الصفحة الأساسية > البديل الوطني > إذا الشعب يوما أراد إسقاط النظام
إذا الشعب يوما أراد إسقاط النظام
3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

تحاول بعض أبواق الدعاية تشويش الوعي السياسي لدى جماهير الشعب بالترويج لما يفيد أن نظام بن علي سقط بعد فراره وأن عهد الدكتاتورية قد ولّـى وإنه لم يعد من الممكن العودة إلى الوراء وهلمّا جرّا من محاولات الدمغجة والسفسطة والافتراء.

وتنطوي هذه المحاولات على مسعى لتحقيق هدفين متوازيين، وإن كان الهدف الظاهر منها هو محاولة تخبيل الوعي السياسي لدى عامة الناس من البسطاء من خلال الترويج للمفاهيم السياسية الكاذبة. أما الثاني وغير الظاهر فيتمثل في محاولة صياغة موقف معارض لاستمرار حركة الثورة والحيلولة دون استكمال مهامها المطروحة.

هل انتهت الثورة؟

تزعم الأبواق المذكورة أنه بعد رحيل بن علي وبعد التزام الحكومة المؤقتة بتحقيق مطالب الثورة لم يعد هناك من مبرر لتواصل مظاهر الاحتجاج ولم يعد هناك من داع للاعتصامات والمسيرات وسوف تكون الانتخابات المحطة الرئيسية للقطع مع النظام «البائد» حسب قولهم. وتواصل في نفس الاتجاه لتتحفنا باكتشافاتها السياسية المذهلة مدعية أن صندوق الاقتراع سيكون العنصر الفاصل في طي صفحة الماضي وسيكون بداية لمرحلة جديدة تكون في قطيعة تامة مع نظام الحكم القديم.

إن الشعب بإدراكه الحسي فقط لا يمكنه تصديق مثل هذه المواقف الخرقاء. لقد مرّ الآن قرابة العشرة أشهر منذ انطلاق الثورة وتشعر فئات واسعة من الشعب أنه لم يتغير من جوهر الحياة السياسية والاجتماعية شيء ولم يطرأ على أوضاعها المعيشية أي تغيير، ولا ترى في الأفق شيئا يبعث في نفسها الامل، ولا يمكنها أن تصدق حسب إدراكها الحسي بالواقع الذي تعيشه أن الانتخابات القادمة ستكون وراء تغيير ظروف حياتها مهما كانت وعود الأحزاب المتنافسة على المجلس التأسيسي. وهذا لا يعني أن أغلب الفئات الشعبية التي أجبرت على العيش في الخصاصة والحرمان والبطالة والتهميش والحيف والظلم والتي يدفع بها نظام الحياة إلى الموت البطيء لا تملك مقياسا تدرك به مدى تطورات الواقع إلا من خلال التغييرات في أوضاعها الإجتماعية والاقتصادية المباشرة. وبما أن هذا الجانب من حياة معظم الناس لم يطرأ عليه أي تغيير فلا يمكن لها بالتالي الاعتقاد بأن انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ستضمن لها حلولا فعلية.

هل سقط النظام؟

ولنا أن نتساءل من جهتنا وبصفة جدية هل أن النظام الذي أراد الشعب إسقاطه قد سقط فعلا وولّـى دون رجعة كما يدعي البعض؟ وهل أن المجلس التأسيسي الآتي سيكون قادرا بالفعل على التخلص من النظام القديم وتأسيس نظام جديد أم أنه لن يكون باستطاعته سوى إعادة صياغة النظام القديم الذي لم يسقط بعد في شكل جديد ومظهر مغاير؟ كما هو من حقنا أن نتساءل أيضا كيف للقوى المهيمنة والمسيطرة والتي تجمع بين يديها السلطة والنفوذ الفعلي المالي والسياسي والعسكري وكل أجهزة القمع والإعلام والقضاء والإدارة أن تفـرّط هكذا وبجرة قلم «انتخابية» في نظامها والضامن الوحيد لامتيازاتها ومصالحها لفائدة قوى سياسية أو اجتماعية مناهضة لتلك المصالح ويمكن أن تشكل خطرا حقيقيا على مستقبلها؟

إننا نرى ضرورة وضع كل هذه التساؤلات حتى نتمكن في الإجابة عنها من صياغة الوعي السياسي العلمي للطبقة العاملة صاحبة المصلحة في إسقاط النظام وتغييره تغييرا كليا بما يستجيب إلى تحقيق مطالبها وأهدافها. ولا بد أن تكون إجاباتنا عن كل التساؤلات دقيقة لا تحتمل التأويل أو اللّبس. وتستدعي الإجابة توضيح كل المسائل المتعلقة بطبيعة الصراع الجاري الآن بصفة مباشرة وتقديم التوضيحات التالية:

كان الهدف السياسي الرئيسي الذي عبرت عنه ثورة 14 جانفي يتلخص في أن «الشعب يريد إسقاط النظام» ولنا أن نبيّن معنى هذا الشعار والمفاهيم المتعلقة به. ما هو مفهوم النظام؟ ونظام من يريد إسقاطه الشعب؟ وماهي علاقة النظام بالدولة؟ وهل أن النظام والدولة هما وجهان لعملة واحدة أم منفصلان؟

ما معنى النظام؟

النظام هو تلك الأشكال المختلفة التي تتخذها الدولة في الحكم وهو مظهرها الخارجي، وهي تلك الأساليب والطرق المختلفة التي تستعملها الطبقة المسيطرة لضمان مصالحها الاقتصادية والمحافظة على دكتاتوريتها وسلطتها السياسية على المجتمع. فكل دولة لها نظامها السياسي والاجتماعي الخاص بها. وهو نظام مفروض بقوة العنف المنظم للطبقة المسيطرة والسائدة. ويمكن لنظام الدولة أن يتغير حسب موازين القوى الطبقية. ولكن يستحيل تغيير مضمون النظام وجوهره من دون تغيير الدولة بالكامل عن طريق الثورة، لأن ارتباط الدولة والنظام هو ارتباط عضوي. فالدولة هي التي تشكل النظام وهي مصدره، فإذا أراد الشعب يوما إسقاط النظام فعليه أن يناضل في سبيل إسقاط الدولة التي بعثت به إلى الوجود.

وتعتبر مهمّة إسقاط النظام والدولة البرجوازية في آن واحد المحتوى الرئيسي والاستراتيجي لنشاط كل الحركات والأحزاب الشيوعية. وهي المهمة الاستراتيجية للثورة في المرحلة الراهنة والمقبلة. وبما أننا بصدد الحديث عن النظام لا بد من الإشارة إلى أن الدولة البرجوازية تمتلك أشكالا مختلفة من الأنظمة التي تعتمد عليها في الحكم تتراوح ما بين الحكم الفاشي والفردي المطلق إلى الديمقراطي بدرجات متفاوتة. ونرى من ناحيتنا بضرورة الإقرار بأن الدولة البرجوازية الديمقراطية هي حصيلة ذات أهمية لنضال الشعوب والإنسانية في طريق كسب حريتها بالكامل. ولهذا السبب فإننا لن نتجاهل اليوم ولن ندير ظهورنا إلى كل أشكال النضال المستهدفة تحقيق تغييرات ديمقراطية على شكل النظام والسلطة بما يسمح لنا من الرفع من قدراتنا السياسية والعملية والتنظيمية وغيرها. ففي ظل مجال أوسع من الحريات المتعددة التي يمكن أن تتوفر في ظل النظام والدولة البرجوازية وفي ظل سلطتها الديمقراطية حيث تتوفر ظروف أنسب للممضي نحو فتح آفاق عريضة للنضال في سبيل الأهداف النهائية للثورة. وحيث وفي مثل تلك الظروف تتمكن الطبقة العاملة وحلفاؤها من توسيع تأثير نشاطها السياسي والثوري ونطاق نضالاتها ومضاعفة قدراتها المتعددة. ولهذا فإننا معنيون بهذا النضال من أجل تغيير شكل السلطة وإعطاء هذه المسألة ما تستحقه من أهمية وإن كان النضال من أجل تغيير شكل سلطة البرجوازية يعدّ هدفا إصلاحيا. بل إننا مطالبون بالنضال من أجل الإصلاحات ومزيد تعميقها إلى أوسع حد ممكن من الحقوق والحريات دون الحياد عن أهدافنا الاستراتيجية أو التخلي عنها.

ما هي الجمهورية؟

الجمهورية البرجوازية الديمقراطية هي محطة في تاريخ النضال البشري والإنساني وتحقيقها يعدّ مرحلة تكتسي أهمية في مجرى النضال الثوري ونضالنا نحن كشيوعيين من أجل تحقيق الثورة بالكامل لبناء دولة جديدة وديمقراطية جديدة من نوعها ونظام جديد. ولن يكون هذا الهدف تحقيقه ممكنا سوى بواسطة الثورة لإسقاط الدولة القديمة ونظامها القديم ووصول الطبقة العاملة وحلفائها من الشعب إلى سدّة الحكم والمسك بزمام السلطة وتحويل الأوضاع بالكامل. وبما أن ثورة 14 جانفي لم تتوصل إلى إسقاط الدولة ولا يمكن الحديث عن سقوط النظام السابق. لقد استمرت الدولة في البقاء لكن نظامها فقد شرعيته وكان لا بد من إيجاد شرعية جديدة عن طريق ما أطلق عليه « انتخابات المجلس التأسيسي»، فهذه الانتخابات ليست لمجلس تأسيسي يقطع مع النظام القديم وإنما انتخابات لمجلس يمكّن مؤسسات الدولة القديمة ونظامها من شرعية انتخابية خططت لها على أن تكون على قياس القوى الرجعية المهيمنة والمعادية لأي تغيير ثوري. فالقوى السياسية المختلفة والمتنافسة اليوم على الدخول إلى المجلس التأسيسي لن تتمكن من تغيير أبسط شيء من جوهر الدولة ونظامها السياسي والاجتماعي مهما ستكون تركيبة المجلس «المنتخب».

محمد الهادي ساسـي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني