الصفحة الأساسية > البديل الوطني > آليات صنع القرار السّياسي والدستور الجديد
آليات صنع القرار السّياسي والدستور الجديد
27 تشرين الأول (أكتوبر) 2011

يعتبر صنع القرار السياسي بدوائره وآلياته ومراحله مؤشرا على مدى رقيّ الأنظمة السياسيّة ونجاحها في التقدم بالبلدان، وهو أيضا مقياس لمدى تجذّر ثقافة الديمقراطيّة في المجتمعات. وبما أن الأمر كذلك، يمكن الإقرار بانعدام تقاليد وثقافة صنع القرار السياسي في تونس نظرا لطبيعة الأنظمة الّتي كانت قائمة بها طيلة العقود الماضية.

إنّ صنع القرار السياسي ليس بالبساطة الّتي قد يتصوّرها البعض إذ أنّه لا ينحصر في المؤسسات السياسية ومؤسسات الدولة فحسب بل يتفاعل مع عدّة مؤثرات مثل (نوعيّة الرأي العام، درجة وعي المجتمع، مدى انتشار ثقافة الديمقراطية) وهو كذلك مرتبط بالنشاط الفكري السائد ونوعيّة الإعلام والصحافة والنشاط الحزبي.

وإن اختلفت تعريفات ومناهج صنع القرار السياسي حسب تركيبة النظام والتقاليد السياسيّة في كل دولة، فهو لا يخرج عن كونه ﺘﺤﻭيلا للمطالب ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﺭﺍﺭﺍﺕ. وبالإضافة إلى الدوائر الرسميّة هناك أيضا دوائر غير رسميّة تشارك في صنع القرار السياسي والّتي وإن كانت غير رسميّة فهذا لا يعني أنها هامشيّة أو يمكن إقصاؤها حسب الأهواء، فالرأي العامّ «وما أدراك ما الرأي العام» يمثل شريكا مهمّا في صنع القرار وعلى الدولة أن تضبط الآليات العلميّة لمعرفة ردّة فعله تجاه أي قرار قبل اتخاذه وكذلك وضع مناهج لسبل التواصل والتعامل معه، هذا مع تحقيق المعادلة بأن يكون القانون قبل الأهواء والمؤسسات قبل الأفراد. كما أنّ وسائل الإعلام والصحافة تمثّل شريكا فاعلا في صنع القرار باعتبارها تمثّل «السلطة الرابعة» الّتي تتمتّع بنظرة خاصّة وفريدة للأشياء بالإضافة إلي قدرة على التحليل والاستنتاج لا يمكن تحقيقها في أكثر الدوائر الرسميّة تنظيما وكفاءة، وهنا تبرز مسألة الإعلام الّذي مازال أغلبه تحت سيطرة قوى ماليّة وسياسيّة متنفّذة ممّا يفقده هذه الأدوار الأساسيّة الّتي تحتاجها تونس حاضرا ومستقبلا خاصّة في ظلّ هذا الوضع.

أمّا الأحزاب السياسيّة فسيكون دورها أكثر من مهمّ في صنع القرار لأنّ موقعها يسمح لها برؤى وتحليلات واستنتاجات متميّزة للأشياء، لذلك يجب النظر إلى ضرورة وجود ثقافة حزبيّة سليمة بحيث تلعب الأحزاب أدوارا فعّالة في الحياة السياسيّة ودفع التنمية والتأثير في صنع القرار، لا أن تبقي مكتفية بالسعي إلى اصطياد السلطة أو البحث عن المناصب أو الانزلاق نحو محالفة الدوائر الماليّة والقيادات السياسيّة.

إنّ صنع القرار لا يجب أن ينحصر في الدوائر السياسيّة الرسميّة مهما كانت درجة شرعيّتها وتنظيمها وكفاءتها، لذلك يجب التفكير في مكانة الرأي العام والصحافة والإعلام والأحزاب في الدستور الجديد الّذي ستتمّ صياغته بعد 23 أكتوبر 2011، لأنّ هذه العناصر تمثل شريكا فاعلا في الحياة الوطنية والسياسيّة وهي المحرّك والضامن الأساسي للديمقراطيّة ولها دور محوريّ في الاستقرار السياسي الحقيقي ودفع عجلة التقدّم. وعند صياغة الدستور يجب الأخذ بعين الاعتبار غياب التقاليد في مجال صنع القرار السياسي وغيره من المجالات وذلك بسنّ فصول جريئة تأسّس لتقاليد وثقافة سليمة تهمّ الرأي العام والصحافة والإعلام والنشاط الحزبي، كما أنّ تفعيل القطاع العام في مجالي الإعلام والصحافة أمر يفرض نفسه خاصّة في ظل وجود إعلام وصحافة تحت سيطرة أصحاب المصالح السياسيّة والماليّة الضيّقة، هذا دون تهميش دور الكفاءات العلميّة داخل الدوائر الرسميّة مع ضرورة توسيع قاعدة المساهمين في صنع القرار، لأنّ تونس هي تونس وليست بلدا آخر والدستور يجب أن يكون متماشيا مع واقع البلاد.

يوسف بلحاج رحومة



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني