الصفحة الأساسية > بديل الشباب > نظام بن علي لا علاقة له بحقوق الإنسان
الذكرى 62 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
نظام بن علي لا علاقة له بحقوق الإنسان
30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010

يوم 10 ديسمبر 2010، تنتظم في مختلف أنحاء العالم تظاهرات احتفالية عديدة بمناسبة الذكرى 62 لصدور "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، وهي فرصة لكل مناضلي الحرية والتقدم في كل البلدان والقارات من كل الأعراق والأجناس والقوميات والأديان والعقائد والتيارات الفكرية والسياسية لتقييم أوضاع حقوق الإنسان من جهة، وتجديد العهد بمواصلة النضال من اجل تكريس تلك الحقوق وتطويرها وتعميقها ومقاومة كل انتهاك لها من أي جهة كانت، من جهة أخرى.

وإذا كان النظام التونسي بانخراطه في الأمم المتحدة، قد صادق آليا على هذا الميثاق، مما يعني التزامه ببنوده والتقيد به، فإن الوقائع اللاحقة أثبتت عكس ذلك. وكلما أكثر النظام من الضجيج حول الديمقراطية وحقوق الإنسان كان ذلك مقدمة لإخفاء انتهاكها البشع والممنهج.

وإذا كان الشعب التونسي بكافة فئاته وبطليعته الحية يكتوي بنار الاضطهاد والاستغلال بدءا من أبسط حقوقه الأساسية في المساواة والحرية والكرامة إلى حقه في التعبير والتنظم، فإن الشباب التونسي يمثل حقلا خصبا ومخبرا تجري فيه كل ألوان القمع والانتهاك والتنكيل.

ففي تونس، مازال الشباب ضحية سياسة اللامساواة التي ينتهجها نظام الحكم في جميـع مظاهرها ومستوياتها. فالتمييز مازال قائما بين الجنسين ممارسة وتشريعا، والتمييز الاجتماعي ركيزة من ركائز الحكم، والخلل واضح فاضح بين موقع كل من الفقير المحتاج، وموقع الثري الميسور حيث يخوّل له انتماؤه الطبقي كل الامتيازات وكماليات الحياة. والتمييز يحصل كذلك على قاعدة الانتماء الفكري والعقائدي والآراء السياسية والنقابية. فمعارضو السلطة ومنتقديها لا يتمتعون بالامتيازات التي يتمتع بها الموالون لها.

وأخيرا فإن التمييز على قاعدة الانتماء الجهوي هي سمة الحكم وأصبح الجميع يعلم أن نيل الحقوق رهين الانتساب الجهوي. ولنا، ككل الشباب المحروم، أن نتساءل: أين نحن من مبدأ "يولد جميع الناس أحرارا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميرا، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء.

وفي تونس مازال الشباب الأكثر عرضة للسجن والتعذيب والطرد التعسفي من الدراسة والعمل. ولنا في الجامعة المثال الحيّ على ذلك بحيث نصبت السلطة المحاكمات الجائرة لمناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس ولجميع الحساسيات الناشطة في الحركة الطلابية، ومنهم مناضلي الاتحاد على خلفية قضية منوبة، ومنهم محاكمة مناضلي المهدية وسوسة والأمين العام للاتحاد، ومنهم كذلك مئات من الشباب المسجون بموجب قانون "الإرهاب" سيء الصيت.

ويعاني الاتحاد العام لطلبة تونس، المنظمة القانونية النقابية الوحيدة والناطقة باسم عموم الطلبة من الحصار والتضييق على أنشطتها ونشطائها ومنع إنجاز مؤتمرها بالقوة الغاشمة، وكل ذلك حتى يتسنى للسلطة تمرير مشاريعها اللاشعبية واللاديمقراطية وحتى لا يلعب الشباب الطلابي دوره الرائد في التصدي لسيناريوهات التمديد والتوريث والدوس على إرادة الشعب.

فأين نحن من مبدأي "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير"، و"لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده..". وفي تونس أيضا، فإن واقع التعليم لا يتطور في عهد بن علي، وإنما يزداد سوءا ورداءة على قاعدة الميز والحيف. فلقد تخلت الدولة تدريجيا عن تحمل نفقات التعليم العمومي فزادت في معاليم الترسيم والسكن الجامعي والأكل، وخفضت في المقابل، في عدد الطلاب الممنوحين. وفي الوقت الذي تغدق فيه السلطة أموالا طائلة على البوليس وأصحاب رأس المال، فإنها تحمل عبء الإنفاق على ميزانية التربية والتعليم على كاهل المواطن التونسي وخاصة الكادح والعامل.

ومن جهة أخرى، فقد تمت مراجعة جميع برامج التعليم لإخضاعها فكريا وسياسيا وإيديولوجيا لمصالح الدكتاتورية حتى يحرم الطالب والتلميذ من روح النقد والتفتح على المذاهب الإنسانية التقدمية... إن الهدف من كل ذلك هو تخريج قطيع خانع ذليل لا يهتم بالشأن العام، ولا يتصدى لسياسة التجويع والاستغلال.

إن هذا التعامل مع الشباب المثقف ومع فضاء التربية هو لعمري على طرف النقيض من مبدا "لكل شخص الحق في التعليم..."، و"يجب أن تهدف التربية إلى إنماء شخصية الإنسان إنماء كاملا...".

وفي تونس أصبحت البطالة معضلة العصر، ففيها يتكثف فشل السياسة الاقتصادية للنظام الحاكم مع الفساد الإداري والمالي مع التدهور التنموي. فالإقصاء الاجتماعي والحرمان من اقتسام ثروات البلاد بشكل عادل وتكدس الثروات بين أيدي قلة من المحظوظين المقربين من العائلة الحاكمة هو ما عمق الفوارق الطبقية بشكل مفجع، وخلق جيوشا من المعلطين المحرومين من دائرة الإنتاج تتألف من شباب الأحياء الفقيرة والجهات الفقيرة. وطالت البطالة شريحة جديدة من خريجي الجامعات (قرابة 200 ألف معطل عن العمل). ولا تبذل الدولة أي مجهود للتصدي لهذه الآفة الاجتماعية التي تحكم على نسبة هامة من السكان بالفقر والإملاق وتدفع بهم إلى اليأس والجريمة والبغاء. فالمعطل في تونس لا يتمتع بأي حماية اجتماعية، ولا يحصل على أي منحة.

لقد اعتبر بن علي بشكل علني ورسمي في أحد خطبه "أن الشغل في تونس امتياز وليس حقا". وهو ما يعفينا من مزيد تحليله لمقارعته بمبدأ "لكل شحض الحق في العمل وله حرية اختياره بشروط عادلة، كما أنه له حق الحماية من البطالة".

إن إدراك انتهاك حقوق الإنسان في تونس. لا يحتاج إلى نفاذ بصيرة ولا إلى عمق التحليل. ففي مجتمع تستأثر فيه أقلية طبقية بثروات البلاد وخيراتها بينما تعاني الأغلبية من الفقر والخصاصة والبطالة والتهميش، فإن الحديث عن احترام "حقوق الإنسان" هو ضرب من المثالية، فالمساواة بين جميع أفراد الشعب تقتضي أن تتوفر العدالة الاقتصادية والاجتماعية لتوفير نفس الحظوظ. وما أبعدنا في تونس عن العدالة الاقتصادية والاجتماعية !

إن القوى الحية، وفي طليعتها الشباب التونسي، بما يزخر به من حيوية وتحفز للنضال والإبداع، عليه أن يعي أن الحقوق لا يمكن أن تهدى، وإنما تفتك. وأن تجربتنا مع نظام الحكم القائم قد بينت أنه يقف على طرف النقض من مصالح أبناء الشعب الكادح، وأن أول خطوة في سبيل الانعتاق تبدأ بالوعي بذلك لكي يتسنى في ما بعد التصدي لهده السياسة اللاشعبية واللاديمقراطية واللاوطنية.

إن دورنا التاريخي في التغيير الديمقراطي الحقيقي يبدأ بإفشال مناورات السلطة للتمديد أو التوريث وتعبئة الشباب بمختلف انتماءاته الفكرية والسياسية والطبقية للعب دورها القيادي في ذلك. ‘ن تكريس حقوق الإنسان وتجذيرها وحمايتها لا يتم في ظل نظام قمعي وعميل، وإنما على أنقاضه وبناء مجتمع تتوفر في ظل نظام ديمقراطي شعبي.



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني