الصفحة الأساسية > البديل الوطني > خطوة هامة نحو تركيز قضاء مستقل
المؤتمر العاشر الخارق للعادة لجمعية القضاة التونسيين:
خطوة هامة نحو تركيز قضاء مستقل
3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011

انعقد يومي 29 و 30 أكتوبر بسوسة المؤتمر العاشر الخارق للعادة لجمعية القضاة التونسيين تحت شعار "الثورة لا تكتمل إلا بقضاء مستقل" بعد غياب دام ست سنوات استولت فيها على الجمعية عناصر انقلابية منصبة أنجزوا ما أسموه بالمؤتمر الاستثنائي سنة 2005 ثم على ثلاثة مؤتمرات كانت تشرف عليها وتسيرها وزارة العدل.

وبهذا المؤتمر الذي سمّي العاشر الخارق للعادة يطوي القضاة صفحة الانقلاب ومؤتمراته التي ألغيت في حساب مؤتمرات الجمعية إذ أن المؤتمر الأخير الذي عقدته الجمعية فبل الانقلاب عليها كان المؤتمر العاشر في ديسمبر 2004. ويأتي هذا المؤتمر في خضم الوضع الثوري الذي عاشته وتعيشه البلاد منذ 14 جانفي وفي خضم تحول شعار استقلال القضاء إلى مطلب شعبي بما يعنيه من تطهير الجسم القضائي ومحاسبة كل من تورّط مع النظام السابق في قضايا فساد مالي وإداري.

استعادة الشرعية المسلوبة

وقد افتتح السيد أحمد الرحموني رئيس الجمعية المتخلي المؤتمر بكلمة جاء فيها أن جمعية القضاة وهي تستعيد الشرعية المسلوبة وتؤسس بمؤتمرها الاستثنائي الخارق للعادة لمرحلة جديدة تتوقع من المجلس الوطني التأسيسي والحكومة المقبلة وأحزاب الأغلبية والأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني أن تضع مهمة البناء لقضاء جديد في صدارة أولوياتها آخذين في الاعتبار المساهمة الأساسية للقضاة في صياغة منظومة جديدة لقضاء مستقل سواء في إطار اللجان المزمع تكوينها في المجلس الوطني التأسيسي لإعداد الدستور أو في المناقشات الخاصة بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية أو في برامج الوزارات المعنية بإصلاح القضاء كالوزارة الأولى ووزارة العدل أو وزارة الدفاع أو في مختلف المبادرات الصادرة عن الأحزاب والجمعيات.

وبعد الكلمة الافتتاحية تتداول على الكلمة عدد كبير من الشخصيات الممثلة للمنظمات الوطنية والأحزاب والجمعيات الذين أكّدوا كلهم على تحية المكتب المتخلي الذي تحمل منذ 2005 كل أنواع العسف والمطاردة ونالته كل أنواع العقوبات ولكنه صمد إلى حين قيام الثورة كما أكدوا على أن شعار المؤتمر يلخص بامتياز المشروع المستقبلي الذي يجب أن تسعى البلاد إلى تحقيقه.

كما أكدوا على مبدأ استقلالية القضاء باعتباره مبدأ دستوريا يجب أن يتكرس على أرض الواقع بإيجاد الضمانات الدستورية والقانونية التي تصون هذا المبدأ من خلال مجلس أعلى للقضاء منتخب وقانون أساسي للقضاة متطور وغير ذلك من الآليات التي تصون استقلال القاضي. وقد عرفت الجلسة الافتتاحية لحظات من التأثر الشديد وخاصة مع الكلمتين اللتين ألقاهما السيدان مختار الطريفي الرئيس السابق للرابطة وفوزي بم مراد محامي الجمعية اللذين أبكيا عددا كبيرا من الحاضرين وهما يستعرضان خيبات الثورة التي أبقت على رموز الفساد القضائي في أماكنهم أو من خلال استعراض مظاهر من المحنة التي عرفها قضاء الهيئة الشرعية إبان سنوات الانقلاب.

