الصفحة الأساسية > البديل الثقافي > القُصُور الثَلاثَة و الرِّهَـان
بالمختصر المفيد:
القُصُور الثَلاثَة و الرِّهَـان
6 تشرين الأول (أكتوبر) 2011
رضا البركاتي

-1 في ثقافة الصناديق :

حياة الإنسان مسيرة تمرّ من صندوق إلى صندوق. تبدأ بصندوق المهد وتنتهي بصندوق يُوارى تحت اللحد. وما بين الصندوقين صناديق: صندوق الحلوى. وصندوق الطباشير. وصندوق عجب. وصندوق الجدّة. وصندوق الغلّة وصندوق مرطبات الخطبة. وصندوق صياغة الزفّة... هو عالم الصنادق حتى أن تدريس اللغة في المدارس أصبح يعتمد طريقة الصناديق.

هذا إضافة إلى الصناديق غير المرئية ونقصد المؤسسات التي تمارس على الإنسان وظيفة الصندقة. مثل الروضة والمدرسة والحومة والمهنة والتلفزة والعائلة أيضا و.. السجن بالتأكيد.

كلّ صندوق في حقيقة الأمر سجن وإن كانت جدرانه من غير الحجر، بلْ من وهْمٍ، بخورٍ، عطر، ضبابٍ، خوف، جهل، عادات، أساطير...

فكلُّ صندوق من هذه الصناديق هو أصلا، كما السّجن، سلب للحرية ومحاولة لكسر الإرادة.

فماذا عن صندوق الاقتراع؟

-2 في ثقافة صندوق الاقتراع. :

هو صندوق ولا كلّ الصناديق.

هو من اختراع الإنسان من خلال تجربة الرقّ الطويلة ومسيرة الانعتاق العنيدة.

صندوق الاقتراع شكل من أشكال تكريس الشعب لحريّة الاختيار. وهو أيضا وسيلة من وسائل التعبير عن إرادة الشعب. لذلك تَحِفُّ به مخاطر، ودونه معارك مريرة ولا سبيل إليه دون تضحيات.

وعندما يتسنّى له أن ينتصب يُثير حوله معارك انتخابية. وتُعلن حروب كلامية. وتُطلق الوعود. ويبدأ التلاعب بالكلام والأرقام. لعبة ولها قواعد وتُضبط في قانون وتُوضع في مجلة.

والرابح في اللعبة دوما/غالبا/عادة هو الماسك بالجهاز، ناصب الصندوق، منظم اللعبة، واضع قواعدها.

ألم تر كيف كان يتصرّف كلّما تعذرتْ عليه الغلَبَةُ ولم يجئْه النصرُ ورأى الناسَ ينفضّون من حوله ويهجرون حزبه أفواجا؟ عندها كان لا يتردّد لحظة في اختطاف الصناديق وتزويرها والاعتداء على إرادة الشعب. على هذا دأب وعرفناه وخبرناه.

واليوم تتواصل، بعد ثورة الشعب المجيدة، محاولات التزوير والاعتداء على إرادة الشعب.

ويتجلّى ذلك في محاولات هؤلاء تغيير قواعد اللعبة أو استنباط غيرها كابتداع استفتاء للحدّ من مهام المجلس التأسيسي وحصره في وظيفة لجنة فنيّة مكلّفة بتحرير دستور في فترة زمنية محدودة.

ويصرّ أولئك على فرض إدراج إشهار معجون الأسنان في تنافس محاور الدستور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية سعيا منه للمشاركة فيها بابتسامة المنافق ودموع التماسيح معوِّلا على طيبة الناس واستغفالهم.

ويعتمد الآخرون على المقدّس يتسترون به لتمرير سياساتهم البائسة والرثّة التي لا دأب لها إلاّ إعادة إنتاج الفقر والجهل والتخلف.

وقد يأخذ التزوير أساليب الفتوّة بإعلان عدم الاستعداد لاحترام القوانين المتعلقة بالإشهار السياسي.

ويمعن هؤلاء وآخرون في استعمال التمويلات السياسية المشبوهة.

هكذا السيّد دوما تتبدّل ملامحه ويطلع علينا في ألف لبوس ولبوس. فهو يضع جبّة أو جاكيتة، عمامة أو قلنسوّة، خفّا أو حذاء، وها هو أخيرا يظهر في زيّ كوّارجي.

والعامل والفلاّح والشغّيل وكلّ من يعيش من بيع قوّة عمله سواء بالفكر أو بالساعد يعرفه [السيّــد] ولا يمكن أن ينكره بل هو يشتمّ رائحته عن بعد، في كلّ الأبعاد، لأنّ في رائحته ملح عرق كلّ العمّال وعموم الشعب الكادح.

ورغم ذلك كلّه وغيره من عجائب وغرائب صندوق عـ..جــ..ــب، عفوا صندوق الإقتراع، فإنّ إصرار العبيد على الانعتاق عنيد والرغبة في خوض المعركة جامحة والعزم على الانتصار يراود الأحرار منذ بدء الحضارة.

فصندوق الاقتراع، في نهاية الأمر، ليس إلاّ رهانا بين السّالب والمسلوب، بين الحاكم والمحكوم، بين السيّد والعبد.

-3 في الثقافة الثورية البديلة :

هي ثورة ومهامها لم تكتمل.

كانت فرصتها الأولى والذهبية في المجلس الوطني لحماية الثورة. ولكنّ كلّ الذين كان سقفهم واطئا وهمّتهم أقل شأنا من المهمّة التاريخية وثقتهم في الشعب مهزوزة وبصيرتهم لا تتجاوز أرنبة أنوفهم وغايتهم أسيرة بطونهم وبوصلتهم معلقة في ذيل الديك أولئك جميعا خانوا الثورة وخذلوا الشعب وهرولوا ليصطفوا وراء حُكّام القصبة وليلتفوا على الثورة وأبناء القصبة.

واليوم ها هي فرصتها الثانية في الموعد مع الصندوق عسى أن تستكمل به البعض من مهامها ولكن المتربصين والأعداء واللصوص «القانونيين» والعصابات «الشرعية» والمشعوذين وشيوخ ثقافة القبور ومثقفي السفارات... جميعهم يترصد لكعكة قصر الشعب بباردو.

فهل يكون لهم الشعب بالمرصاد؟

لقد قام الشعب بثورة ورغم هبّته التاريخية التي هزّت البلاد وزلزلت الأرض تحت أقدام الدكتاتور ففرّ من قصر قرطاج ورغم دوّي صوت الشعب الجبّار «الشعب يريد إسقاط النظام» لم يدخل الشعب قصر قرطاج.

وكان الشعب على مستوى عال من اليقظة والحزم والثورية لمّا خاض سلسلة من النضالات لاستكمال ثورته. فكان ما كان وكان من إسقاط حكومات وحلّ هيئات واعتصام القصبة 1 ثمّ اعتصام القصبة 2 ورغم ذلك لم يدخل الشعب قصر القصبة.

واليوم هاهو الموعد الثالث المجلس التأسيسي الذي طالب به الشعب وفرضه فرضا على أعداء الثورة وأعداء الشعب الذين، وإن قبلوا به مُرْغَمين، يحاولون اليوم الالتفاف عليه بأشكال وأساليب شتى.

سوف يتشكل المجلس الوطني التأسيسي ويجلس في قصر مجلس الشعب...

فهل يدخل الشعب قصر الشعب ؟

إنّ عملية الفرز يجب أن تقع وتتمّ الآن وعلى رؤوس الملإ. أي قبل الانتخابات وليس بعدها.

ذلك أنّه مهما تعدّدت قوائم المترشحين وتنوّعت وتلوّنت فهي في قاموس الثورة نوعان لا ثالث لهما. مع الشعب أو ضدّ الشعب.

كلّ من ينادي بالسلطة للشعب فهو ابن الشعب.

إنّ حملات الإشهار لمعجون الأسنان، والخُطب المأجور جمهورُها، وشراء الذمم، وحملات توزيع الإعانات على المعوزين والمعدمين من أبناء شعبنا الحبيب الذين لم يقع التفطن لوجودهم إلا بعد دكّة الزلزال، وتوزيع بطاقات الدخول للجنّة السماوية، ووعد المؤمنين بتحقيق مطلب الحقّ الشرعي في عقد نكاح ثان على زوجات نقيّات طاهرات طيّعات يحصرن وجودهنّ في إسعاد «سي السيّد»... لن تنفع أصحابها في شيْء.

هي حملات شبّت في زوبعة من اللغط والصّخب واللّغو والهراء غايتها أن يتنازل الشعب عن تسجيل حقّ الشغل وحقّ العلاج المجاني وحقّ التعليم المجاني والإجباري في دستور البلاد مع إزاحة كلكل المديونية واسترجاع الدولة للملك العمومي وجبر الاقتصاد الوطني بتخطيط وطني وإصلاح فساد المفسدين والمفسدات وفساد خيارات الفساد المقترحة من مؤسسات العولمة وعواصم الاستعمار وتجريم التطبيع مع العدو الصهيوني....

كلّ تلك الحملات تُطلق باسم الشعب ويحلُم أصحابها بنيابة الشعب في مجلس تحرير دستور البلاد حماية للوطن من الكفار والشيوعيين والمتطرفين.

ولكن الشّعب يحسن فرز أعـــدائه من الأصــــدقاء.

العمال والفلاحون وعموم الشعب الكادح بالساعد والفكر وأبناؤهم الطلبة والمثقفون والفنانون هم الشعب. هم بناةُ الوطن. وهم َوحدَهُم حُماةُ الحِمَى.

هذه هي الثقافة الثورية البديلة هازمة الدكتاتورية وأدوات الاستغلال واضطهاد العباد ونهب البلاد ومعلنة صباح الإنسان الجديد.

قصر الشعب للشعب. والتشريع للشعب. والسلطة للشعب.

رضا البركاتي



الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني