الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها > اعتراضات في غير محلها
بعد انتهاء إضراب 18 أكتوبر: كيف نحافظ على وحدة العمل من أجل الحريات ونطوّرها
اعتراضات في غير محلها

ولكن علينا أن ندرك من الآن أن هذه المهمة لن تكون يسيرة، فنحن سنسمع، بل إننا بدأنا نسمع بعض الاعتراضات على مواصلة وحدة العمل حول الحريات، ويتمثل السبب الأساسي لهذه الاعتراضات في مشاركة عناصر إسلامية – نهضوية فيه، لا يرى البعض ضرورة لها، مثيرا مواقف "النهضويين" و"الإسلاميين" عامة التقليدية من قضية الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة ومعبّرا عن تخوفه من مناوراتهم ومحاولة استعمالهم لـ"الحركة الديمقراطية" مطية للعودة إلى الساحة ثم الانقلاب عليها لاحقا لما يستعيدون "قوّتهم".

ولا يسعنا هنا إلا أن نؤكّد أن طرح المسألة بهذه الطريقة هو طرح مغلوط لا لأنه يضع محل سؤال الأسس التي انطلق عليها الإضراب وحركة المساندة التي التفت حوله وهي أسس قائمة على الوحدة حول الحريات، ولا يوجد اليوم ما يدعو إلى مراجعتها بعد أن ثبتت عمليا نتائجها الإيجابية، بل لأنه مغلوط من الناحية النظرية والسياسية أيضا. فالطرح الصحيح للمسألة، والذي بينته التجربة الملموسة هو التالي:

أولا: هل أن وحدة العمل المذكورة يقتضيها الظرف السياسي وبالتالي مصلحة الغالبية العظمى من المجتمع التونسي أم لا؟ لا نعتقد أنه يوجد ديمقراطي واحد اليوم حقيق بهذه الصفة يمكنه أن يجيب عن هذا السؤال بالسلب لأن حاجة الشعب التونسي إلى الحرية السياسية حاجة ملحة لا جدال فيها خاصة في هذا الظرف الذي يشتد فيه نهب خيرات البلاد وثرواتها من قبل أقلية فاسدة وتتفاقم فيه البطالة والتهميش وتدهور المقدرة الشرائية دون أن يكون للشعب الحق في مواجهة هذه الأوضاع والحرية في الدفاع عن مصالحه ومصالح بلاده.

ثانيا: هل أن المطالب الثلاثة التي التقى حولها المضربون عن الطعام يمكن أن تكون سببا للتفرقة لأن هذا الطرف أو ذاك سيستفيد منها وتحديدا لأن "النهضويين" سيستفيدون منها؟ كلاّ ! !

إن مطلب العفو التشريعي العام مطلب مشروع ولا يمكن لأي ديمقراطي حقيقي أن يقوم ضده بدعوى أن هذا الطرف أو ذاك سيستفيد ولا يرى ما في أساس المطلب من رفض للقمع السياسي، والمحاكمات الجائرة، والتعذيب الوحشي، الذي لم يطل "الإسلاميين" وحدهم ولكنه طال الجميع، وكان لكل طرف في كل مرحلة تاريخية نصيبه الأوفر، وفقا لحجمه وللمخاطر التي يمثلها على الدكتاتورية. وإن من يرفض المطلب يجد نفسه حليفا للدكتاتورية، عن وعي أو عن غير وعي.

كما أن حرية التنظم دون قيد أو شرط فيها مصلحة للجميع لأن الجميع متضرر من غيابها. ولا يمكن لعاقل أن يرفضها لأن الإسلاميين سيستفيدون منها لأنه وقتها لن يحرم منها الإسلاميون فحسب بل بقية القوى أيضا لأن الدكتاتورية لا تفرّق في قمعها لحرية التنظم بين طرف وآخر، بل هي تقمع كل تنظيم سياسي أو جمعياتي لا يصطف وراءها مهما كانت توجهاته الفكرية والسياسية وهي لا تفرق في ذلك بين تنظيم معترف به أو غير معترف به، ولا بين تنظيم يساري أو إسلامي أو قومي أو ليبيرالي إلخ.. بل إن هدفها واحد.

وما قلناه عن حرية التنظم ينطبق على حرية التعبير. فالدكتاتورية تكمم الأفواه لتمنع كل تعبيرة حرة ومستقلة عنها مهما كانت طبيعتها الفكرية والسياسية والنقابية والثقافية.

وفي كلمة فإن ما نريد تأكيده هو أنه لا يوجد طرف ليست له مصلحة في المطالب الثلاثة المذكورة سواء في الحركة السياسية أو الجمعياتية أو في صفوف الشعب. وما دام الأمر يتعلق بـ"النهضويين" خاصة و"الإسلاميين" عامة فهم ذاتهم من ضحايا استبداد السلطة ولهم مصلحة في تلك المطالب وذلك بقطع النظر عن الموقف من خلفيتهم الإيديولوجية ونواياهم السياسية.