نجاح بعد نضال مرير

ثم عرض التقريران الأدبي والمالي اللذان وقعت المصادقة عليهما بالإجماع .. هذ وقد جاء في التقرير الأدبي المطول استعراض لنضالات المكتب المتخلي على مدى سبع سنوات ست منها خارج مقر الجمعية حيث تعرض المكتب وما كان يسمى» بالهيئة الشرعية لشتى أنواع التآمر والعسف والاعتداء والتضييق لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة تحمّله لمسؤولية تمثيل من انتخبوه للدفاع عن مصالحهم المشروعة... صبر وتحمّل وقاوم وثبت على مواقفه وأبقى على تواجده إلى أن قامت ثورة 14 جانفي ليستعيد وبطريقة طبيعية وسلسة ومذهلة أيضا كل ما سلب منه ومن القضاة بواسطة أجهزة الدولة. كما استعرض التقرير نضالات المكتب في الدفاع عن الحريات العامة سواء قبل الثورة أو بعدها كما الدفاع عن استقلال القضاء وقد كان ذلك من خلال تحركات تقليدية مثل البلاغات والندوات الصحفية وعقد الندوات والحضور في المنابر الإعلامية لإيصال صوت القضاة ولكن أيضا من خلال الدعاوى المرفوعة للدفاع عن الجمعية واستقلالها مثل دعوى إبطال مؤتمر 2005 الاستثنائي وإضافة إلى التوجه إلى القضاء التقليدي والطبيعي تظلم المكتب التنفيذي من الانقلاب عليه لدى الاتحاد العالمي للقضاة.

إلّا أنّ الثورة سمحت للقضاة بتحركات مبتكرة كالوقفات الاحتجاجية والإضرابات التي كان هدفها الاحتجاج عل تصرفات الحكومة المؤقتة ولم يستهدف البتة معاقبة المتقاضين.

توحيد الصف والقطع مع الماضي

وقد تضمن اليوم الثاني من المؤتمر النقاش العام الذي تركز على ثلاث مسائل: الإشادة بالدور الذي لعبه المكتب المتخلي منذ 2005 تاريخ الانقلاب عليه إلى إنجاز المؤتمر العاشر الخارق للعادة ثم ضرورة توحيد الصف النقابي. ولعل في ذلك دعوة إلى تجاوز الانقسام الذي عرفه الجسم النقابي القضائي من خلال ميلاد نقابة للقضاة بعيد الثورة ثم أخيرا ومنذ أسبوعين نقابة لقضاة المحكمة الإدارية كما تطرّق أغلب القضاة إلى ضرورة إرساء منظومة قانونية تكرّس استقلال السلطة القضائية وذلك من خلال إقرار مبدأ الفصل بين السلطات والتّأسيس لوضع دستوري للسّلطة القضائيّة والقطع مع قضاء الوصاية والانسجام تركيزا لقضاء الدولة وعلى اثر النقاش العام عرضت مجموعة من اللوائح على المؤمرين مثل اللائحة العامة التي دعت المجلس الوطني التّأسيسي إلى وضع أحكام خاصّة بالسلطة القضائيّة ضمن التنظيم المؤقت للسّلط العموميّة يأخذ في الاعتبار المبادئ العامّة لاستقلال القضاء ومعاييره الدّوليّة قطعا مع المنظومة القضائية البائدة.

كما طالبت اللائحة بالإعلان عن حلّ المجلس الأعلى للقضاء العدلي والمجلس الأعلى لدائرة المحاسبات والمجلس الأعلى للمحكمة الإدارية في صيغتها الحاليّة واستبدالها بمجالس عليا منتخبة .مشددة على ضرورة إحداث تغيير جذري على مستوى المسؤوليّات صلب وزارة العدل وإدارة المحاكم وذلك بإجراء حركة قضائية تستند إلى رفع القيود في التعيين بالخطط والوظائف القضائية استجابة لمبادئ الثورة وأهدافها وتداركا لمخلفات الحركة الأخيرة وظروف النظر في الاعتراضات عليها والتي لم تتوفر فيها أدنى ضمانات الشفافية كما ناقش المؤتمرون اللائحة الخاصة بالوضع الدستوري للسلطة القضائية التي اعتبرت أنّ المجلس الوطني التّأسيسي مكسب من مكاسب الثورة وهو يجسد سيادة الشعب ويمثّل محطة تاريخيّة مصيريّة وإطارا شرعيّا لتحقيق تطلّعات الشعب التونسي، كما اعتبرت أن إقرار مبدأ الفصل بين السلطات والتّأسيس لوضع دستوري للسّلطة القضائيّة والقطع مع قضاء السلطة تركيزا لقضاء الدولة هي من استحقاقات الثورة، كما نصّت على ضرورة اعتماد المعايير الدّوليّة لاستقلال السّلطة القضائيّة بالدّستور الجديد، مقترحة مجموعة من الضمانات المتعلّقة بالقضاء والضمانات المتعلقة بالقضاة. كما أكدت على ضرورة اعتماد هذه المعايير والمبادئ والقواعد عند سن التشريع المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية خلال الفترة الانتقالية وإلى حين وضع الدستور الجديد فيما يخص السلطة القضائية.

كلثوم كنو رئيسا للقضاة

وناقش المؤتمرون أيضا اللائحة الخاصة بالوضع الدستوري للسلطة القضائية والتي تضمنت قوانين السلطة القضائية وموقع السلطة القضائية وعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة القضائية وضمانات السلطة القضائية كالحماية والحصانة والتأديب والإلحاق والتقاعد وإدارة العدالة وضرورة تطويرها ويعتبر النصان الأخيران نوعا من المساهمة من الجمعية في صياغة البنود المتعلقة بالسلطة القضائية في الدستور الجديد وفي صياغة القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء أو القانون الأساسي للقضاة وبذلك تريد الجمعية أن تفتتح عهدا جديدا يقوم على الاقتراح والتصور والمشاركة في المرحلة التأسيسية القادمة.

هذا وقد جرت عملية التصويت من أجل انتخاب مكتب جديد بالتزامن مع النقاش العام وشارك في الاقتراع 592 قاضيا وانتهى التصويت مع الساعة الرابعة من يوم الأحد 30 أكتوبر . حيث ابتدأت عملية الفرز في قاعة المؤتمر نفسه وبحضور القضاة والضيوف والصحافيين وانتهت حوالي الساعة التاسعة حيث أعلن عن النتيجة. وقد ترشح إلى المكتب التنفيذي 35 قاضيا. مع العلم أنه بعد تحوير الفصل 13 من القانون الأساسي للجمعية صار المكتب يحتوي على 11 عضوا (بعد أن كان عدده 9 أعضاء) ينتخبون باعتماد مبدأ المحاصصة بين القضاء الإداري والمالي والعدلي (عضو من المحكمة الإدارية وعضو من دائرة المحاسبات و4 أعضاء من القضاء العدلي ممثلا لتونس الكبرى والولايتين القريبتين منها وهما بنزرت ونابل و5 أعضاء ممثلين لقضاة بقية البلاد مع العلم أن قضاة الداخل يمثلون نصف عدد القضاة المباشرين) وقد أسفرت النتائج عن صعود مكتب جديد يتركب من السيدات والسادة القضاة مرتبين بحسب الأصوات المتحصل عليها:

كلثوم كنو 420
روضة القرافي 416
محمد بن اللطيف 385
انس الحمادي 382
عبد الباقي كريد 366
عبد الخالق بوجناج 361
عبد الحميد سعيد 359
محمد الخليفي 355
حسن الحاج 347
نورة حمدي 343
حمدي مراد 337

وقد اجمتع المكتب الجديد مباشرة بعد التصريح عن النتائج لتوزيع المسؤوليات فحازت السيدة كلثوم على منصب الرئيس والسيدة روضة القرافي على منصب نائب الرئيس والسيد حسن الحاجي على الكتابة العامة والسيد عبد الخالق بوجناح على أمانة المال.

عبد السلام الككلي

"صوت الشعب" العدد 22 بتاريخ 3 نوفمبر 2011



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني