الصفحة الأساسية > كتب ومنشورات > بمناسبة المهزلة الانتخابية أكتوبر ‏‏2004‏ - مشروع وثيقة: من أجل بديل ديمقراطي (...) > وضع حد للدكتاتورية لإرساء الديمقراطية السياسية
بمناسبة المهزلة الانتخابية أكتوبر ‏‏2004‏ - مشروع وثيقة: من أجل بديل ديمقراطي وشعبي
وضع حد للدكتاتورية لإرساء الديمقراطية السياسية

إذا كانت معضلات المجتمع التونسي كما بينا كثيرة ومتنوعة، اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، فإن الدكتاتورية تبقى أشد هذه المعضلات وأخطرها على مصير المجتمع البلاد. فالشعب التونسي المستغل والمنهوب والمفقر والملجّم والمطعون في كرامته ليس له فوق ذلك الحق في أن يحتج أو يعارض بأي شكل من الأشكال سواء بإبداء رأي أو عقد اجتماع أو تنظيم إضراب أو مسيرة أو مظاهرة. كما ليس من حقه أن يطالب بعزل الرئيس أو الوزير أو الوالي أو أي مسؤول من المسؤولين أو بحل البرلمان وتنظيم انتخابات حرة وإنما هو مطالب في كل الحالات بأن يذعن ويخرس وإلا ناله ما ناله من القمع والاضطهاد.

إن الاستغلال الرأسمالي بكل ما يتبعه من مظاهر يشكل في عالم اليوم الذي تسيطر عليه حفنة من الدول والشركات الرأسمالية الكبرى (صناعية ومالية)، ظاهرة عامة. ولكن في معظم بلدان العالم يوجد هامش من الحرية السياسية أو قل من المدنية يمكـّن العمـّال والفلاحين والموظفين وسائقي سيارات الأجرة والشاحنات والطلاب والتلاميذ والمثقفين والمبدعين والشبان والنساء وكل فئات السكان بمن فيهم أحيانا الجنود وأعوان الشرطة وحراس السجون من أن يعبّروا عن رفضهم لهذه السياسة أو تلك ويحتجوا على هذا القرار الذي لا يعجبهم أو ذلك فيخرجون إلى الشوارع أو يضربون عن العمل أو الدراسة أو يسدّون الطرقات ويهاجمون أو يقتحمون مقر البرلمان أو يعلنون العصيان المدني ويطالبون بإقالة رئيس الدولة ووزرائه وحتى بمحاكمتهم ويشرحوا وجهة نظرهم عبر الإذاعة والتلفزة والجرائد وكل وسائل الإعلام الأخرى. وفي البرلمان يقوم نواب بالدفاع عن وجهة نظرهم لأن الترشح للبرلمان مسموح به لكل المواطنين، ولأن مرشحي العمال والفلاحين ومختلف فئات الشعب قادرون على دخوله. إن هذا الهامش من الحرية على محدوديته يتيح لهم، أي لأبناء وبنات الطبقات والفئات الفقيرة أن يتكتلوا للدفاع عن مصالحهم ويراكموا من القوة ما يجعلهم قادرين في يوم من الأيام على حسم الأمر مع مصاصي دمائهم.

أما في تونس فإن ذلك الهامش منعدم انعداما تاما. إن بلادنا لم تعرف في تاريخها أي شكل من أشكال الحرية والديمقراطية بما في ذلك الديمقراطية التمثيلية البورجوازية. لقد عاشت على الدوام في ظل التسلط والدكتاتورية والحكم الفردي المطلق بقطع النظر عن بعض الفترات التي شهدت فيها الأوضاع بعض الفجوات في مجال الإعلام خصوصا والتي كانت ناتجة عن موازين قوى وأوضاع ظرفية لا عن رغبة حقيقية من قبل السلطة مما جعلها تلتف عليها حالما تبدلت الموازين لصالحها. فالشعب التونسي ما زال يعامل معاملة القرون الوسطى. إن التونسي رعية في مفهوم السلطة وممارساتها وليس مواطنا يتمتع بحقوق مدنية وسياسية دنيا كما هو شائع ومقرّ به اليوم في معظم أنحاء المعمورة. ومفهوم الرعية هذا يتلازم مع مفهوم آخر يقوم عليه حكم بن علي وهو أن البلاد، بخيراتها وثرواتها، ملك مشاع له ولحاشيته. ومن هذا المنطلق فإن التونسي مدعو إلى أن يسبّح بحمد "سيده" و"منقذه" ويشكره صباح مساء عن "فضله" ويرضى بكل ما "يمن" به عليه. وإذا تجاسر وعبّر بشكل من الأشكال عن عدم رضاه فإنه يعرّض نفسه للاضطهاد والعقاب. ولبن علي ما يلزم لذلك من الوسائل: ترسانة من القوانين الفاشية وقضاء مأمور وبوليس غاشم وسجون مزروعة في كل أنحاء البلاد وإعلام يتكتم على كل صغيرة وكبيرة وحتى إذا تكلم تحت ضغط ظرف من الظروف، فلكي يدين ويشتم "ناكري الجميل" و"الخونة" و"المتطرفين" و"المنحرفين" و"الفاسْداتْ"… وهي العبارات التي تشكل كل ما في معجم "السابع" من كلام يتعامل به مع مخالفيه في الرأي ومعارضيه وخصومه. إن المجال الوحيد الذي أبقى فيه بن علي لـ"رعاياه" إمكانية للمنافسة هو مدح "سيادته" وتمجيده.

على هذا الأساس فإن مقاومة الدكتاتورية، تأتي في مقدمة المهمات التي يطرح على الشعب التونسي إنجازها لكي يحقق خلاصه ويحرر وطنه من كل هيمنة أجنبية. فالحرية السياسية ضرورة ملحة بالنسبة إلى الشعب. إنها وسيلته كي يفرض سيادته فيختار من يحكمه وكيف يحكمه ويحدد الطريقة التي يشارك بها بصورة مباشرة في إدارة الشأن العام ومراقبة سير دواليب الحكم. وعلى هذا الأساس يكون المسؤولون مسؤولي الشعب، هم في خدمته وليس هو في خدمتهم: الرئيس، إن ثمة رئيس، رئيس الشعب، والوزير وزير الشعب، وكذلك القاضي والموظف والشرطي والعسكري، كلهم في خدمة الشعب الذي يحق له أن يراقبهم ويحاسبهم ويعزلهم ويقاضيهم عند الضرورة على أفعالهم. وبهذه الصفة تكون الدولة بمعنى ما "دولة الشعب" أي نابعة منه وتحت مراقبته وفي خدمته، ولا يكون هو كما يقال "شعب الدولة"، يرزح تحت كلكلها، تقمعه وتفرض عليه الخضوع لاستغلال حفنة من النهابين والمرتشين واللصوص دون أن يكون له حتى الحق في الاحتجاج والمعارضة.

وإذا كانت الحرية السياسية ضرورية للشعب بشكل عام لكي يكون المحور الأساسي للحياة العامة ولنشاط الدولة فهي ضرورية أيضا لكل طبقة من طبقاته وفئة من فئاته لكي تذود عن مصالحها وتعبّر عنها بالإمكانيات والوسائل التي تتيحها تلك الحرية. وبعبارة أخرى فهي ضرورية للعامل والفلاح والموظف والأستاذ والمعلم والطالب والتلميذ والحرفي والعاطل عن العمل والمثقف والمبدع والطفل والشاب والمرأة لكي يتمكن كل منهم من التعبير عن مصالحه وطموحاته المشروعة ويدافع عنها في إطار التنظيم الذي يريد سياسيا كان أو نقابيا أو اجتماعيا أو ثقافيا، وبالكلمة أو بالصورة التي يختار عبر المجلات والصحف والكتب والإذاعة والتلفزيون والسينما وشبكة الأنترنيت، وبالأشكال التي يفضّل اجتماعا أو مسيرة أو تظاهرة أو إضرابا إلخ… لذلك فإن الدكتاتورية التي تحرم هؤلاء جميعا من التمتع بفضائل الحرية السياسية وتجرّم كل محاولة يقومون بها في اتجاه تغيير وضعهم البائس، إنما هي عدوّهم الألد.

إن الشعب التونسي بكل طبقاته وفئاته، وأحزابه وجمعياته ومنظماته وشخصياته التي لها مصلحة في الحرية السياسية، مدعو أكثر من أي وقت مضى إلى التخلص من الدكتاتورية. ومن نافل القول إن هذه الدكتاتورية لا يمكنها بأي شكل من الأشكال، ومهما وَهَمَ الواهمون، أن تتمقرط أو تتنحى من تلقاء نفسها. وهذه الحقيقة يؤكدها حوالي نصف قرن من حكم حزب الدستور بقيادة بورقيبة ثم بن علي. إن الديمقراطية لن تتحقق بواسطة هذه الدكتاتورية أو بالتعاون معها بل ضدها وعلى أنقاضها. وما من شك في أن الشعب التونسي الذي يحفل تاريخه بالنضال والتضحيات قادر على هزمها وبناء النظام الديمقراطي الذي ينشده.

وما دام التخلص من الدكتاتورية يقتضي التحرك حول مهمات محددة وملموسة فإن حزب العمال يرى أن هذه المهمات تتمحور على المستوى المرحلي حول القضايا التالية:

* إن الانتقال إلى النظام الديمقراطي لن يتحقق إلا عن طريق انتخابات حرة تسهر على تنظيمها هيئة أو حكومة مؤقتة تحظى بتأييد القوى الديمقراطية وتتمتع بكامل الصلاحيات خلال الفترة الانتقالية لإنجاز تلك المهمة. ويكون الهدف من تلك الانتخابات إقامة مجلس تأسيسي توكل له مهمة صياغة دستور جديد يرسي القواعد الأساسية للنظام الديمقراطي المنشود في نطاق الاستقلال التام للبلاد وتحررها من أي هيمنة خارجية.

* إن نظاما برلمانيا منتخبا على قاعدة مبدأ التمثيل النسبي هو النظام الأكثر ديمقراطية من النظام الرئاسي لما فيه من حد لمخاطر الحكم الفردي ولقدرته على عكس موازين القوى السياسية في المجتمع ولما يوفره من إمكانيات حقيقية وجدية للتداول الديمقراطي على السلطة. إن رئاسة الدولة في مثل هذا النظام تكون شرفية.

* إن إقامة حياة ديمقراطية حقيقية ومتطورة تقتضي توسيع مبدأ الانتخاب على قاعدة التمثيل النسبي ليكون القاعدة التي يستند إليها قيام كافة أجهزة الحكم الوطنية والجهوية والمحلية. كما تقتضي إقرار مبدأ مراقبة الناخبين للمنتخبين ومحاسبتهم وعزلهم عند الاقتضاء.

* وحتى تكون الهيئات المنتخبة والممثلة مباشرة للشعب هي صاحبة السلطة الفعلية يكون من الضروري إخضاع السلطات التنفيذية على المستويات الوطنية والجهوية والمحلية لمراقبة تلك الهيئات مع اعتماد التسلسل التالي في ترتيب السلطات: التشريعية فالقضائية فالتنفيذية.

* إن ضمان استقلالية القضاء في مرحلة انتقالية يمكن أن يتحقق بتولي مجلس أعلى للقضاء منتخب، إدارة شؤون القضاة وفق المبادئ التي تضمن لهم استقلاليتهم والتي تمثل القواعد الدولية الدنيا لاستقلالية القضاء وهي:
-  تعيين القضاة من طرف المجلس الأعلى للقضاء المنتخب.
-  عدم نقلة القضاة من مراكز عملهم إلا بطلب منهم.
-  اعتماد مبدأ الترقية الآلية للقضاة حسب معايير موضوعية مضبوطة سلفا.

وتدعيما لاستقلالية القضاء يقترح حزب العمال أن تتولى السلطة التشريعية تحديد ميزانية السلطة القضائية مباشرة مع إيكال التصرف فيها للمجلس الأعلى للقضاء.

* إن ضمان هيئات منتخبة وممثلة تمثيلا حقيقيا تقتضي تمكين كل التونسيين والتونسيات من حق الانتخاب عن طريق ترسيمهم بصورة آلية في القائمات الانتخابية بداية من 18 سنة ومن حقهم في الترشّح نساء ورجالا بداية من 25 سنة.

* إن تعيين محكمة دستورية تتولى مراقبة دستورية القوانين ومراقبة صحة الانتخابات ينبغي أن يتم عن طريق نواب الشعب المنتخبين ضمانا لاستقلالية تلك المحكمة.

* إن إدراج مبدأ الاستفتاء في كافة المستويات الوطنية والجهوية والمحلية حتى يصبح تقليدا أمر هام لتكريس مشاركة الشعب مباشرة في إدارة الشأن العام والحد من بيروقراطية الدولة.

* إن ضمان الممارسة الديمقراطية داخل كافة المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية شرط أساسي من شروط إرساء حياة ديمقراطية حقيقية داخل المجتمع.

* إن إخضاع المؤسستين الأمنية والعسكرية لمراقبة المؤسسة التشريعية أمر ضروري حتى لا يفلتا عن كل مراقبة وحتى لا يقعا تحت السيطرة المطلقة للسلطة التنفيذية.

* إن ضمان الحريات الفردية والعامة واحترام حقوق الإنسان وتوفير الشروط المادية لممارستها لكافة المواطنين والمواطنات هو شرط أساسي لقيام النظام الديمقراطي. والمقصود بهذه الحريات هو: حرية الرأي والضمير والتعبير، حرية التنظم، حرية الاجتماع، حرية الإبداع، حرية الانتخاب والترشح للمسؤوليات العامة، ضمان الحرمة الذاتية وحرمة المسكن والمراسلة والاتصال وتجريم كل انتهاك لها.

* إن ضمان المساواة التامة في الحقوق بين المواطنين وخصوصا بين النساء والرجال في العائلة والمجتمع هو الشرط الأساسي الثاني بعد الحرية لإقامة النظام الديمقراطي.

* إن فصل الدين عن الدولة والسياسة وإيكال الشؤون الدينية إلى هيئة مستقلة تنظمها وتسهر عليها دون تدخل في الشأن العام هو ضمان أساسي لحرية ممارسة المواطنين والمواطنات لمعتقداتهم دون تدخل من أجهزة الدولة.

* إن إلغاء حكم الإعدام مسألة أساسية في منظومة حقوق الإنسان لا يمكن للنظام الديمقراطي أن يتجاهلها.

* إن ضمان الحرية النقابية وخصوصا في ما يتعلق بالتنظم النقابي وبالإضراب هو حق غير قابل للتصرف في النظام الديمقراطي.

* وبما أنه لا ديمقراطية إلا في إطار الاستقلال التام عن كل هيمنة أجنبية فإن النظام الديمقراطي يلغي كافة أشكال الهيمنة المسلطة على بلادنا والتي تفقدها عمليا سلطة القرار المستقل في كل ما يتعلق بشؤونها الداخلية والخارجية.

إن تحقيق هذه الأهداف يقتضي النضال بصورة مباشرة من أجل المطالب الملحة التالية:

* رفض نتائج المهزلة الانتخابية والطعن في شرعية بقاء بن علي في الحكم واحتكار حزبه للحياة العامة والمطالبة بانتخابات حرة ونزيهة في كافة المستويات على قاعدة مبدأ التمثيل النسبي.

* إطلاق سراح كافة المساجين السياسيين والسماح للمغتربين بالعودة وإعلان العفو التشريعي العام والتعويض لكافة ضحايا القمع على ما لحقهم من أضرار مادية ومعنوية.

* حل جهاز البوليس السياسي وإلغاء سلك الأمن الجامعي.

* ضمان استقلالية القضاء: انتخاب المجلس الأعلى للقضاء وعدم نقل القضاة إلا بطلب منهم وإقرار مبدأ الترقية الآلية.

* إلغاء ترسانة القوانين الفاشية وفرض احترام الحريات الفردية والعامة وحقوق الإنسان بالخصوص:
-  حرية التعبير والصحافة: إلغاء قانون الصحافة وضمان حرية إصدار الصحف ورفع يد الحزب الحاكم عن وسائل الإعلام العمومية وإسناد مهمة الإشراف عليها إلى هيئة مستقلة.
-  حرية التنظم: إلغاء قانوني الجمعيات والأحزاب والاعتراف بكافة الجمعيات والأحزاب الراغبة في ذلك واحترام استقلاليتها وحرية نشاطها.
-  احترام حرية المعتقد وإلغاء المنشور رقم 108 وقانون المساجد ومنع توظيف الدين سياسيا على السلطة وكافة الأطراف الأخرى.
-  القضاء على ممارسة التعذيب ومحاكمة المسؤولين عنها أمرا وتنفيذا والتعويض لضحاياها.
-  احترام الحياة الخاصة للمواطنين بكل أبعادها (سكن، مراسلات، اتصالات، معطيات خاصة…) وتجريم انتهاكها.
-  ضمان الحق النقابي بما فيه حق العمال والأجراء في بعث نقابات مستقلة.
-  احترام حق صغار التجار والحرفيين والفلاحين بتنظيم أنفسهم باستقلالية عن اتحاد الصناعة والتجارة والاتحاد الوطني للفلاحين.

* إقرار المساواة بين الجنسين في كافة المجالات.

* حل الشعب المهنية بكافة الإدارات والمؤسسات.

* حل لجان الأحياء الحالية وتعويضها بلجان منتخبة من طرف المتساكنين.

* إعطاء البلديات الاستقلالية التي تمكنها من إدارة شؤون ناخبيها وفقا لمطالبهم.

* إلغاء حكم الإعدام .

* فصل الحزب الحاكم عن الدولة.

* التحقيق في قضايا الفساد.

* وضع حد لكافة مظاهر الهيمنة الامبريالية:
-  حل اللجان العسكرية المختلطة (اللجنة العسكرية الأمريكية التونسية المشتركة).
-  عدم السماح للأساطيل الأجنبية باستعمال الموانئ التونسية
-  منع إقامة قواعد عسكرية أجنبية في تونس
-  مقاومة مشروع الشرق الأوسط الكبير بوصفه جزءا من الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة على المنطقة.
-  غلق المكتب الإقليمي للشراكة الأمريكية الشرق أوسطية

* وضع حد كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني.


الصفحة الأساسية | خريطة الموقع | البريد الالكتروني