ولكن يمكن لبعض الأطراف أن تجيب أنه وإن كانت لكل القوى بما فيها "النهضويون" مصلحة في هذه المطالب فإن ذلك لا يعني بالضرورة وجوب النضال من أجلها بصورة مشتركة، وبعبارة أخرى فإن هذه الأطراف ترى في انخراط "الإسلاميين" في المطالبة بالحرية السياسية سببا مشروعا لتقسيم الحركة السياسية وهي تنسى أو تتناسى حقيقة تكتيكية لا تتعلق فقط بالطابع المجمّع والموحّد لمطلب الحرية السياسية من خلال المطالب الثلاثة والذي يقتضي موضوعيا تجميع كافة القوى المنبثقة عن تلك الأرضية، كما تنسى أو تتناسى أنّ تبني "الإسلاميين" لتلك المطالب الديمقراطية يمثل كسبا للحركة الديمقراطية التي رفعت تلك المطالب منذ عقود وليس العكس، بل تنسى أو تتناسى أيضا أن قدرات الحركة السياسية والجمعياتية في تونس ضعيفة حتى وهي مجتمعة فما بالك وهي مشتتة، فما بالك واليساري يناضل وحده من أجل الحرية السياسية والقومي وحده، والليبيرالي وحده، فإذا كان العمل الجماعي سيأتي بنتائج أفضل للشعب التونسي وللحركة الديمقراطية والتقدمية بالذات فلماذا نرفضه؟ إن ضيق الأفق وحده بل عقلية الدكاكين وحدها هي التي ترفضه لأنها لا تفكر في النتائج العامة الإيجابية منظورا إليها من زاوية مصلحة الشعب التونسي بأسره ولا تهمها سوى المصلحة الفئوية.

لقد بين حزب العمال منذ أكثر من عشر سنوات في رده على الذين كانوا ينتقدون مبادرته بمعية قوى وشخصيات سياسية وحقوقية أخرى بالمطالبة بإطلاق سراح المساجين السياسيين وسن قانون العفو التشريعي العام إلى جانب دفاعه عن الحريات السياسية، وخاصة حرية التنظم للجميع دون قيد أوشرط، بين أن وضعا تتوفر فيه الحريات السياسية، هو، حتى وإن انتفعت منه "حركة النهضة" أو أي تنظيم سياسي آخر رجعي، أفضل بكثير للشعب التونسي من الوضع الحالي، المتسم بقمع منهجي وبتكبيل تام لطاقات المجتمع والشعب التونسي، تحت غطاء التصدي لـ" التطرف والإرهاب" "الإسلامي" أو "اليساري" لأنه في الحالة الأولى توجد فرصة للصراع الفكري والسياسي ضد البرامج والمقترحات التي لا تخدم تلك المصالح والطموحات، أما في الحالة الثانية فإن التلجيم تام ولا توجد إمكانية لا للشعب ولا للقوى السياسية والجمعيات والمنظمات للتعبير عن مواقفها وممارسة أنشطتها بأي شكل من الأشكال [1].

وفي هذا الصدد فإن ما لا يدركه المعترضون اليوم على وحدة العمل من أجل الحريات وهم يبدون خوفهم من انتشار الفكر الغيبي (الشعوذة، الخرافة، التطرف الديني ...) في المجتمع ومخاطر انعكاساته السياسية لما يمثله من احتياطي موضوعي لـ"الإسلام السياسي" عامة و"حركة "النهضة خاصة" هو أن غياب الحريات وسيادة القمع الفاشستي في بلادنا اليوم هو أحد أهم العوامل التي ساعدت وتساعد على انتشار ذلك الفكر الغيبي الظلامي بسبب انعدام إمكانية مصارعته بمختلف الوسائل والأساليب الفكرية والفنية والثقافية عامة. إن الفكر الغيبي والظلامي ليس في حاجة إلى الحرية كي ينتشر بل إلى غيابها لأن النور يحاصره ويدكه دكّا. وليس أدل على ذلك من أن أكثر فترة انتشر فيها هذا الفكر هي الـ15 سنة الأخيرة من حكم بن علي التي شهدت فيها تونس تصحرا ثقافيا غير مسبوق، دون أن ننكر بالطبع المناخ الدولي الذي ساعد على ذلك.

ومن هنا تأتي ضرورة تكتيل كافة القوى في وحدة عمل من أجل الحريات السياسية لما في ذلك من مصلحة وللحركة الديمقراطية والتقدمية ولتونس عامة.

هوامش

[1انظر حول هذه المسألة كراس "مرّة أخرى، حزب العمال وحقوق الإنسان (ملاحظات حول تقرير)"، وهو عبارة عن مجموعة مقالات من صوت الشعب ومقتطفات من كراريس صدرت بين 1987 و2001


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني