا لتلقّي العِلم في ظِلّ ظُرُوفِهِ الحالِيّة بما يتطلّبُ وقفة جادّة ومسؤُولة من كُلّ الأطراف ذات العلاقة للنُّهُوض بإحدى منارات العلم وتنشِئة جيلٍ ساهمت منه غالبِيّة في نحت معالم البلاد.

اكتظاظ وتسيّب

تتلخّصُ أهمّ إشكالِيّات المعهد في حالة من الاكتظاظ والتّقادُم وغياب الصّيانة وقِلّة النّظافة وانعدام الانضباط تجاوزت الحُدُود والتوقُّعات بما جعل منه فِعْلِيًّا في نظر أوساط واسعة من تلاميذِه «كُورِي» غير صالح للاستعمال البشرِيّ وتشهدُ بذلك مراحيض قُبالة قاعة الأساتِذة التي تتراكمُ فيها بدورها الأترِبَة وجعل منها مُنَفِّرة للإطار التّربوِيّ وإثر تقصِّينا عن حجم الميزانِيّة المرصُودة للمعهد علِمْنَا أنّ مبلغ 150 ألف دينار هُو حجم مُخصّصات المالِيّة..! يتساءل القاصِي والدّانِيّ عن مآلها أمام تآكُل طِلاء الجُدُران واحتياج الأساتِذة أحيانًا لطباشير لا يجِدُونه ومُختبراتٍ تجاوزها العصر وعفا على تجهيزاتِها الزّمن. ترافقت مع الحالة المادّية المُزرِية لعملة التّربِية نظرًا لِضُعْفِ أُجُورٍ جعلت منهُم مُغترِبِين عن عملهِم.

ظروف عمل تعيسة

مشهدُ المطعم كفيل بالحديث عن نفسِه والمبيت بدوره يُعانِي من الوضعِيّة اللاّصِحيّة ومن ضيقِهِ بما يحمل من تلاميذ الظّهير الرِّيفيّ الواسع للمُعتمدِيّة عِلْمًا وأنّ حالة الاكتِظاظ الخانِقة جعلت من القائمين على الشُّؤُون التربوِيّة يقتطِعُون من المبيت قاعةً للتّدريس حالتُها سيئة يُزاوِل فيها التّلاميذ تحصيلهم الدّراسِيّ رغم المُطالبات المُتعدِّدة باحترام سُلط الإشراف للحدّ الأقصى المنصُوص عليه دُولِيًّا في كُلّ قاعة.

انحلال إداري

أمّا عن جداول الأوقات فقد كانت هذه السّنة كارِثِيّة بكُلّ المقاييس إذ طال عُمُر انتظارها ورافق الخلل بعضها لأواسط شهر نُوفمبر ولا أعتقد أنّنا نُبالِغ إذا ما قُلنا إلى يوم النّاسِ هذا بما جعل من حالة اللاّمُبالاة والعُزُوف حتّى عن التّدريس وتفشي عدم الانضباط لعددٍ لا بأس به من الأساتذة وأعدادٍ من كادر التّأطير والإرشاد في معهدٍ يعمل لوقتٍ قريبٍ بمُديرٍ وناظر وشكاوى من نقص القيِّمِين والقيّم العامّ والإدارِيّين وحركة إدماج ونُقَل غير مفهُومة وتكبيل الإدارة الجهوِيّة للتّعليم بمراسيم وقوانين يلُفّ البعض منها الغُمُوض والبعض الآخر مُصطبِغٌ بالاعتِبَاطِيّة والعشوائِيّة ترميها الوزارة كيفما اتَّفَق.

صيحة فزع

حالة معهد الطيّب المهيري بمنزل تميم تحوّلت إلى ِظاهرة مَرَضِيّة عنوانُها الانفلات وانعِدَامٍ شبه كُلّي للانضباط ومُناورات لبعض قُوى الظّلام قصد تهميش دور الإطار التّربوِيّ وبثِّ البلبلة وكسر دور النّقابة وانتشار ذِهْنِيّة اللاّمُبالاة وقذارة تعُمّ الأروِقَة وتقادُم التّجهِيزات وتحوُّل قاعات الدّرس لشواهِد على التّارِيخ والقِدَم أكثر منها فضاءات تعليم مع سُورٍ غير قادِر على حماية المُؤسّسة وهي عوامِل خَلَقَت حالةً من شبه إجماعٍ حاصِلٍ حول ضرُورة تقسيم المعهد إلى نصفيْن بما يعنيه من توسيع للإدارة وتخصيص اعتمادات أكثر وانتداب إطارات تربوِيّة وإحكام السَّيْرُورة الدِّراسِيّة تقطع مع التّملمُل وتواتر حملات الاتّهام وتبادُل الشّتائم وتوسيع الهُوّة الفارقة بين مُؤسّسات التّربِية والمُواطِن وتُؤسِّس جِدِّيًّا لجيلٍ يبني تُونس ما بعد 14 جانفي.

رمزي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني