أشتهي، عندما تجتاحني الرتابة، أقصوصة تحشرني في ثناياها وأتعرّف أمكنتها وأعدّل ميقاتي على زمانها وألهث معها في سلّم الصّعود وتكون شخصياتها فقيرة لا تميّزها بطولة ولا جمال، تلك أجدها محبّبة إلى قلبي وأشتهيها.

أشتهي، عندما أفرك عينيّ، لوحة أعلّقها على جداري وكلّ ليلة تحكي حكاية وكلّ صباح تتجدّد أشكالها وتتولّد أضواؤها وتظلّ دوما مليئة بالأسرار المنشورة في أحلام شهوات المحرومين.

أشتهي، عندما أتعب، موسيقى بآلات لا أعرف أشكالها وبإيقاعات لا أعرف مقاماتها تأخذني لعوالم لا أعرف مداراتها، وأشتهيها.

أشتهي، عندما يجتاجني الصدأ، رقصة ينطق بها جسدي حكايا وتُحْدِث بها أقدامي إيقاعا وأطرافي طيرانا وأوصالي وصالا أشتهيه.

أشتهي، لمّا أكون في فْريقا نواحي مسقط رأسي، قصيدة تقفز كلماتها على جنبات الوادي وحواشيه وتطير فتحطُّ وتطير فتحطّ ثانية في جراح الأرض كما فراخ الحجلة تطير لتحطّ بين طوبتيْ خطّ المحراث. كذلك كلمات قصيدتي تنبت من شهوة الطين وتطير على أجنحة النور لتعود إلى الطين حبلى فتندس كالبذرة الشهوانية الواعدة.

أشتهي، عندما تسدّ طريقي الأقدارُ المزوّرة، مسرحيةً من روح المسرح القديم يتحرّك فيها الأبطال في أثوابهم الناصعة البياض والداكنة السّواد والزاهية الحمرة ويجرجرونها بتؤدة وفخامة فيواجهون الآلهة وجها لوجه بإرادة الإنسان العنيد ويحققون مبتغاهم أو دونه يحققون ذواتِهم ولو بهلاكهم. وفي كلا الحالتين تتحطّم الأقدار المزوّرة وتنهزم الآلهة المغرورة بشهواتها.

أشتهي، بعيدا عن الجوع والشبع، خبزا أسود عركته أياد سمراء من نخالة القمح المحمودي ومعه جبنة الراعي البيضاء الملفوفة في حزمة الكليل المعلقة في الصنوبرة الظهرية، هذا الأكل، بعيدا عن الجوع والشبع، أشتهيه.

أشتهي، عندما أشتهي، فنجان قهوة تجتاحني رائحة بنّه إذْ تستبق فيضان الركوة بلحظة فأشتهيه.

أشتهي، في بدايات الربيع، كأس جعة مثلّجة ثلثه رغوة وثلثاه رغبة... بل شهوة.

أشتهي، في مساءات الشتاء الباردة، كأس خمرة حمراء مُعتّقة مُعطّرة ينزل لهبُها بردا وسلاما على مشتهيها.